Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 17-17)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ ٱلَّذِي ٱسْتَوْقَدَ نَاراً } ؛ أي مَثَلُ المنافقينَ في إظهارهم الإسلامَ وحَقْنِهم دماءَهم وأموالَهم كمثل رجلٍ في مَفَازَةٍ في ليلة مظلمةٍ يخافُ السِّباع على نفسهِ ، فيوقدُ ناراً لِيَأْمَنَ بها السباعَ ، { فَلَمَّآ أَضَآءَتْ } ، النارُ ، { مَا حَوْلَهُ } المستوقد ؛ طُفِئَتْ . فبقي في الظلمةِ ؛ كذلك المنافقُ يخاف على نفسه من قِبَلِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وأصحابه فيسلم دماء الناس فيحقنُ دمه ، ويناكحُ المسلمين فيكون له نورٌ بمنْزلة نور نار المستوقِدْ ؛ فإذا بلغَ آخرتَهُ لَم يكن لإيْمانهِ أصلٌ في قلبه ، ولا حقيقةٌ في عمله ، سُلِبَ نورُ الإيْمان عند الموت فيبقى في ظلمةِ الكفر ، نَسْتَعِيْذُ باللهِ . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱسْتَوْقَدَ } يعني أوقدَ ، قال الشاعر : @ وَدَاعٍ دَعَا يَا مَنْ يُجِيْبُ إلَى النَدَى فَلَمْ يَسْتَجِبْهُ عِنْدَ ذاكَ مُجِيْبُ @@ وقَوْلُهُ تَعَالَى : { كَمَثَلِ ٱلَّذِي } بمعنى ( الذينَ ) دليلهُ سياقُ الآية ؛ ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّذِي جَآءَ بِٱلصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ أُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلْمُتَّقُونَ } [ الزمر : 33 ] . فإنْ قُلْتَ : كيفَ يجوزُ تشبيهُ الجماعة بالواحد ؟ قُلْتُ : لأن ( الَّذِي ) اسمٌ ناقصٌ ، فيتناولُ الواحدَ والاثنين كـ ( مَنْ ) و ( مَا ) ، وفي الآيةِ ما يدلُّ على أن معناهُ الجمعَ ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتَرَكَهُمْ } . وقد يجوزُ تشبيهُ فعلِ الجماعةِ بفعل الواحدِ مثلُ قولهِ تعالى : { أَتَدُورُ أَعْيُنُهُمْ كَٱلَّذِي يُغْشَىٰ عَلَيْهِ مِنَ ٱلْمَوْتِ } [ الأحزاب : 19 ] . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { أَضَآءَتْ } يقال : ضَاءَ القمرُ يَضُوءُ ضَوْءاً ، وَأَضَاءَ يُضِيْءُ إضَاءَةً ؛ وَإضَاءَةً غيرُه يكون لازماً ومتعدِّياً . وقرأ محمَّدُ بن السُّمَيقِعِ : ( ضَاءَتْ ) بغيرِ ألفٍ ؛ و { حَوْلَهُ } نُصب على الظرفِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَهَبَ ٱللَّهُ بِنُورِهِمْ } ؛ أي أذهبَ الله نورَهم . وإنَّما قال : { بنُورهِمْ } والمذكورُ في أوَّلِ الآية النارُ ؛ لأنَّ النارَ فيها شيئان : النُّورُ والحرارةُ ؛ فذهبَ نورُهم ؛ وبقِيَ الحرارة عليهم ، { وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَٰتٍ لاَّ يُبْصِرُونَ } . وفِي بعضِ التفاسيرِ : قال ابنُ عبَّاس ؛ وقتادةُ والضحَّاك : ( مَعْنَى الآيَةِ : مَثَلُهُمْ فِي الْكُفْرِ وَنِفَاقُهُمْ كَمَنْ أوْقَدَ نَاراً فِي لَيْلَةٍ مُظْلِمَةٍ فِي مَفَازَةٍ فَاسْتَضَاءَ بهِ ، وَاسْتَدْفَأَ وَرَأَى مَا حَوْلَهُ ، فَاتَّقَى مَا يَحْذَرُ وَنَجَا مِمَّا يَخَافُ وَأَمِنَ ؛ فَبَيْنَمَا هُوَ كَذَلِكَ إذْ طُفِئَتْ نَارُهُ ؛ فَبَقِيَ مُظْلِماً خَائِفاً مُتَحَيِّراً ؛ فَكَذَلِكَ الْمُنَافِقُونَ إِذَا أظْهَرُواْ كَلِمَةَ الإيْمَانِ وَاسْتَنَارُواْ بنُورهَا وَاعْتَزُّواْ بعِزِّهَا ، فَنَاكَحُواْ الْمُسْلِمِيْنَ وَوَارَثُوهُمْ وَقَاسَمُوهُمُ الْغَنَائِمَ وَأمِنُواْ عَلَى أمْوَالِهِمْ وَأوْلاَدِهِمْ ؛ فَإِذَا مَاتُواْ عَادُواْ فِي الظُّلْمَةِ وَالْخَوْفِ وَبَقَواْ فِي الْعَذَاب وَالنِّقْمَةِ ) .