Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 180-180)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { كُتِبَ عَلَيْكُمْ إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } ؛ أي فُرضَ عليكم إذا حَضَرَ أحدَكم أسبابُ الموتِ من العلل والأمراض ، { إِن تَرَكَ خَيْراً } ؛ أي مَالاً ، { ٱلْوَصِيَّةُ لِلْوَالِدَيْنِ وَٱلأَقْرَبِينَ بِٱلْمَعْرُوفِ } ؛ وفي ارتفاع الوصية وجهان ؛ أحدُهما : اسم ما يسمَّ فاعله ؛ أي كتب عليكم الوصيةُ ، والثاني : بخبر الجار والمجرور . وفي قوله : { لِلْوَالِدَيْنِ } . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { بِٱلْمَعْرُوفِ } أي لا يزيد على الثُلُثِ ؛ ولا يوصي للغني ويترك الفقير . كما قيلَ : الوصيةُ للأحوج فالأحوج . وقوله تعالى : { حَقّاً } ؛ أي حَقّاً واجباً وهو نعتٌ على المصدر ، معناه : حقٌّ ذلك حقاً . وقيل : على المفعول ؛ أي جعل الوصية حقّاً . وقوله تعالى : { عَلَى ٱلْمُتَّقِينَ } ؛ أي على المؤمنين . وسببُ نزول هذه الآية : أنَّهم كانوا في ابتداء الإسلام يوصون للأباعد طلباً للرياءِ ، فأمرَ الله تعالى مَن { تَرَكَ خَيْراً } أي مالاً . نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا تُنْفِقُواْ مِنْ خَيْرٍ } [ البقرة : 272 ] أي من مالٍ ، وقوله : { إِنِّي لِمَآ أَنزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ } [ القصص : 24 ] أي من مالٍ ، { وَإِنَّهُ لِحُبِّ ٱلْخَيْرِ لَشَدِيدٌ } [ العاديات : 8 ] . وقوله تعالى : { إِذَا حَضَرَ أَحَدَكُمُ ٱلْمَوْتُ } أي إذا مَرِضَ أحدكم ؛ لأنه إذا عاينَ الموتَ فقد شُغل عن الوصية . وهذه الآية منسوخةٌ عند أكثرِ العلماء ، واختلفوا بأيِّ دليل نُسِخَتْ ؛ فقالَ بعضهم : بآية المواريث ، وهذا لا يصحُّ ؛ لأنَّ الله تعالى قال فيها : { مِن بَعْدِ وَصِيَّةٍ يُوصِي بِهَآ } [ النساء : 11 ] . والصحيح : أنَّها نُسِخَتْ بقوله عليه السلام : " لاَ وَصِيَّةَ لِوَارثٍ " وهذا الخبرُ وإن كان خبرَ واحدٍ فقد تَلَقَّتْهُ الأمة بالقَبول ، فقد جرى مجرى التواتر ، ويجوزُ نسخ القرآن بمثل هذه السُّنة ، ولا تجبُ الوصية إلا على من عليه شيء من الواجباتِ لله تعالى أو لعبادهِ ، وتستحبُّ لما لا شيء عليه بالوصية بالثلث لأقاربه الذين لا يرثونه بالرحمِ ، وفي جهات الخيرِ إذا لم يخف ضرراً على ورثته ، قال الضَّحاك : ( مَنْ مَاتَ وَلَمْ يُوصِ لِذِي قَرَابَتِهِ ، فَقَدْ خُتِمَ عَلَيْهِ بمَعْصِيَتِهِ ) . وقيلَ : لا يجب على أحدٍ وصيةً ، فإن أوصَى فحسنٌ ، وإن لم يُوصِ فلا شيءَ عليه ، وهذا قولُ عليٍّ وابنِ عمرَ وعائشةَ وعكرمةَ ومجاهدٍ والسديِّ . قال عروةُ بن الزبير : ( دَخَلَ عَلِيٌّ رضي الله عنه عَلَى مَرِيْضٍ يَعُودُهُ ؛ فَقَالَ : إنِّي أُريْدُ أنْ أُوصِي ، قَالَ عَلِيٌّ رضي الله عنه : إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ قَالَ : { إِن تَرَكَ خَيْراً } وَإنَّمَا تَتْرُكُ شَيْئاً يَسِيْراً فَدَعْهُ لِعِيَالِكَ ، فَإنَّهُ أفْضَلُ ) . وروى نافعٌ عن ابنِ عمر : ( أنَّهُ لَمْ يُوصِ ، فَقَالَ : أمَّا ربَاعِي فَلاَ أُحِبُّ أنْ يُشَاركَ وَلَدِي فِيْهَا أحَدٌ ) . وروي : ( أنَّ رَجُلاً قَالَ لِعَائِشَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : إنِّي أُريْدُ أنْ أُوْصِي ، قَالَتْ : كَمْ مَالُكَ ؟ قَالَ : ثَلاَثَةُ آلاَفٍ ، قَالَتْ : كَمْ عِيَالُكَ ؟ قَالَ : أرْبَعَةٌ ، قَالَتْ : إنَّمَا قَالَ اللهُ تَعَالَى : { إِن تَرَكَ خَيْراً } وَهَذَا شَيْءٌ يَسِيْرٌ فَاتْرُكْ لِعِيَالِكَ ) . وقد روي عن عروةَ بنِ ثابت قال للربيعِ بن خَيْثَمَ : ( أوْصِ لِي بمُصْحَفِكَ ، فَنَظَرَ إلَى ابْنِهِ ، وَقَالَ : { وَأْوْلُواْ ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } [ الأنفال : 75 ] ) .