Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 177-177)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { لَّيْسَ ٱلْبِرَّ أَن تُوَلُّواْ وُجُوهَكُمْ قِبَلَ ٱلْمَشْرِقِ وَٱلْمَغْرِبِ } ؛ قرأ حمزة وحفص : ( لَيْسَ الْبرَّ ) بالنصب ، ووجهُ ذلك : أنهما جعلا ( أنْ ) وصلتهما في موضع الرفع على اسم ليس ، تقديره : ليس توليتكم وجوهكم البرَّ ، كقولهِ تعالى : { فَكَانَ عَاقِبَتَهُمَآ أَنَّهُمَا فِي ٱلنَّارِ } [ الحشر : 17 ] . وقرأ الباقون بالرفع على أنه اسمُ ( لَيْسَ ) . واختلفَ المفسرون في هذه الآية : فقال قومٌ : أراد بها اليهودَ والنصارى قبل المشرق ، وزعمَ كل فريقٍ منهم أن البرَّ في ذلك ، فأخبرَ الله تعالى أن البرَّ غيرُ دينهم وعملهم ، وعلى هذا القول قتادةُ والربيع ومقاتل . وقيل : لَمَّا حُوِّلَتِ القبلةُ إلى الكعبة كَثُرَ الخوضُ في أمر القبلة ، فتوجَّهت . النصارى نحوَ المشرق ، واليهود يصلونَ قِبل المغرب إلى بيت المقدس ، واتخذوهُما قبلةً وزعموا أنه البرُّ ، فأكذبَهم اللهُ تعالى بهذا وبيَّن أن البر في طاعته واتباعِ أمره ، وأن البرَّ يتمُّ بالإيْمان . وقيل : معناهُ : ليس البرُّ كلهُ في الصَّلاة فقط ، { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ } ، الذي يؤدِّي للثواب ، { مَنْ آمَنَ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ، والإقرار بالملائكة أنَّهم عبادُ الله ورسله ؛ لا كما قال بعض الكفار : أنَّ الملائكة بناتُ الله . والإقرار بالنبييِّن كلهم . فإنْ قيلَ لَهم : جعل ( مَنْ ) خبرَ ( الْبرَّ ) و ( مَنْ ) اسمٌ و ( الْبرَّ ) فعلٌ ، وهم لا يُجبَرُونَ : ( الْبرَّ ) زيْدَ . قيل : معناهُ عند بعضهم : ولكنَّ البرَّ الإيْمانُ بالله ، والعربُ تجعل الاسم خبراً للفعل كقولهم : البرُّ الصادقُ الذي يصلُ رحِمه ويخفي صدقتهُ ، يريدون صلةَ الرحمِ وإخفاءَ الصدقةِ ، فيكون ( مَنْ ) في موضعِ الْمَصْدَر كأنه قال : ولكن البرَّ مَن آمن بالله والْبرُّ برُّ مَن آمَنَ بالله ، كما يقال : الْجُودُ من حاتمٍ ؛ والشجاعةُ من عنترٍ ؛ أي الجود جودُ حاتم ، والشجاعة شجاعة عنتر ، ومثله قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَسْئَلِ ٱلْقَرْيَةَ } [ يوسف : 82 ] أي أهلَ القريةِ . { مَّا خَلْقُكُمْ وَلاَ بَعْثُكُمْ إِلاَّ كَنَفْسٍ وَاحِدَةٍ } [ لقمان : 28 ] ؛ أي كخَلقِ نفسٍ . وقال أبو عُبيدة : ( مَعْنَاهُ : وَلَكِنَّ الْبَارَّ مَنْ آمَنَ باللهِ ، كَقَوْلِهِ : { وَٱلْعَاقِبَةُ لِلتَّقْوَىٰ } [ طه : 132 ] أيْ لِلْمُتَّقِي ) . وقيل : معناهُ : ولكن ذا البرَّ مَن آمنَ بالله ، كقوله : { هُمْ دَرَجَٰتٌ عِندَ ٱللَّهِ } [ آل عمران : 163 ] هم ذو درجاتٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْمَلاۤئِكَةِ وَٱلْكِتَابِ وَٱلنَّبِيِّينَ } ؛ أي مَن آمنَ بالله والملائكةِ كلهم والكتاب يعني الكتبَ ، والنبيينَ أجمع . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآتَى ٱلْمَالَ عَلَىٰ حُبِّهِ } ؛ اختلفوا في الهاء الذي في ( حُبهِ ) ؛ فقال أكثرُ المفسرين : الهاءُ في ( حُبهِ ) راجعٌ إلى المال ؛ يعني إعطاءَ المال في صحتهِ ومحبتهِ إياهُ وصلته به ، وهو صحيحٌ يخشى الفقر ويأملُ الغنى ، ولا يهمل حتى إذا بَلَغَتِ الْحُلْقُومَ فيقول : لفلانٍ كذا أو لفلان كذا . أو قيل : هي عائدةٌ إلى الله ؛ أي على حب الله تعالى . وقيل : على حب الأنبياء . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَوِي ٱلْقُرْبَىٰ } ؛ أي أهل القربَى ؛ قال صلى الله عليه وسلم : " أفْضَلُ الصَّدَقَةِ عَلَى ذَوي الرَّحِمِ الْكَاشِحِ " و " عن ميمونةَ زوجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم قالت : أعْتَقْتُ جَاريَةً لِي ، فََدَخَلَ عَلَيَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرْتُهُ بذَلِكَ ؛ فَقَالَ : " آجَرَكِ اللهُ ، أمَا أنَّكِ لَوْ أعْطَيْتِهَا بَعْضَ أخْوَالِكِ كَانَ أعْظَمَ لأَجْرِكِ " " . وقولهُ تعالى : { وَٱلْيَتَامَىٰ وَٱلْمَسَاكِينَ } { وَٱبْنَ ٱلسَّبِيلِ } ؛ يعني الْمُجتَازَ ، قال مجاهدٌ : ( وَهُوَ الْمُسَافِرُ وَالْمُنْقَطِعُ عَنْ أهْلِهِ يَمُرُّ عَلَيْكَ ) . وقال قتادةُ : ( وَهُوَ الضَّيْفُ يَنْزِلُ بالرَّجُلِ ) قَالَ : ( لِقَوْلِهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ كَانَ يُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ فَلْيُكْرِمْ ضَيْفَهُ " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " حَقُّ الضِّيَافَةِ ثَلاَثٌ ، فَمَا فَوْقَ ذلِكَ فَهُوَ صَدَقَةٌ " وَإنَّمَا قِيْلَ لِلْمُسَافِرِ وَالضَّيْفِ : ابْنُ السَّبيْلِ ؛ لِمُلاَزَمَتِهِ الطَّرِيْقَ كَمَا يُقَالُ لِلرَّجُلِ الَّذِي أتَتْ عَلَيْهِ الدُّهُورُ : ابْنُ اللَّيَالِي والأَيَّامِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلسَّآئِلِينَ } ؛ يعني المستطعمينَ الطالبينَ ، قال رسول الله صلى الله عليه وسلم : " لِلسَّائِلِ حَقٌّ وَإنْ جَاءَ عَلَى ظَهْرِ فَرَسٍ " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " هَدِيَّةُ اللهِ لِلْمُؤْمِنِ السَّائِلُ عَلَى بَابهِ " قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَفِي ٱلرِّقَابِ } ؛ يعني المكاتَبين ؛ كذا قال أكثرُ أهل التفسير . وقيل : فداءُ الأُسَارى . وقيل : عِتق النَّسمة هو شراؤُها للعتقِ وفكِّ الرقبة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَقَامَ ٱلصَّلاةَ } ؛ يعني المفروضةَ ، وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآتَى ٱلزَّكَاةَ } ؛ يعني الواجبةَ ، وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلْمُوفُونَ بِعَهْدِهِمْ إِذَا عَاهَدُواْ } ؛ يعني فيما بينَهم وبين الله ، وفيما بينهم وبينَ الناس إذا وعدُوا أنْجَزوا ؛ وإذا حلَفوا بَرُّوا ؛ وإذا نذرُوا أوفَوا ؛ وإذا قالوا صدقُوا ؛ وإذا ائتمنوا أدَّوا . وقيل : معناه الموفونَ بالعهود التي أمرَ الله بأوفائها من سائر المواثيقِ ؛ مدَحهُم على الوفاء بمَا عاهدوا رسولَ الله صلى الله عليه وسلم من نصرتهِ على الأعداءِ ؛ ومظاهرتهِ بالجهاد . واختلفوا في رفع الْمُوفِيْنَ ؛ فقال الفراءُ والأخفش : ( هُوَ عَطْفٌ عَلَى مَحَلِّ { مَنْ } فِي قَوْلِهِ { وَلَـٰكِنَّ ٱلْبِرَّ مَنْ آمَنَ } كَأَنَّهُ قَالَ : وَلَكِنَّ الْبرَّ الْمُؤْمِنُونَ والْمُوفُونَ ) . وقيل : هو رفعٌ على الابتداءِ ، والخبرُ تقديره : وهُمُ الموفون . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلصَّابِرِينَ فِي ٱلْبَأْسَآءِ وٱلضَّرَّآءِ } ؛ في انتصابه خلافٌ ؛ قال الكسائيُّ : ( عَطْفٌ عَلَى ذوي الْقُرْبَى ، كَأَنَّهُ قَالَ : وَآتَى الصَّابرِيْنَ ) . وقال بعضهم : معناهُ : أعْنِي الصابرين . وقال الخليلُ والفرَّاء : ( نُصِبَ عَلَى الْمَدْحِ ، وَالْعَرَبُ تَنْصِبُ عَلَى الْمَدْحِ وَالذَّمِّ ، فَالْمَدْحُ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَٱلْمُقِيمِينَ ٱلصَّلاَةَ } [ النساء : 162 ] ، وَالذَّمُّ مِثْلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { مَّلْعُونِينَ } [ الأحزاب : 61 ] ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { فِي ٱلْبَأْسَآءِ } يعني الشدة والفقر ، و { وٱلضَّرَّآءِ } يعني المرضَ والزَّمَانَةَ ، وفي هاتين الحالتينِ يعظمُ موقع الصبر على العبادةِ . قَوْلُهُ تعَالَى : { وَحِينَ ٱلْبَأْسِ } ؛ أي وقتَ القتال وشدة الحرب ، يقال : لا بأسَ عليك ؛ أي شدةَ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { أُولَـٰئِكَ ٱلَّذِينَ صَدَقُواْ } ؛ أي في إيمانِهم وجهادهم ، { وَأُولَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } ؛ محارمَ الله تعالى . قيل : [ جَاءَ رَجُلٌ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَأَلَهُ عَنِ الإيْمَانِ ؛ فَقَرَأ هَذِهِ الآيَةَ ] .