Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 163-164)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } ؛ قال الكلبيُّ : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي كُفَّار مَكَّةَ ، قَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ صِفْ لَنَا وَانْسِبْ لَنَا رَبَّكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ سُورَةَ الإخْلاَصِ وَهَذِهِ الآيَةَ ) . وقال الضَّحاكُ : عن ابنِ عباس : ( كَانَ لِلْمُشْرِكِيْنَ فِي الْكَعْبَةِ ثَلاَثُمَائَةٍ وَسُتُّونَ صَنَماً يَعْبُدُونَهُم مِنْ دُونِ اللهِ إفْكاً وَإثْماً ، فَدَعَاهُمُ اللهُ إلَى تَوْحِيْدِهِ وَالإخْلاَصِ فِي عِبَادَتِهِ ، فَقَالَ : { وَإِلَـٰهُكُمْ إِلَـٰهٌ وَاحِدٌ لاَّ إِلَـٰهَ إِلاَّ هُوَ ٱلرَّحْمَـٰنُ ٱلرَّحِيمُ } . ويقال : نزلت هذه الآية في صنف من المجوس ؛ ويقال لهم : الملَكَانية ؛ يقولون : هما اثنان : خالقُ الخيرِ ، وخالق الشر . ومعنى الآية : أن الذي يستحق أن تَأْلَهَ قلوبكم إليه في المنافع والمضار وفي جميع حوائجكم وفي التعظيم له إله واحد لا يستحق الإلهية أحد غيره . فلما نزلت هذه الآية عجِبَ المشركون وقالوا : إن محمداً يقول : إن إلهكم إلهٌ واحدٌ ، فليأتنا بآية إن كان من الصادقين . فأنزل الله تعالى : { إِنَّ فِي خَلْقِ ٱلسَّمَٰوَٰتِ وَٱلأَرْضِ وَٱخْتِلاَفِ ٱللَّيْلِ وَٱلنَّهَارِ وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } ؛ أي في تعاقب الليل والنهار ؛ وفي الذهاب والمجيء . والاختلاف مأخوذٌ من خَلَفَ يَخْلُفُ بمعنى أن كل واحد منها يخلف صاحبه وإذا ذهب أحدهما جاء الآخر خلافه ؛ أي بعده . نظيره قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَهُوَ ٱلَّذِي جَعَلَ ٱلَّيلَ وَٱلنَّهَارَ خِلْفَةً } [ الفرقان : 62 ] . وقال عطاء : ( أرَادَ اخْتِلاَفَ اللَّيلِ وَالنَّهَار فِي اللَّوْنِ وَالطُّولِ وَالْقِصَرِ وَالنُّور وَالظُّلْمَةِ وَالزِّيَادَةِ وَالنُّقْصَانِ ) . والليل : جمعُ لَيلَةٍ مثل نخلة ونخلٌ ؛ والليالي جمعُ الجمعِ . والنهار واحدٌ وجمعه نُهُرٌ . وقدَّم الليل على النهار ؛ لأنه هو الأصل والأقدم . قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَآيَةٌ لَّهُمُ ٱلَّيلُ نَسْلَخُ مِنْهُ ٱلنَّهَارَ } [ يس : 37 ] . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } يعني السَّفَنُ ، واحده وجمعه سواءٌ ، قال الله تعالى في واحده : { وَآيَةٌ لَّهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ يس : 41 ] وقال في جمعه : { حَتَّىٰ إِذَا كُنتُمْ فِي ٱلْفُلْكِ وَجَرَيْنَ بِهِم } [ يونس : 22 ] . ويذكَّر ويؤنث قال الله تعالى في التذكير : { ٱلْفُلْكِ ٱلْمَشْحُونِ } [ يس : 41 ] وقال في التأنيث : { وَٱلْفُلْكِ ٱلَّتِي تَجْرِي فِي ٱلْبَحْرِ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { بِمَا يَنفَعُ ٱلنَّاسَ } يعني ركوبَها والحمل عليها في التجارات والمكاسب وأنواع المطالب . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَآ أَنزَلَ ٱللَّهُ مِنَ ٱلسَّمَآءِ مِن مَّآءٍ } ؛ يعني المطر ، { فَأَحْيَا بِهِ ٱلأَرْضَ بَعْدَ مَوْتِهَا } ؛ أي بعد يبسها وجذوبتها ، { وَبَثَّ فِيهَا مِن كُلِّ دَآبَّةٍ } ؛ أي نشرَ وفرقَ من كل دابة من أجناس مختلفة ، منهم من يمشي على بطنه ومنهم من يمشي على رجلين ، ومنهم من يمشي على أربع ، { وَتَصْرِيفِ ٱلرِّيَاحِ } ؛ أي تقليبها دبوراً وشمالاً وجنوباً وصبا . وقيل : تصريفها مرة بالرحمة ومرة بالعذاب . وقرأ حمزة والكسائي وخلف : ( وَتَصْرِيْفِ الرِّيْحِ ) بغير ألف على الواحد . وقرأ الباقون : ( الرِّيَاحِ ) على الجمع . قال ابن عباس : ( الرِّيَاحُ لِلرَّحْمَةِ ؛ وَالرِّيحُ لِلْعَذَابِ ) ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم إذا هاجَتِ الريحُ يقول : " اللَّهُمَّ اجْعَلْهَا ريَاحاً وَلاَ تَجْعَلْهَا ريْحاً " . قوله تعالى : { وَٱلسَّحَابِ ٱلْمُسَخَّرِ } ؛ أي المذَلَّل ، { بَيْنَ ٱلسَّمَآءِ وَٱلأَرْضِ } ؛ سُمي سحاباً لأنه ينسحب بالسير في سرعة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لآيَاتٍ لِّقَوْمٍ يَعْقِلُونَ } ؛ أي لعلامات دالة على وحدانية الله لقوم يعرفون لو كانت هذه الأمورُ إلى اثنين لاختلفا . وقيلَ : لآياتٍ لقوم يعقلون فيعلمون أنَّ لهذه الأشياء خالقاً وصانعاً . قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " وَيْلٌ لِمَنْ قَرَأ هَذِهِ الآيَةَ وَلَمْ يَتَفَكَّرْ فِيْهَا وَيَعْتَبرْ بهَا " . قيل : إنَّ السحاب كالمنخَلِ يخرج منه المطر قطرةً قطرة ولا تلتقي منه قطرتان في الجوِّ ؛ إذ لو خرج منهمراً سيَّالاً لأغرق ما أتَى عليه كما في طُوفان نوح عليه السلام قال اللهُ تعالى في طوفان نوحٍ : { فَفَتَحْنَآ أَبْوَابَ ٱلسَّمَآءِ بِمَاءٍ مُّنْهَمِرٍ } [ القمر : 11 ] .