Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 144-144)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } ؛ وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِجِبْرِيْلَ عليه السلام : " " وَدَدْتُ أنَّ اللهَ تَعَالَى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إلَى غَيْرِهَا ؟ " فَقَالَ جِبْرِيْلُ : إنَّمَا أنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ لاَ أمْلِكُ شَيْئاً ؛ فَاسْأَلْ رَبَّكَ أنْ يُحَوِّلَكَ عَنْهَا ، فَارْتَفََعَ جِبْرِيْلُ وَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُدِيْمُ النَّظَرَ إلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أنْ يَأْتِيَهُ جِبْرِيْلُ بمَا سَأَلَ ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ : { قَدْ نَرَىٰ تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي ٱلسَّمَآءِ } " ، { فَلَنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } . وروي : أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابَهُ كَانُواْ يُصَلُّونَ بمَكَّةَ إلَى الْكَعْبَةِ ، فَلَمَّا هَاجَرُواْ إلَى الْمَدِيْنَةِ أمَرَهُ اللهُ أنْ يُصَلِّيَ إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ؛ لِيَكُونَ أقْرَبَ إلَى تَصْدِيْقِ الْيَهُودِ لَهُ إذَا صَلَّى إلَى قِبْلَتِهِمْ مَعَ مَا يَجِدُونَ مِنْ صِفَتِهِ فِي التَّوْرَاةِ . فَرُويَ أنَّهُ صلى الله عليه وسلم صَلَّى هُوَ وَأصْحَابُهُ نَحْوَ بَيْتِ الْمَقْدِسِ سَبْعَةَ عَشَرَ شهراً ؛ وَكَانَتِ الْكَعْبَةُ أحَبَّ الْقِبْلَتَيْنِ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم . واختلفوا في السبب الذي كان لأجله يكرهُ قبلةَ بيت المقدس وهَوِيَ الكعبة . فقال ابن عباس : ( لأنَّهَا قِبْلَةُ أبيْهِ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام ) . وقال مجاهدٌ : ( مِنْ أجْلِ أنَّ الْيَهُودَ قَالُواْ : يُخَالِفُنَا مُحَمَّدٌ فِي دِيْنِنَا وَيَتَّبعُ قِبْلَتَنَا ) . وقال مقاتلٌ : " لَمَّا أمَرَ اللهُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، قَالَتِ : الْيَهُودُ : يَزْعُمُ مُحَمَّدٌ أنَّهُ نَبيٌّ ؛ وَمَا نَرَاهُ أَحْدَثَ فِي نُبُوَّتِهِ شَيْئاً ! ألَيْسَ يُصَلِّي إلَى قِبْلَتِنَا ، وَيَسْتَنُّ بسُنَّتِنَا ! فَإنْ كَانَتْ هَذِهِ نُبُوَّةً فَنَحْنُ أقْدَمُ وَأوْفَرُ نَصِيْباً . فَشَقَّ ذلِكَ عَلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَازْدَادَ شَوْقاً إلَى الْكَعْبَةِ وَقَالَ : " وَدَدْتُ أنَّ اللهَ تَعَالَى صَرَفَنِي عَنْ قِبْلَةِ الْيَهُودِ إلَى غَيْرِهَا ، فَإنِّي أبْغِضُهُمْ وَأبْغِضُ مُوَافَقَتَهُمْ " فَقَالَ جِبْرِيْلُ عليه السلام : إنَّمَا أنَا عَبْدٌ مِثْلُكَ ، لَيْسَ لِي مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ، فَاسْأَلْ رَبَّكَ . ثُمَّ عَرَجَ جِبْرِيْلُ عليه السلام ؛ فَجَعَلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم يُدِيْمُ النَّظَرَ إلَى السَّمَاءِ رَجَاءَ أنْ يَنْزِلَ جِبْرِيْلُ بمَا يُحِبُّ مِنْ أمْرِ الْقِبْلَةِ ، فأنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { قَدْ نَرَى تَقَلُّبَ وَجْهِكَ فِي السَّمَاءِ فَلنُوَلِّيَنَّكَ قِبْلَةً تَرْضَاهَا } " أي فَلَنُلْحِقَكَ إلى قبلةٍ تحبُّها وتَهواها ، { فَوَلِّ وَجْهَكَ شَطْرَ ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } أي نحوه وقصدهُ . وهو نُصب على الظرف . وقيل : شطرُ الشيء نصفهُ ، فكأن اللهَ أمرهُ أن يحوِّلَ وجهَهُ إلى نصفِ المسجد الحرام ؛ والكعبةُ في النصف منه من كلِّ جهة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَحَيْثُ مَا كُنْتُمْ فَوَلُّواْ وُجُوِهَكُمْ شَطْرَهُ } ؛ أي أينما كنتم من برٍّ أو بحر أو جبل أو سهل أو شرق أو غرب فولوا وجوهكم نحوه . فحولت القبلة في رَجَبَ بعد زوال الشمس قبل قتال بدر بشهرين . وقال مجاهد : ( نَزَلَتِ الآيَةُ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي مَسْجِدِ بَنِي سَلَمَةَ وَقَدْ صَلَّى بأَصْحَابِهِ رَكْعَتَيْنِ مِنَ الظُّهْرِ ، فَتَحَوَّلَ فِي الصَّلاَةِ فَاسْتَقْبَلَ الْمِيْزَابَ فَسُمِّيَ ذلِكَ الْمَسْجِدُ مَسْجِدَ الْقِبْلَتَيْنِ . فَلَمَّا حُوِّلَتِ الْقِبْلَةُ إلَى الْكَعْبَةِ ؛ قَالَتِ الْيَهُودُ : يَا مُحَمَّدُ مَا أُمِرْتَ بهَذَا وَمَا هُوَ إلاَّ شَيْءٌ تَبْتَدِعُهُ مِنْ نَفْسِكَ ، فَتَارَةً تُصَلِّي إلَى بَيْتِ الْمَقْدِسِ ، وَتَارَةً تُصَلِّي إلَى الْكَعْبَةِ ، فَلَوْ ثَبَتَّ عَلَى قِبْلَتِنَا لَكُنَّا نَرْجُو أنْ تَكُونَ صَاحِبَنَا الَّذِي كُنَّا نَنْتَظِرُهُ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى قَوْلَهُ : { وَإِنَّ ٱلَّذِينَ أُوتُواْ ٱلْكِتَابَ لَيَعْلَمُونَ أَنَّهُ ٱلْحَقُّ مِن رَّبِّهِمْ } ، يعني أمر الكعبة وأنَّها قبلةُ إبراهيم ، أي وأنَّ اليهودَ والنصارى ليَعلمون أنَّ استقبالَ الكعبةِ حَقٌّ من ربهم ؛ لأنَّ نعتَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم في التوراةِ أن يكون صاحبَ القِبلتين ، ثم هدَّدَهم عَزَّ وَجَلَّ : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا يَعْمَلُونَ } ؛ أي لا يخفى عليه جحُودهم .