Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 213-213)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } ؛ قال ابنُ عباس : ( مَعْنَاهُ : كَانَ النَّاسُ أهْلَ مِلَّةٍ وَاحِدَةٍ : كُفَّاراً كُلَّهُمْ فِي ابْتِدَاءِ عَهْدِ نُوحٍ عليه السلام وَكَذَلِكَ فِي عَهْدِ إبْرَاهِيْمَ ) يعني أنَّ أممَ الأنبياء عليهم السلامُ الذين بُعِثَ إليهم الأنبياءُ كانت كفاراً كما كانت هذه الأمةُ . وجائزٌ أن يقال : كانت أمةً واحدة على الكفر وإن كان فيهم مسلمونَ ؛ إذا كان المسلمون قليلين مقهورينَ في البقية ؛ لانصراف اسم الأمةِ على الأعمِّ الأكثرِ . وقال قتادةُ والضحاك : { كَانَ ٱلنَّاسُ أُمَّةً وَٰحِدَةً } أي كانوا مؤمنين في زمن آدم عليه السلام وبعد وفاته إلى مبعث نوح عليه السلام ، وكان بين آدم ونوح عشرةَ قرون كلهم على شريعةٍ واحدةٍ من الحقِّ والهدى . قم اختلفوا في زمنِ نوح عليه السلام فبعثَ الله إليهم نوحاً وكان أوَّلَ نبيٍّ بُعِثَ ، ثم بُعِثَ بعده النبيونَ . وقال الكلبيُّ : ( هُمْ أهْلُ سَفِيْنَةِ نُوحٍ ، كَانُوا كُلُّهُمْ مُؤْمِنِيْنَ ، ثُمَّ اخْتَلَفُواْ بَعْدَ وَفَاةِ نُوحٍ ، فَبَعَثَ اللهُ إلَيْهِمْ نَبيَّهُ هُودُ عليه السلام ) . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَبَعَثَ ٱللَّهُ ٱلنَّبِيِّينَ مُبَشِّرِينَ وَمُنذِرِينَ } ؛ أي مبشِّرين لمن أطاعَ الله تعالى بالجنةِ ، ومنذرينَ بالنار والسَّخَطِ لِمن عصاهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَنزَلَ مَعَهُمُ ٱلْكِتَٰبَ بِٱلْحَقِّ } ؛ أي وأنزلَ عليهم الكتاب ؛ إذِ الأنبياءُ صلوات الله عليهم لم يكونوا منذرينَ حتى ينْزل الكتابُ معهم ، وقوله : { بِٱلْحَقِّ } أي بالعدلِ . وقولهُ : { لِيَحْكُمَ بَيْنَ ٱلنَّاسِ فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } ؛ أي ليقضيَ الكتابُ بينهم بالحكمَة ، وأضافَ الحكمَ إلى الكتاب وإنْ كان اللهُ تعالى هو الذي يحكمُ على جهةِ التفخيم لأمرِ الكتاب . وقولهُ : { فِيمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ } أي من أمرِ الدين . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا ٱخْتَلَفَ فِيهِ إِلاَّ ٱلَّذِينَ أُوتُوهُ مِن بَعْدِ مَا جَآءَتْهُمُ ٱلْبَيِّنَٰتُ بَغْياً بَيْنَهُمْ } ؛ أي ولم يختلفْ في أمرِ الدين وبعثِِ النبيين إلا الذين أُعطوا الكتاب من بعدِ ما جاءتْهُم الدلالاتُ الواضحات من اللهِ . وقوله : { بَغْياً بَيْنَهُمْ } نُصِبَ على أنه مفعولٌ له ؛ أي لم يختلفوا إلا للبغيِ والحسدِ والتفرُّق ؛ وذلك أنَّ أهلَ الكتاب كانوا عَلِمُوا حقيقةَ أمرِ النبي صلى الله عليه وسلم في كتبهم قبل مَبْعَثِهِ ، فلما بعثهُ اللهُ كفروا به إلا قليلاً منهم . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَهَدَى ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ بِإِذْنِهِ } ؛ أي فأرشدَ اللهُ المؤمنين { لِمَا ٱخْتَلَفُواْ فِيهِ مِنَ ٱلْحَقِّ } الذي اختلفَ فيه أهلُ الزَّيْغِ ، { بِإِذْنِهِ } أي بتوفيقهِ وقضائه وعلمهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ يَهْدِي مَن يَشَآءُ إِلَىٰ صِرَٰطٍ مُّسْتَقِيمٍ } ؛ أي واللهُ يُوَفِّقُ لِمعرفته من يشاءُ ممن كان أهلاً لذلك إلى طريقِ واضح يرضاهُ الله تعالى . والأُمَّةُ في اللغة على وجوهٍ ؛ منها الجماعةُ كقوله تعالى : { وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِّنَ ٱلنَّاسِ يَسْقُونَ } [ القصص : 23 ] وقوله : { أُمَمٍ قَدْ خَلَتْ مِن قَبْلِكُمْ } [ الأعراف : 38 ] أي جماعاتٍ وقرون . ومنها الدينُ والملة كقوله تعالى : { إِنَّا وَجَدْنَآ ءَابَآءَنَا عَلَىٰ أُمَّةٍ } [ الزخرف : 22 ] . ومنها الحينُ والزمانُ كقوله تعالى : { وَٱدَّكَرَ بَعْدَ أُمَّةٍ } [ يوسف : 45 ] . ومنها الرجلُ القدوةُ للناس في الخير قال الله تعالى : { إِنَّ إِبْرَاهِيمَ كَانَ أُمَّةً } [ النحل : 120 ] ويسمَّى الإمامُ أُمَّةُ أيضاً ؛ لأنه يجمعُ خصالَ الخير . ومنها الرجلُ المنفرد بدينٍ على حِدَةٍ لا يُشْرِكُهُ فيه غيرُه قال صلى الله عليه وسلم : " يُبْعَثُ زَيْدُ ابْنُ عَمْرِو بْنِ نُفَيْلٍ أُمَّةً وَاحِدَةً " وكان قد أسلمَ قبل خروجِ النبي صلى الله عليه وسلم ولم يكن بمكة يومئذٍ مؤمنٌ غيرُه ، ثم تابعه بعد ذلك ورقةُ بن نوفل ، وعاشَ ورقةُ إلى وقتِ خروجِ النبي صلى الله عليه وسلم . ومنها القامة ؛ يقال : فلان حسن الأمَّة ؛ أي القامة . والإمَةِ بالكسر النِّعْمَةُ ؛ يقال : فلان ذو إمَةٍ ؛ أي ذو نعمةٍ . وأما الكتبُ المنَزَّلة قبلَ القرآن فقد روي أنَّ الله أنزلَ على شيث خمسينَ صحيفةً وكان يعملُ بها هو ومن معه ومنَ بعدهُ إلى زمن إدريس ، ثم أنزلَ اللهُ على إدريسَ عليه السلام ثلاثينَ صحيفةً فكان يعملُ بها إلى زمنِ إبراهيم ، ثم أنزلَ على إبراهيمَ عشرَ صحائفَ ، فكان يعمل بها إلى زمن موسى ، ثم أنزلَ على موسَى عليه السلام عشرَ صحائفَ قبل التوراةِ ، فكان يعملُ بها إلى زمن موسى ومن معه إلى غَرَقِ فرعونَ ، ثم أنزلَ الله التوراة ، فكان يعملُ بها إلى زمنِ داود ، ثم أنزلَ الله تعالى الزَّبُورَ على داودَ ، فكان يعملُ بها إلى زمنِ عيسى عليه السلام ، ثم أنزلَ اللهُ الإنجيلَ فكان يعمل بها إلى بَعْثِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم ، ثم أنْزَلَ اللهُ الفرقانَ نَاسِخاً لِمَا قبله من الكُتب .