Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 190-190)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } ؛ أي وقَاتِلُوا في دِين الله وطاعتهِ الذين يقاتِلُونَكم . قال الربيعُ وعبدالرحمن بن زيد : ( هَذِهِ أوَّلُ آيَةٍ نَزَلَتْ فِي الْقِتَالِ ، وَذَلِكَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأصْحَابَهُ خَرَجُواْ فِي الْعَامِ الَّذِي أرَادُواْ فِيْهِ الْعُمْرَةَ فَنَزَلُواْ بالْحُدَيْبيَةِ قُرِيْباً مِنْ مَكَّةَ ) . وَالْحُدَيْبيَةُ اسْمٌ لِلْبئْرِ فَسُمِّيَ ذَلِكَ الْمَوْضِعُ باسْمِ الْبئْرِ ، فَصَدَّهُ الْمُشْرِكُونَ عَنِ الْبَيْتِ ، فَأَقَامَ بالْحُدَيْبيَةِ شَهْراً ثُمَّ صَالَحَهُ الْمُشْرِكُونَ عَلَى أنْ يَرْجِعَ عَامَهُ ذَلِكَ عَلَى أنْ يُخْلُوا لَهُ مَكَّةَ مِنَ الْعَامِ الْقَابلِ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ، فَيَطُوفَ وَيَنْحَرَ الْهَدْيَ وَيَفْعَلَ مَا يَشَاءُ ؛ وَصَالَحُوهُ عَلَى أنْ لاَ يَكُونَ بَيْنَهُ وَبَيْنَهُمْ قِتَالٌ إلَى عِشْرِ سِنِينَ . فَرَجَعَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى الْمَدِيْنَةِ ، فَلَمَّا كَانَ الْعَامُ الْمُقْبلُ تَجَهَّزَ لِعُمْرَةِ الْقَضَاءِ ؛ وَكَانُواْ يَخَافُونَ أنْ لاَ تَفِي قُرَيْشٌ بذَلِكَ ؛ وَكَانُواْ يَكْرَهُونَ قِتَالَهُمْ فِي الشَّهْرِ الْحَرَامِ وَفِي الْحَرَمِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . ومعناها : وقاتِلوا في طاعةِ الله الذين يَبْدَأُونَكُمْ بالقتالِ ؛ { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } ؛ أي ولا تنقُضُوا العهدَ بالبداءة بقتالِهم قبلَ تقديمِ الدعوةِ ، { إِنَّ ٱللَّهَ لاَ يُحِبُّ ٱلْمُعْتَدِينَ } ؛ أي المتجاوزين عن الْحُدُودِ ؛ أي لا يرضَى عنهم عملَهم . فلما نزلت هذه الآيةُ كانَ صلى الله عليه وسلم يقاتلُ مَن قَاتَلَهُ ويكفُّ عمن كفَّ عنه ، حتى نزلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱقْتُلُواْ ٱلْمُشْرِكِينَ حَيْثُ وَجَدتُّمُوهُمْ } [ التوبة : 5 ] فنُسخت هذه الآيةُ وأُمر بالقتالِ مع المشركين كافَّة . وقال بعضهُم : هذه الآية مُحْكَمَةٌ أُمِرَ رسولُ الله صلى الله عليه وسلم بالقتالِ ولَم يُنسَخْ شيءٌ من حُكمِ هذه الآية ؛ فعلى هذا القولِ معنى قوله : { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } أي لا تقتلُوا النساءَ والصبيان والشيخَ الكبير ولا مَن ألقى إليكم السَّلَمَ وكفَّ يدَهُ عن قتالِكم ؛ فإنْ فعلتم ذلك فقد اعْتَدَيْتُمْ ؛ وهو قولُ ابنِ عبَّاس ومجاهد . فمعنى الآية : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ } أي الذين هم مِن أهلِ القتال دون النساءِ والولدان الذي لا يقاتلون . فعلى هذا القولِ الآيةُ غير منسوخةٍ . وقال يحيى بن يحيى : ( كَتَبْتُ إلَى عُمَرَ بْنِ عَبْدِالْعَزِيْزِ أسْأَلُهُ عَنْ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَقَاتِلُواْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ ٱلَّذِينَ يُقَاتِلُونَكُمْ وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } فَكَتَبَ إلَيَّ أنَّ ذَلِكَ فِي النِّسَاءِ وَالذُّرِّيَّةِ وَالرُّهْبَانِ وَمَنْ لَمْ يَنْتَصِبْ لِلْحَرْب مِنْهُمْ ) . وقال الحسنُ : ( { وَلاَ تَعْتَدُوۤاْ } أيْ لاَ تَأْتُوا مَنْ نُهِيْتُمْ عَنْهُ ) . وقال بعضهم : الاعتداءُ ترك قتالهم . وقال بعضهم : نزلت هذه الآيةُ والقتال كان محظوراً قبل الهجرةِ كما قال تعالى : { وَجَٰدِلْهُم بِٱلَّتِي هِيَ أَحْسَنُ } [ النحل : 125 ] ثم أمرَ اللهُ بالقتال بعد الهجرة لمن قاتلهم بهذه ؛ ثم نزلت آية أخرى في الإذن بالقتال عامة لِمن قاتَلَهم ولِمن لَم يُقاتِلْهم ، وهو قَوْلُهُ تَعَالَى : { أُذِنَ لِلَّذِينَ يُقَاتَلُونَ بِأَنَّهُمْ ظُلِمُواْ } [ الحج : 39 ] . وعن سُليمان بن بُريدَةَ عن أبيهِ قال : " كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إذا بَعَثَ عَلَى سَرِيَّةٍ أوْ جَيْشٍ أمِيْراً أوْصَاهُ فِي نَفْسِهِ خَاصَّةً بتَقْوَى اللهِ عَزَّ وَجَلَّ وَبمَنْ تَبعَهُ مِنَ الْمُسْلِمِيْنَ خَيْراً . وَقَالَ : " أُغْزُواْ باسْمِ اللهِ وَفِي سَبيْلِ اللهِ ، قَاتِلُواْ مَنْ كَفَرَ باللهِ ، أُغْزُواْ وَلاَ تَغْلُواْ وَلاَ تَغْدُرُواْ وَلاَ تُمَثِّلُواْ وَلاَ تَقْتُلُوا وَلِيْداً " " .