Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 222-222)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } ؛ قال ابنُ عباس : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي رَجُلٍ مِنَ الأَنْصَار يُقَالُ لَهُ : أبُو الدَّحْدَاحَةِ ، أتَى إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ : كَيْفَ نَصْنَعُ بالنِّسَاءِ إذَا حِضْنَ ؛ هَلْ نَقْرَبُهُنَّ أوْ لاَ ؟ فَنَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ ) . فلما نزلت هذه الآيةُ عَمِدَ المسلمون إلى النساءِ الْحِيَّضِ فأخرجوهن من البيوت كما كانت الأعاجمُ تفعلُ بنسائهم إذا حِضْنَ ، وإذا فرغن واغتسلنَ ردُّوهن إلى البيوتِ ، فقَدِمَ ناسٌ من الأعراب المدينةَ ، فشَكَوا إلى رسولِ الله صلى الله عليه وسلم عَزْلَ النساءِ عنهم ، وقالوا : يا رسولَ اللهِ ، إنَّ البردَ شديدٌ والثيابَ قليلةٌ وقد عزَلنا النساءَ ، فإن آثَرْنَاهُنَّ بالثياب هَلَكَ أهلُ البيت برداً ، وإذا آثَرْنَا أهلَ البيت هلكَ النساءُ الحِيَّضُ ، وليس كلنا يَجِدُ وسعة فيوسعُ عليهم جميعاً ، فقال صلى الله عليه وسلم : " إنَّما أُمِرْتُمْ أنْ تَعْتَزِلُواْ مُجَامَعَتَهُنَّ إذَا حِضْنَ ، وَلَمْ تُؤْمَرُواْ أنْ تُخْرِجُوهُنَّ مِنَ الْبُيُوتِ " وقرأ عليهمُ الآيةََ . وقال بعضُهم : كانت العربُ في الجاهلية إذا حاضَت المرأَةُ ، لَم يؤاكلوها ولم يشاربوها ولم يُساكنُوها في بيت ، ولم يجالسُوها على فراشِ كفعل اليهود والمجوسِ ، فسألَ أبو الدَّحْدَاحِ رسولَ الله صلى الله عليه وسلم عن ذلكَ ، وقال : يَا رَسُولَ اللهِ ، كَيْفَ نَصْنَعُ بالْحِيَّضِ ؟ فأنزل الله هذه الآية . ووجهُ اتصالِ هذه الآية بما قبلها آية أخرى فيما تقدَّم " من " حديث نكاحِ من تحرمُ ومَن تحلُّ ، فبيَّن الله بعده حالَ التحليلِ والتحريم بهذه الآية . وقال ابنُ عباس : ( مَا رَأيْتُ قَوْماً كَانُوا خَيْراً مِنْ أصْحَاب رَسُُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ؛ مَا سَأَلُوهُ إلاَّ عَنْ ثَلاَثَةَ عَشَرَ مَسْأَلَةٍ حَتَّى قُبضَ ، كُلُّهُنَّ فِي الْقُرْآنِ : { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلشَّهْرِ ٱلْحَرَامِ } [ البقرة : 217 ] { يَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلْ مَآ أَنْفَقْتُمْ } [ البقرة : 215 ] { وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنفِقُونَ قُلِ ٱلْعَفْوَ } [ البقرة : 219 ] { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَهِلَّةِ } [ البقرة : 189 ] { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْخَمْرِ وَٱلْمَيْسِرِ } [ البقرة : 219 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْيَتَامَىٰ } [ البقرة : 220 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ } [ البقرة : 222 ] { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلسَّاعَةِ أَيَّانَ مُرْسَٰهَا } [ الأعراف : 187 ] { وَإِذَا سَأَلَكَ عِبَادِي عَنِّي } [ البقرة : 186 ] { يَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلأَنْفَالِ } [ الأنفال : 1 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلرُّوحِ } [ الإسراء : 85 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَن ذِي ٱلْقَرْنَيْنِ } [ الكهف : 83 ] { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْجِبَالِ } [ طه : 105 ] ) . ومعنى الآية : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } أي الدم مستقذر نجسٌ ، وقال الكلبيُّ : ( الأَذَى مَا يَعُمُّ وَيُكْرَهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱعْتَزِلُواْ ٱلنِّسَآءَ فِي ٱلْمَحِيضِ } ؛ أي اعتزلوا مجامعتَهن وهن حيَّض ، { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } ؛ أي ولا تجامعوهنَّ حتى ينقطعَ عنهن الدمُ . عن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " مَنْ وَطِئَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ فَقُضِيَ بَيْنَهُمَا وَلَدٌ فَأَصَابَهُ جُذَامٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ ؛ وَمَنِ احْتَجَمَ يَوْمَ السَّبْتِ أو الأَرْبعَاءِ فَأَصَابَهُ وَضَحٌ فَلاَ يَلُومَنَّ إلاَّ نَفْسَهُ " . فوطئُ النساءِ الْحِيَّضِ حرامٌ بنص القرآن ، فإن وطأَها زوجها أثِمَ ولزمتهُ الكفارة ، روي عنِ ابن عباس : " عن رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي رَجُلٍ جَامَعَ امْرَأتَهُ وَهِيَ حَائِضٌ ؛ قَالَ : " إنْ كَانَ دَماً غَلِيْظاً فَلْيَتَصَدَّقْ بدِيْنَارٍ ؛ فَإنْ كَانَ صُفْرَةً فَنِصْفُ دِيْنَارٍ " ولا بأسَ باستخدام الحائضِ وبمباشرة بدنِها إذا كانت مُتَّزِرَةً ، والاستمتاعِ بما فوقَ الإزار . قال مسروقُ : قلت لعائشةَ رضي الله عنها : مَا يَحِلُّ لِلرَّجُلِ مِنَ امْرَأتِهِ إذَا كَانَتْ حَائِضاً ؟ قَالَتْ : ( كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعُ ) . " وروي أنَّ عائشةَ رضي الله عنها كَانَتْ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم مُضْطَجِعَةً فِي ثَوْبٍ وَاحِدٍ ، وَأَنَّهَا وَثَبَتْ وَثْبَةً شَدِيْدَةً ، فَقَالَ لَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا لَكِ ؟ لَعَلَّكِ نُفسْتِ " يعني حُضْتِ ؛ قَالَتْ : نَعَمْ ، قَالَ : " شُدِّي عَلَيْكِ إزَارَكِ وَعُودِي إلَى مَضْجَعِكِ " " . " عن أُمِّ سَلَمَةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا قَالَتْ : بَيْنَمَا أنَا مُضْطَجِعَةٌ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي الْخَمِيْلَةِ إذْ حِضْتُ ، فَانْسَلَلْتُ مِنْهَا وَأخَذْتُ ثِيَابَ حَيْضِي ، فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " أَنُفِسْتِ ؟ " قَلْتُ : نَعَمْ ، فَدَعَانِي فَاضْطَجَعْتُ مَعَهُ فِي الْخَمِيْلَةِ " . وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ؛ قَالَتْ : [ كُنْتُ أغْتَسِلُ أنَا وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنْ إنَاءٍ وَاحِدٍ وَنَحْنُ جُنُبَانِ ؛ وَكُنْتُ أغْسِلُ رَأسَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ مُعْتَكِفٌ فِي الْمَسْجِدِ وَأَنَا حَائِضٌ ؛ وَكَانَ يَأْمُرُنِي إذْ كُنْتُ حَائِضاً أنْ أتَّزِرَ ثُمَّ يُبَاشِرُنِي ] . وسُئِلَتْ عائشةُ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : هَلْ تَأْكُلُ الْمَرْأةُ مَعَ زَوْجِهَا وَهِيَ طَامِثٌ ؟ قَالَتْ : ( نَعَمْ ، كَانَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَدْعُونِي فَآكُلُ مَعَهُ وَأَنَا عَاركٌ ؛ وَكَانَ يَأْخُذُ الْعِرْقَ فِيَضَعَهُ عَلَى فِيْهِ ؛ وَأغْتَرِفُ بهِ ثُمَّ أضَعُهُ ، فَيَأْخُذُهُ وَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ مِنْ الْمَعْدِنٍ ، وَيَدْعُو بالشَّرَاب فَيَشْرَبُ ثُمَّ آخُذُ الْقَدَحَ فَأَشْرَبَ مِنْهُ ، ثُمَّ أضَعُهُ فَيَأْخُذُهُ فَيَشْرَبُ مِنْهُ وَيَضَعُ فَمَهُ حَيْثُ وَضَعْتُ فَمِي مِنَ الْقَدَحِ ) . فدلَّت هذه الآيةُ أنَّ المرادَ الاعتزالُ من الحيَّضِ جِماعُهُنَّ ، وذلكَ أن اليهودَ والمجوس كانوا يجتنبونَ الحيَّض في كلِّ شيء ؛ وكانت النصارى يُجامعونَهن ولا يبالونَ بالحيضِ ، فأمرَ اللهُ تعالى بالاقتصادِ بين هذين الآمرين ( وَخَيْرُ الأُمُور أوْسَطُهَا ) . قال أنسُ رضي الله عنه : " لَمَّا أنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ ٱلْمَحِيضِ قُلْ هُوَ أَذًى } الآيَةُ ، قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " افْعَلُواْ كُلَّ شَيْءٍ إلاَّ الْجِمَاعَ " فَبَلَغَ ذَلِكَ الْيَهُودُ ، فَقَالُوْا : مَا يُرِيْدُ هَذَا الرَّجُلُ أنْ يَدَعَ مِنْ أمْرِنَا شَيْئاً إلاَّ خَالَفَنَا فِيْهِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَقْرَبُوهُنَّ حَتَّىٰ يَطْهُرْنَ } قرأ الأعمشُ وعاصم وحمزة والكسائي : ( يَطَّهَرْنَ ) بالتشديدِ ؛ أي يغتسلنَ ؛ يدلُّ عليه قراءةُ عبدالله ( حَتَّى يَتَطَهَّرْنَ ) بالتاء على الأصلِ . وقرأ الباقون ( يَطْهَرْنَ ) مخفَّفاً ؛ أي حتى يَطْهَرْنَ من حيضهنَّ وينقطعَ الدمُ . واختلفَ الفقهاءُ في الحائضِ متى يحلُّ وطؤُها ؛ فقال أبو حنيفةَ وصاحباه : ( إذا طَهُرَتْ لِعَشْرَةِ أيَّامٍ جَازَ وَطْؤُهَا دُونَ الْغُسْلِ ؛ وَإنْ طَهُرَتْ لأَقَلِّ مِنْ عَشْرَةِ أيَّامٍ لَمْ يَجُزْ وَطْؤُهَا حَتَّى تَغْتَسِلَ أوْ يَمْضِيَ عَلَيْهَا وَقْتُ صَلاَةٍ كَامِلٍ ) . وقال مجاهدُ وطاووس وعطاء : ( إذَا انْقَطَعَ دَمُهَا وَغَسَلَتْ فَرْجَهَا وَتَوَضَّأَتْ جَازَ وَطْؤُهَا ) . وقال الشافعيُّ : ( لاَ يَحِلُّ وَطْؤُهَا إلاَّ بشَرْطَيْنِ : انْقِطَاعُ الدَّمِ وَالاغْتِسَالُ ) . فمن قرأ ( يَطَّهَّرْنَ ) بالتشديد كان حُجة للشافعي ومن تابعهُ ؛ ومن خفَّفَ كان حُجة للمبيحين وطأَها قبلَ الغسلِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَا تَطَهَّرْنَ فَأْتُوهُنَّ مِنْ حَيْثُ أَمَرَكُمُ ٱللَّهُ } ؛ أي فإذا اغتسلنَ فجامعوهُن من حيث أمركمُ الله تنحيةً في الحيضِ وهو الفرجُ ، قاله ابن عباس وقتادة والربيع . وقيل : معناهُ : فَأْتُوهُنَّ من قِبل النكاح والجهاتِ التي يحلُّ فيها أن يقربَ المرأة في الشريعةِ . وقال مجاهدُ : ( كَانُواْ عَلَى اسْتِخَارَةِ إيْتَائِهِنَّ فِي الأَدْبَارِ فِي أيَّامِ الْحَيْضِ ؛ فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ وَحَرَّمَ بهَا مَا كَانُواْ يَفْعَلُونَهُ ) ؛ فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إتْيَانُ النِّسَاءِ فِي أعْجَازهِنَّ حَرَامٌ " وقال ابنُ كيسان : ( مَعْنَاهُ لاَ يَأَْتُونَهُنَّ صَائِمَاتٍ وَلاَ مُعْتَكِفَاتٍ وَلاَ مُحْرِمَاتٍ ؛ وَإيْتَاؤُهُنَّ وَغَشَيَانُهُنَّ لَكُمْ حَلاَلٌ ) . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ وَيُحِبُّ ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } ؛ قال عطاءُ ومقاتل والكلبي : ( مَعْنَاهُ : إنَّ اللهَ يَرْضَى عَمَلَ التَّوَّابيْنَ مِنَ الذُّنُوب وَمِنْ إتْيَانِ النِّسَاءِ فِي وَقْتِ الْحَيْضِ ، وَيُحِبُّ الْمُتَطَهِّرِيْنَ بالْمَاءِ عَنِ الأَحْدَاثِ وَالْحَيْضِ وَالنَّجَاسَاتِ وَالْجِنَابَاتِ ) . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَاهُ : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } عَنِ الذُّنُوب وَ { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } عَنْ أدْبَار النِّسَاءِ أنْْ يَأْتُوهَا ) ، وقالَ : ( مَنْ أتَى امْرَأةً فِي دُبُرِهَا فَلَيْسَ مِنَ الْمُتَطَهِّرِيْنَ ) . وقال بعضُهم : معناه : { ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الشركِ . وقال سعيدُ بن جبير : { ٱلتَّوَّابِينَ } مِنَ الشِّرْكِ ، و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } مِنَ الذُّنُوب ) . وعن عبدِالرحيم : ( مَعْنَاهُ : { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلتَّوَّابِينَ } مِنَ الْكَبَائِرِ ، و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } مِنَ الصَّغَائِرِ ) . وقيل : { ٱلتَّوَّابِينَ } مِن الأفعالِ ، و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الأقوالِ . وقيل : { ٱلتَّوَّابِينَ } من الأقوالِ والأفعالِ ، و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من القعود والإضمار . وقيل : { ٱلتَّوَّابِينَ } من الآثامِ ، و { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من الإجرامِ . وقيل : { ٱلتَّوَّابِينَ } من الذنوب ، وَ { ٱلْمُتَطَهِّرِينَ } من العيوب . والتَّوَّابُ : هو الذي كُلَّمَا أذنبَ تابَ . والْمَحِيْضُ : مصدرٌ يقال : حَاضَتِ المرأةُ حَيْضاً وَمَحِيْضاً وَمَحَاضاً ؛ كلُّ ذلك مصدرٌ .