Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 196-196)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَأَتِمُّواْ ٱلْحَجَّ وَٱلْعُمْرَةَ للَّهِ } ؛ إتْمامهما أن تُحرم بهما من دُوَيرَةِ أهلِكَ . وَقِيْلَ : إتمام العمرةِ إلى البيت ، وإتمامُ الحج إلى آخرِ الحجِّ كله . وَقِيْلَ : إتْمامُهما أن تكون النفقةُ حلالاً وينتهي عن جميع ما نَهى الله عنه ؛ ويأتِي بجميع ما شَرَعَ اللهُ من المشاعرِ والمواقف . وَقِيْلَ : أتِمُّوا الحجَّ والعمرة من المواقيت . { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } ؛ أي إن مُنِعْتُمْ مِن البيتِ بعدما أحرمتم بحجٍّ أو عُمرةٍ ؛ فأردتُم الإحلالَ فعليكم مما تَيَسَّرَ من الْهَدْيِ . قال ابنُ عبَّاس : ( أعْلاَهُ بَدَنَةٌ ؛ وَأَوْسَطُهُ بَقَرَةٌ ؛ وَأدْنَاهُ شَاةٌ ، يَبْعَثُ الْمُحْصِرُ بهَا إلَى مَكَّةَ وَيُوَاعِدُهُمْ الْيَوْمَ الَّذِي يَذْبَحُوهُ عَنْهُ . فَإذَا ذُبحَ عَنْهُ حَلَّ وَرَجَعَ إلَى أهْلِهِ . ثُمَّ يَقْضِي مَا كَانَ أحْرَمَ بهِ ) . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } ؛ أي لا يحلقُ أحدكم رأسَه ولا يحل من الإحرام حتى يبلغَ الهديُ الحرمَ ؛ أي حتى يعلمَ أن الهدي قد ذُبح عنه في الحرم . قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَن كَانَ مِنكُم مَّرِيضاً } ؛ أي مَن كان مريضاً من الْمُحْرِمِيْنَ ؛ مُحْصَرِيْنَ أو غير مُحْصَرِيْنَ ، فلم يستطعِ الإقامةَ على شروطِ الإحرام ، فعجَّل وفعلَ شيئاً مما يفعلهُ الحلال قبل أن يُنحر عنه الْهَدْيُ ، { أَوْ بِهِ أَذًى مِّن رَّأْسِهِ } ؛ أي أو كان في رأسهِ قملٌ يؤذيهِ لا يستطيع أن يصبرَ عليه ، فحلقَ رأسَهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَفِدْيَةٌ مِّن صِيَامٍ } ؛ أي فَعليه فداءُ ما صنعَ صيامَ ثلاثة أيام ، { أَوْ صَدَقَةٍ } ؛ على ستَّةِ مساكين ؛ لكل مسكينٍ نصفُ صاع من بُرٍّ أو صاع من تَمر ، أو صاع من شعير ، { أَوْ نُسُكٍ } ؛ أي شاةٍ يذبحُها في الحرم . " روي عن كعب بن عجرة : أنه قال : نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِيَّ ؛ مَرَّ بي رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْقَمْلُ يَتَنَاثَرُ عَلَى وَجْهِي ، فَقَالَ له : " أتُؤْذِيْكَ هَوَامُّ رَأسِكَ ؟ " قُلْتُ : نَعَمْ ، قَال : " احْلِقْ رَأسَكَ وَأَطْعِمْ سِتَّةَ مَسَاكِيْنَ ؛ لِكُلِّ مِسْكِيْنٍ نِصْفُ صَاعٍ مِنْ حِنْطَةٍ ، أوْ صُمْ ثَلاَثَةَ أيَّامٍ ، أوْ أُنْسُكْ بنُسَيْكَةٍ " " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَآ أَمِنتُمْ فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ فَمَا ٱسْتَيْسَرَ مِنَ ٱلْهَدْيِ } ؛ أي فإذا أمنتم الموانعَ من المرض والعدوِّ وكل مانع . ويقال : في الآية إضمارٌ تقديره : فإذا أمنتم من العدوِّ وبرئتم من المرضِ ، فاقضوا ما كنتم أحرمتم به قبلَ الإحصار من حجِّ أو عمرةٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَن تَمَتَّعَ بِٱلْعُمْرَةِ إِلَى ٱلْحَجِّ } أي من بدأ بالعمرة في أشهر الحجِّ ؛ وأقامَ بمكة في عامه للحجِّ ؛ فحج من غيرِ أن يرجِعَ إلى أهله ؛ فَعليه ما تيسَّر من الهدي . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَن لَّمْ يَجِدْ فَصِيَامُ ثَلاثَةِ أَيَّامٍ فِي ٱلْحَجِّ وَسَبْعَةٍ إِذَا رَجَعْتُمْ } ؛ أي فمَن لَم يجدِ الهديَ ولا عنه ؛ فعليهِ صيامُ ثلاثة أيام في الحجِّ يصومها قبل يوم النَّحرِ متتابعات ومتفرِّقات ؛ وصيامُ سبعةِ أيَّام إذا رجعَ إلى أهلهِ . ويقالُ : إذا رجعَ من مِنى . ويقال : إذا رجعَ إلى ما كان عليهِ ؛ أي فرغَ من أمرِ الحجِّ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } ؛ أي كاملةٌ للثواب . وَقِيْلَ : كاملةٌ للهدي . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } ؛ أي ذلك التمتعُ والهديُ لِمن لَم يكن أهلهُ حاضِري مكةَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱتَّقُواْ ٱللَّهَ وَٱعْلَمُواْ أَنَّ ٱللَّهَ شَدِيدُ ٱلْعِقَابِ } ؛ أي اتقوا اللهَ في جميعِ ما أُمِرْتُم به ونُهيتم عنه . وقد اختلفَ السلفُ في وجوب العُمرة ؛ فروي عن ابنِ مسعود والشعبيِّ وإبراهيم النخعيِّ : ( إنَّهَا تَطَوُّعٌ ) ، وبه قال أبو حَنيفةَ وأصحابهُ ومالكٌ . وعن عائشةَ وابن عبَّاس وابن عمرَ ومجاهد : ( أنَّهَا وَاجِبَةٌ ) ؛ وبه قال الشافعيُّ . ولا دلالةَ في هذه الآية على الوُجوب ؛ لأن لفظَ الإتْمامِ يقتضي نفيَ النقصانِ عنها إذا فُعلت ؛ لأن ضدَّ الإتْمامِ هو النُّقصانُ . وقرئَ ( وَالْعُمْرَةُ للهِ ) بالرفعِ على معنى الابتداءِ . ومَن نصبَ العمرةَ احتملَ أن تكونَ للابتداءِ ؛ لكن نصبهَا اتباعاً للحجِّ ، كذا قال الزجَّاج . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { للهِ } فإنَّ أهلَ الجاهليةِ كانوا يُشرِكون في إحرامِهم ؛ كانوا يقولونَ : ( لبيك لا شريك لك إلا شريكاً هو لك تَملكهُ وما ملكَ ) . تَعَالَى اللهُ عَمَّا يَقُولُونَ عُلُوّاً كَبيْراً . فأمرَ اللهُ تعالى بإخلاصِ القولِ والعمل للهِ تعالى . وأما لفظُ الإحصار فقد ذكرَ الكسائيُّ وأكثر أهل اللغة : ( أنَّ الإحْصَارَ هُوَ أنْ يَكُونَ بمَرَضٍ أوْ عَدُوٍّ ، وَالْحَصْرُ : أنْ يَكُونَ بحَبْسِ عَدُوٍّ ، يُقَالُ : أحْصَرَهُ الْمَرَضُ أو الْعَدُوُّ فَهُوَ مُحْصَرٌ . وَحَصَرَهُ الْعَدُوُّ فَهُوَ مَحْصُورٌ ) وهذا على مذهبنا مستمرٌّ . وقال الفرَّاءُ : ( لاَ فَرْقَ بَيْنَ الْحَصْرِ وَالإحْصَار ، وَهُمَا شَرِيْكَانِ فِي الْمَعْنَى ) وهذا قريبٌ من مذهب الشَّافعي ، فإن عندهُ لا يكون المريضُ مُحْصِراً ولا يكون الإحصارُ إلا بالعدوِّ . فأما المريضُ فلا يتحلَّلُ بالهدي وإن لَم يقدر على الذَّهاب . وأنكرَ المبردُ والزجاج على الفراءِ وقالاَ : ( إنَّ الْحَصْرَ وَالإحْصَارَ مُخْتَلِفَانِ فِي الْمَعْنَى ؛ ألاَ تَرَى أنَّكَ تَقُولُ : حَبَسْتُ الرَّجُلَ ؛ إذَا جَعَلْتَهُ فِي الْحَبْسِ ، وَأحْبسُهُ إذَا عَرَّضْتَهُ لِلْحَبْسِ ) . والهديُ في اللغة : اسمٌ لِما يُهدى إلى البيتِ ؛ وهو جمعُ هديَّةٍ كما يقال : جَدَي وجَدِيَّةٌ . وعن عائشةَ وابن عمر أنَّهما قالاَ : ( إنَّ الْهَدْيَ إنَّمَا يَكُونُ بَقَرَةً أوْ بَدَنَةً ) . وفائدةُ قوله : { فَمَا ٱسْتَيْسَرَ } على هذا القول التخيرَ بين أعيانِ الإبل والبقرِ ، ولا يجوزُ من كلِّ شيء إلا الشيء فصاعداً ، إلا الجذعَ من الضأن فإنه يُجزي على ما وردَ في الأُضحِيَةِ ؛ وهو ما مضَى له ستةُ أشهر . والثَّنِيُّ : البالغُ من كل شيءٍ ؛ وهو عند الفقهاءِ في الغنَمِ ما له سَنةٌ ؛ وفي البقرِ ما له سَنتان ؛ وفي الإبلِ ما له خمسُ سِنين . واختلفوا في المذكور في قولهِ { حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } قال ابنُ مسعود وابنُ عبَّاس ؛ وعطاء وطاووس ومجاهدُ : ( مَحِلُّهُ : مَنْحَرُهُ ؛ وَهُوَ الْحَرَمُ ) وقال مالكُ والشافعيُّ : ( مَحِلُّهُ : الْمَوْضِعُ أُحْصِرَ فِيْهِ ؛ فَيَكُونُ الْمَعْنَى حَتَّى يَبْلُغَ الْهَدْيُ مَحِلَّهُ ؛ أيْ يَنْحَرُ الْهَدْيَ فَيَحِلُّ أكْلُهُ ) . وظاهرُ الآية تقتضي أن ( يَبْلُغَ الْهَدْيُ ) بعد الإحصار مبلغاً لَم يكن بَالِغاً قبل ذلكَ ؛ ولو كان موضعُ الإحصار مَحِلاً للهدي لكانَ بالغاً محله لوقوعِ الإحصار ، وأدَّى ذلك إلى بُطلانِ الغايةِ المذكورةِ في الآية . وأما قولهُ في شأنِ الحديبية { وَٱلْهَدْيَ مَعْكُوفاً } [ الفتح : 25 ] أي يبلغ محِله فهو حجةٌ في أن المحِل هو الحرمُ ؛ وليس في تلك الآيةِ بيانُ موضعِ الذَّبح أنه كان في الحلِّ أو الحرمِ ، فيحتملُ أن الهديَ كان ممنوعاً عن الحرمِ ؛ ولَمَّا وقعَ الصلحُ أطلقوا الهديَ حتى ذُبحَ في الحرمِ . وذهبَ أبو يوسف ومحمَّد : إلى أنَّ هديَ المحصرِ بالحجِّ مؤقَّت بيومِ النحرِ ؛ وليسَ في هذه الآية أنَّ المرادَ بالمحِل الزمانُ ؛ لأنَّ قوله تعالى : { فَإِنْ أُحْصِرْتُمْ } عائدٌ إلى الحجِّ والعمرة المذكورين في أوَّل هذه الآيةِ . ولا خلافَ أن هديَ الْمُحصَرِ بالعمرةِ غير مؤقَّت بيوم النحرِ ، وفي ظاهرِ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَحْلِقُواْ رُؤُوسَكُمْ حَتَّىٰ يَبْلُغَ ٱلْهَدْيُ مَحِلَّهُ } دليلٌ على أن المحصرَ إذا لم يجدِ الهديَ لا يحلُّ حتى يجد الهدي فيذبحُ عنه . وقال عطاء : ( يَصُومُ عَشْرَةَ أيَّامٍ وَيُحِلُّ كَالْمُتَمَتِّعِ إذَا لَمْ يَجِدْ ) . فَصْلٌ : وإذا لَم يَصُمْ الثلاثةَ أيامٍ قبل يوم النحرِ - أعني المتمتعَ والقارنَ - فقد اختلفوا في ذلك ؛ فقال عمرُ وابنُ عبَّاسٍ وابن جبيرٍ : ( لاَ يُجْزِيَهُ إلاَّ الْهَدْيُ ، وَلاَ يَحِلُّ إلاَّ بهِ ) . وهو قولُ أبي حنيفةَ وأصحابهِ . وقال ابنُ عمر وعائشةُ : ( يَصُومُ أيَّامَ مِنَى ) وهو قولُ مالك . وقالَ عليٌّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ : ( يَصومُ أيَّامَ التَّشريْقِ ) وهو قولُ الشافعيُّ . والفائدةُ في قولهِ : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } أنه كان يجوزُ أن يَتَوَهَّمَ مُتَوَهِّمٌ أن البدلَ لا يُلْحَقُ بالْمُبْدَلِ في الثواب ؛ فبيَّن اللهُ تعالى أنه في الكَمَالِ بمنْزلة المبدّل أن لو فَعَلَهُ . ويقال : إنَّ ( الواوَ ) قد جاءت في القُرْآنِ بمعنى ( أوْ ) التي للتخييرِ كما في قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَٱنكِحُواْ مَا طَابَ لَكُمْ مِّنَ ٱلنِّسَآءِ مَثْنَىٰ وَثُلَٰثَ وَرُبَٰعَ } [ النساء : 3 ] فربَّما يتوهَّمُ أن هذا مثلَ ذلك ؛ فأكَّدَ الله تعالى صومَ العشرةِ كلِّها بقولهِ : { تِلْكَ عَشَرَةٌ كَامِلَةٌ } لإزالةِ هذا الإشكالِ . فَصْلٌ : اختلفوا في حاضرِ المسجدِ الحرام ؛ فقال عطاءُ ومكحول : ( هُمْ كُلٌّ مِنْ دُونِ الْمَوَاقِيْتِ إلَى مَكَّةَ ) وهو قولُ أبي حنيفةَ وأصحابه ؛ إلا أنَّ أبَا حنيفةَ وأصحابه يقولون : ( أهْلُ الْمَوَاقِيْتِ بمَنْزِلَةِ مَن دُونَهَا ؛ لأنَّهُمْ فِي حُكْمِ أهْلِ مَكَّةَ يَجُوزُ لَهُمْ دُخُولُهَا بغَيْرِ إحْرَامٍ ) . وقال ابنُ عبَّاسٍ ومجاهد : ( هُمْ أهْلُ الْحَرَمِ ) وقال الحسنُ وطاووس ونافعٌ : ( هُمْ أهْلُ مَكَّةَ ) . وقال الشافعيُّ : ( هُمْ مَنْ كَانَ دَارُهُ دُونَ اللَّيْلَتَيْنِ مِنْ مَكَّةَ ؛ وَذلِكَ مِقْدَارُ أقْرَب الْمَوَاقِيْتِ إلَى مَكَّةَ ) . وظاهرُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { ذٰلِكَ لِمَن لَّمْ يَكُنْ أَهْلُهُ حَاضِرِي ٱلْمَسْجِدِ ٱلْحَرَامِ } يقتضِي الإشارةَ إلى الهدي والْمُتعةِ جميعاً ؛ فلا يباحُ المتعةُ والقِران لأهلِ المواقيت ومَن دونَها إلى مكة . وذهبَ الشافعيُّ إلى أن قَوْلُهُ : { ذٰلِكَ } إشارةٌ إلى الهدي دونَ المتعة والقِران ، فتجوزُ عنده المتعةُ والقِران لأهلِ مكَّة ، ولكن لا هَديَ عليهم .