Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 132-133)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَوَصَّىٰ بِهَآ إِبْرَاهِيمُ بَنِيهِ وَيَعْقُوبُ } ؛ قرأ أهلُ المدينةِ وأهلُ الشَّام : ( وَأوْصَى ) بالألفِ . وقرأ الباقون بالتشديد . وهما لُغتان ؛ يقال : أوْصَيْتُهُ وَوَصَّيْتُهُ ؛ إذا أمرتُهُ مثلَ إِنْزِلْ ونَزِّلْ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { بِهَآ } يعني بكلمةِ الإخلاص : لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ . وقال أبو عُبيدةَ : ( إنْ شِئْتَ رَدَدْتَ الْكِنَايَةَ إلَى الْمِلًَّةِ ؛ لأَنَّهُ ذكَرَ مِلَّةَ إبْرَاهِيْمَ ؛ وَإنْ شِئْتَ رَدَدْتَهَا إلَى الْوَصِيَّةِ ) . وقال المفضَّلُ : ( بالطَّاعَةِ كِنَايَةً عَنْ غَيْرِ مَذْكُورٍ ) . وكنايةُ الْمِلَّةِ هنا أصحُّ ؛ لأن ردَّها إلى المذكور أولَى من ردِّها إلى المدلولِ ، وكلمةُ الإخلاصِ مدلولٌ عليها في ضِمْنِ قولهِ تعالى : { قَالَ أَسْلَمْتُ لِرَبِّ ٱلْعَالَمِينَ } . وبَنُو إبراهيمَ أربعةٌ : إسْمَاعِيْلُ ؛ وَإسْحَاقُ ؛ وَمَدْيَنُ ؛ وَمَدَائِنُ . قوله تعالى : { وَيَعْقُوبُ } قيل : سُمي بيعقوبَ ؛ لأنه خرجَ على إثْرِ العيصِ ؛ وقد مَضَتْ قصتُهما . وقيل : سُمي بيعقوبَ لكثرة عَقِبهِ ، قال رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " بُعِثْتُ عَلَى إثْرِ ثَمَانِيَةِ آلاَفِ نَبيٍّ : أرْبَعَةُ آلاَفٍ مِنْ بَنِي إسْرَائِيْلَ " ومعنى الآية : وصَّى بها أيضاً يعقوبُ بَنِيْهِ الاثنَي عَشَرَ . وحُكي عن مجاهدٍ أنه حكى عن بعضِهم : ( وَيَعْقُوبَ ) بالنصب عطفاً على بَنِيْهِ داخلاً في جُملتها الموصِّيين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَابَنِيَّ إِنَّ ٱللَّهَ ٱصْطَفَىٰ لَكُمُ ٱلدِّينَ } ؛ أي الإسلامَ ، { فَلاَ تَمُوتُنَّ إَلاَّ وَأَنْتُم مُّسْلِمُونَ } ؛ أي مؤمنون . وقيل : مُخلصون . وقيل : مُحسنون بربكم الظنَّ . وقيل : مُفَوِّضُونَ . روي أنَّهُ لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ قَالَ الْيَهُودُ لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : ألَسْتَ تَعْلَمُ أنَّ يَعْقُوبَ يَوْمَ مَاتَ أوْصَى بَنِيْهِ بدِيْنِ الْيَهُودِيَّةِ ؟ فأنزلَ اللهُ تعالى قولَهُ : { أَمْ كُنتُمْ شُهَدَآءَ إِذْ حَضَرَ يَعْقُوبَ ٱلْمَوْتُ } ؛ أي أكنتم أيُّها اليهودُ حضوراً حين حضرَ يعقوبَ الموتُ ، { إِذْ قَالَ لِبَنِيهِ مَا تَعْبُدُونَ مِن بَعْدِي قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ إِبْرَاهِيمَ وَإِسْمَاعِيلَ } ؛ الصادِقَ ، { وَإِسْحَاقَ } ؛ الْحَلِيْمَ . والمراد بحضور الموت : حضورُ أسبابهِ ؛ لأن مَن حضرَهُ الموتُ لا يتمكَّن من القولِ ، وقد سُمي سببُ الشيء باسْمِه . كما قالَ تعالى : { وَجَزَآءُ سَيِّئَةٍ سَيِّئَةٌ مِّثْلُهَا } [ الشورى : 40 ] . وقال الكلبيُّ : ( مَعْنَى الآيَةِ : أنَّ يَعْقُوبَ لَمَّا دَخَلَ مِصْرَ رَأى أهْلَهَا يَعْبُدُونَ الأَوْثَانَ وَالنِّيْرَانَ ؛ فَجَمَعَ أوْلاَدَهُ وَخَافَ عَلَيْهِمْ ذَلِكَ . وَقَالَ لَهُمْ : مَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ) . وقال عطاءُ : ( إنَّ اللهَ تَعَالَى لَمْ يَقْبضْ نَبيّاً حَتَّى يُخَيِّرَهُ بَيْنَ الْحَيَاةِ وَالْمَوْتِ ، فَلَمَّا خَيَّرَ يَعْقُوبَ قَالَ : أنْظِرْنِي حَتَّى أَسْأَلَ أوْلاَدِي وَأُوْصِيَهُمْ ؛ فَجَمَعَ أوْلاَدَهُ وَأَوْلاَدَ أوْلاَدِهِ وَقَالَ لَهُمْ : قَدْ حَضَرَ أجَلِي ، فَمَا تَعْبُدُونَ مِنْ بَعْدِي ؟ أيْ مِنْ بَعْدِ مَوْتِي . { قَالُواْ نَعْبُدُ إِلَـٰهَكَ وَإِلَـٰهَ آبَائِكَ } . { إِلَـٰهاً وَاحِداً وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } . قرأ يحيى بن مُعَمَّر : ( إلَهَ أبيْكَ ) على التوحيدِ ؛ قال : لأنَّ إسماعيلَ عمُّ يعقوبَ لا أبوهُ . وقرأ العامَّة : ( وَإلَهَ آبَائِكَ ) على الجمعِ . وقالوا : عمُّ الرجل صِنْوُ أبيهِ . وقال النبيُّ صلى الله عليه وسلم للعباسِ : " هَذَا بَقِيَّةُ آبَائِي " والعربُ تُسمي العمَّ أباً كما تُسمِّي الْخَالَةَ أُمّاً . قال اللهُ تعالى : { وَرَفَعَ أَبَوَيْهِ عَلَى ٱلْعَرْشِ } [ يوسف : 100 ] يعني يعقوب وليان ؛ وهي خالةُ يوسف عليه السلام .