Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 136-137)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } ؛ الآيةُ ، وذلك أنهُ جاءَ أحبارُ اليهودِ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقالُوا لَهُ : بمَنْ نُؤْمِنُ مِنَ الأَنْبيَاءِ ؟ فأنزلَ اللهُ : { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ } ؛ { وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } ؛ يعني القرآنَ ، { وَمَآ أُنزِلَ إِلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } ؛ وهي عشرَةُ صُحُفٍ ، { وَإِسْمَاعِيلَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ وَٱلأَسْبَاطِ } ؛ يعني أولادَ يعقوبَ واحدهم سِبْطٌ ، سُموا بذلك لأنه وُلِدَ لكلِّ واحدٍ منهم جماعةٌ من الناس ، وسِبْطُ الرَّجُلِ : حَافِدُهُ ، ومنه قيل للحسنِ والْحُسين : سِبْطَيْنِ لرسولِ الله صلى الله عليه وسلم . والأسباطُ من بني إسرائيلَ كالقبائلِ من العرب ؛ والشعوب من العَجَم ، فكان في الأسباطِ أنبياءٌ ؛ فلذلكَ قال اللهُ تعالى { وَمَآ أُنْزِلَ } إليهم ؛ وقيل : هم بَنُو يعقوبَ من صُلبهِ صاروا كلُّهم أنبياءَ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ } ؛ يعني التوراة ، { وَعِيسَىٰ } ؛ يعني الإنجيل ، { وَمَا أُوتِيَ ٱلنَّبِيُّونَ مِن رَّبِّهِمْ لاَ نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِّنْهُمْ وَنَحْنُ لَهُ مُسْلِمُونَ } ؛ أي لا نؤمنُ ببعضٍ ونَكْفُرُ ببعضٍ كما فعلتِ اليهودُ والنصارى ، بل نؤمن بجميعِ أنبياءِ الله وكُتُبهِ ؛ فلما نزلتْ هذهِ الآيةُ قرأهَا رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم على اليهودِ والنصارى وقال : " إنَّ اللهَ أمَرَنِي بهَذَا " فلما سَمعتِ اليهودُ بذكرِ عيسى أنكرُوا وكَفَرُوا وقالوا : لا نؤمنُ بعيسى . قالتِ النصارَى : إنَّ عيسَى ليسَ بمَنْزِلَةِ الأنبياءِ ولكنهُ ابنُ الله ، فأنزلَ اللهُ تعالى قولَهُ تعالى : { فَإِنْ آمَنُواْ بِمِثْلِ مَآ آمَنْتُمْ بِهِ فَقَدِ ٱهْتَدَواْ وَّإِن تَوَلَّوْاْ فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } ؛ أي فإنْ آمَنوا بجميعِ ما آمَنْتُمْ بهِ كإيْمانِكم . قِيْلَ : معناهُ : فإنْ آمَنوا بما آمنتم به . و ( مِثْلِ ) هنا صلةٌ ، وهكذا كانوا يقرأونَها . كان يقرؤها ابنُ عباسٍ ويقول : إقْرَأْوا ( فَإِنْ آمَنُواْ بمِا آمَنْتُمْ بِهِ ) فليسَ للهِ مِثْلٌ . وقيل : بمعنى ( على ) . وقيل : الباءُ زائدةٌ . ومعنى الآية : إنْ آمَنوا باللهِ ورُسُلِهِ وكُتُبهِ فقدِ اهتَدَوا . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَّإِن تَوَلَّوْاْ } أي وإنْ أعْرَضُوا عن الإيْمانِ بالقرآنِ ومُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم { فَإِنَّمَا هُمْ فِي شِقَاقٍ } أي خلافٍ وعداوة ، يقال : فلانٌ وفلانٌ تَشَاقَّا ؛ أي أخذَ كلُّ واحدٍ منهم بشِقٍّ غيرِ شِقِّ صاحبهِ . دليلهُ قَوْلُهُ تَعَالَى حاكياً عن شُعيب : { وَيٰقَوْمِ لاَ يَجْرِمَنَّكُمْ شِقَاقِيۤ } [ هود : 89 ] أي خِلافِي . وقيل : مأخوذٌ مِما أخذَ كلُّ واحد فيما يَشُقُّ على صاحبهِ . وقال مقاتلُ : ( مَعْنَاهُ : فَإنَّمَا هُمْ فِي ضَلاَلٍ ) . وقال الكسائيُّ : ( مَعْنَاهُ : فَإنَّمَا هُمْ فِي خَلْعِ الطّاعَةِ ) . وقال الحسنُ : ( مَعْنَاهُ : فإنَّمَا هُمْ فِي بعَادٍ وَفِرَاقٍ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . وقيل : لَمَّا انتَهى النبيُّ صلى الله عليه وسلم إلى قوله تعالى : { وَمَآ أُوتِيَ مُوسَىٰ وَعِيسَىٰ } قالت النصارى : لن نؤمنَ بموسى ولا نؤمنُ بكَ ، فأنزلَ اللهُ تعالى : { قُلْ يَـٰأَهْلَ ٱلْكِتَابِ هَلْ تَنقِمُونَ مِنَّآ إِلاَّ أَنْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنزِلَ إِلَيْنَا وَمَآ أُنزِلَ مِن قَبْلُ وَأَنَّ أَكْثَرَكُمْ فَاسِقُونَ } [ المائدة : 59 ] . وإنَّما أضافَ اللهُ الإنزالَ إلى إسماعيل وإسحاق ويعقوبَ والأسباطِ ، وإنَّما كان الإنزالُ على آبائِهم ؛ لأنَّهم كانوا جميعاً يعلَمُون ذلك ، فأضافَ الإنزالَ كما قال : { قُولُوۤاْ آمَنَّا بِٱللَّهِ وَمَآ أُنْزِلَ إِلَيْنَا } أي إلى نَبيِّنَا . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَسَيَكْفِيكَهُمُ ٱللَّهُ } ؛ يعني اليهودَ والنصارى ؛ أي فَسَيَكْفِيْكَهُمُ اللهُ يا مُحَمَّدُ وسائرُ المسلمين شَرَّ اليهودِ والنصارى ، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ } ، لأقوالِهم ، { ٱلْعَلِيمُ } ، بأحوالِهم ، فكفاهُ الله أمرَهم بالقتلِ والسَّبي في بني قُرَيْظَةَ ؛ والجلاءِ والنَّفي في بني النَّضِيْرِ ؛ والجزيةِ والذِّلةِ في نصارى نَجران .