Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 245-245)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } ؛ قال : ( سبعين ) : " لَمَّا أنْزَلَ اللهُ قَوْلَهُ عَزَّ وَجَلَّ : { مَن جَآءَ بِٱلْحَسَنَةِ فَلَهُ عَشْرُ أَمْثَالِهَا } قالَ صلى الله عليه وسلم : " رَب زدْ أُمَّتِي " فَنَزَلَ { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } فَقَالَ : " رَب زدْ أُمَّتِي " فَنَزَلَ { إِنَّمَا يُوَفَّى ٱلصَّابِرُونَ أَجْرَهُمْ بِغَيْرِ حِسَابٍ } " . وفي الآية استدعاءٌ إلى الانفاق والبرِّ في سبيل الله بألطفِ الكلام وأبلغهِ ، وسَمَّاهُ الله قرضاً تأكيداً لاستحقاقِ الجزاء ؛ لأنه لا يكون قرضاً إلا والعوضُ مستحَقٌّ فيه . ومعنى الآيةِ : مَن ذا الذي يتصدقُ بصدقة طيبةٍ من نفس طيبةٍ لا يَمُنُّ بها على السائلِ ولا يؤذيه ، قال الحسنُ : ( هُوَ النَّفَقَةُ فِي أبْوَاب الْبرِّ مِنَ النَّفْلِ ) . وقال ابنُ زيد : ( هُوَ الإنْفَاقُ فِي الْجِهَادِ فِي سَبيْلِ اللهِ ) . وقال الواقديُّ : ( قَرْضاً حَسَناً ) يَكُونُ الْمَالُ مِنَ الْحَلاَلِ . وقال سهلُ بن عبدالله : ( هُوَ أنْ لاَ يَعْتَقِدَ بقَرْضِهِ عِوَضاً ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } قرأ عاصم وأبو حاتم ( فَيُضَاعِفَهُ ) بالنصب ، وقرأ ابن عامرٍ ويعقوب بالتشديدِ والنصب بغير ألِف ، وقرأ ابنُ كثير وشيبةُ بالتشديد والرفعِ ، وقرأ الآخرونَ بالألف والتخفيفِ ورفعِ الفاء . فمَن رَفَعَهُ عطفه على ( يُقْرِضُ ) ، ومن نصبَ جعله جوابَ الاستفهام بالفاءِ . والتشديدُ والتخفيف لُغتان ، ودليلُ التشديدِ قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَضْعَافاً كَثِيرَةً } لأن التشديدَ للتكثيرِ . قال الحسنُ والسديُّ : ( هَذَا التَّضْعِيْفُ لاَ يَعْلَمُهُ إلاَّ اللهُ ) . قال أبو زيدٍ : ( مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى : { فَيُضَٰعِفَهُ لَهُ أَضْعَافاً كَثِيرَةً } أي يُعْطِيَهُ سَبْعَمِائَةِ أمْثَالِهِ ) . كما قال تعالى في آيةٍ أخرى : { مَّثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمْ فِي سَبِيلِ ٱللَّهِ كَمَثَلِ حَبَّةٍ أَنبَتَتْ سَبْعَ سَنَابِلَ فِي كُلِّ سُنبُلَةٍ مِّئَةُ حَبَّةٍ } [ البقرة : 261 ] . وعن أبي عثمان النهديِّ قال : أدْخَلَ أبُو هُرَيْرَةَ إصْبَعَيْهِ فِي أُذُنَيْهِ وَقَالَ : صُمَّتَا إنْ لَمْ أكُنْ سَمِعْتُ مِنْ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " يُضَاعِفُ اللهُ لِلْمُؤْمِنِ حَسَنَةً إلَى ألْفَي ألْفِ حَسَنَةٍ " . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱللَّهُ يَقْبِضُ وَيَبْسُطُ } ؛ أي يُقَتِّرُ ويوسِّعُ على من يشاءُ من خلقهِ ، ومنهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَقْبِضُونَ أَيْدِيَهُمْ } [ التوبة : 67 ] أي يُمسكوها عن النفقةِ في سبيل الله ، وقولهُ : { وَلَوْ بَسَطَ ٱللَّهُ ٱلرِّزْقَ لِعِبَادِهِ لَبَغَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ } [ الشورى : 27 ] . وقيل : معناهُ : يقبضُ الصدقاتِ ويبسطُ ، والله يسلبُ النعمة من قومٍ ويبسطُها على قومٍ . وقيل : معناهُ : يقبضُ الصدقاتِ ويبسطُ عليها الجزاءَ عاجلاً وآجِلاً . وقيلَ : القبضُ والبسطُ الإحياءُ والإماتةُ ، فمن أمَاتهُ الله فقد قَبَضَهُ ، ومن مدَّ له في عمرهِ فقد بسطَ له . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ؛ أي ترجعونَ في الآخرة فيجزيكم بما قدَّمتم ، وقد جهلتِ اليهودُ معنى هذه الآية أو تجاهلت حتى قالت : إن اللهَ يستقرضُ منا فهو فقيرٌ ونحن أغنياءُ كما قال تعالى : { لَّقَدْ سَمِعَ ٱللَّهُ قَوْلَ ٱلَّذِينَ قَالُوۤاْ إِنَّ ٱللَّهَ فَقِيرٌ وَنَحْنُ أَغْنِيَآءُ } [ آل عمران : 181 ] وعَرَفَ المسلمون معنى الآية ووثقوا بثواب الله ووعده . قال ابنُ عباسٍ : لَمَّا نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ " جَاءَ أبُو الدَّحْدَاحَةِ رضي الله عنه إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، أرَى رَبَّنَا يَسْتَقْرِضُ مِمَّا أعْطَانَا لأَنْفُسِنَا ، وَإنَّ لِي حَدِيْقَتَيْنِ فَإنْ تَصَدَّقْتُ بإحْدَاهُمَا فَلِي مِثْلاَهَا فِي الْجَنَّةِ . قَالَ : " نَعَمْ " . وَأُمُّ الدَّحْدَاحَةِ مَعِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : وَالصِّبْيَةُ مَعِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " فَتَصَدَّقَ بأَفَضَلِ حَدِيْقَتَيْهِ وَهِيَ تُسَمَّى الْحَبيْبَةَ ، فَلَمَّا رَجَعَ إلَى أهْلِهِ وَجَدَ أُمَّ الدَّحْدَاحَةِ وَالصِّبْيَةَ فِي الْحَدِيْقَةِ الَّتِي تَصَدَّقَ بهَا ، فَقَامَ عَلَى بَابهَا وَتَحَرَّجَ أنْ يَدْخُلَهَا ، ثُمَّ نَادَى : يَا أُمَّ الدَّحْدَاحَةِ ؛ يَا أُمَّ الدَّحْدَاحَةِ ، قَالَتْ : لَبَّيْكَ ، قَالَ : قَدْ جَعَلْتُ حَدِيْقَتِي هَذِهِ صَدَقَةً وَاشْتَرَطْتُ مِثْلَيْهَا فِي الْجَنَّةِ وَأُمَّ الْدَحْدَاحَةِ مَعِي وَالصِّبْيَةَ مَعِي ، قَالَتْ : بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْمَا اشْتَرَيْتَ . ثُمَّ خَرَجُواْ مِنْهَا وَدَفَعُوهَا إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " إنَّ اللهَ تَعَالَى قَدْ قَبلَ مِنْكَ ، فَأَعْطِهِ الْيَتِيمَيْنِ اللَّذَيْنِ فِي حِجْرِكَ " . وَقََالَ : صلى الله عليه وسلم : " كَمْ مَنْ نَخْلٍ مُدْلٍ عُرُوقُهَا فِي الْجَنَّةِ لأبَي الدَّحْدَاحَةِ " " . وعن أبي زيدِ بن أسلمَ قال : " لَمَّا نَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَّن ذَا ٱلَّذِي يُقْرِضُ ٱللَّهَ قَرْضاً حَسَناً } الآيَةُ ، قَالَ أبُو الدَّحْدَاحِ : فِدَاكَ أبي وَأُمِّي يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّ اللهَ يَسْتَقْرِضُنَا وَهُوَ غَنِيٌّ عَنِ الْقَرْضِ ؟ ! قَالَ : " نَعَمْ " ، يُرِيْدُ أنْ يُدْخِلَكُمْ " الْجَنَّةَ " ، قَالَ : فَإنِّي إنْ أقْرَضْتُ رَبي يَضْمَنُ لِيَ الْجَنَّةَ ، قَالَ : " نَعَمْ ، مَنْ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَلَهُ مِثْلُهَا فِي الْجَنَّةِ " ، قَالَ : وَزَوْجَتِي أُمُّ الدَّحْدَاحِ مَعِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " قَالَ : وَبنْتِي الدَّحْدَاحَةِ ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : وَالصِّبْيَّةُ مَعِي ؟ قَالَ : " نَعَمْ " . قَالَ : نَاولْنِي يَدَكَ ، فَنَاوَلَهُ النَّبِيُّ صلى الله عليه وسلم يَدَهُ الْمُبَارَكَةُ ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ، إنَّ لِي حَدِيْقَتَيْنِ إحْدَاهُمَا بالسَّافِلَةِ وَالأُخْرَى بالْعَالِيَةِ ، وَاللهِ مَا أمْلِكُ غَيْرَهُمَا قَدْ جَعَلْتُُهُمَا قَرْضاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، فَقَالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " اجْعَلْ إحْدَاهُمَا قَرْضاً للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَالأُخْرَى لَكَ وَلِعِيَالِكَ " قَالَ : إشْهَدْ يَا رَسُولَ اللهِ أنِّي قَدْ جَعَلْتُ أحْسَنَهُمَا للهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَهُوَ حَائِطٌ فِيْهِ سِتُّمِائَةِ نَخْلَةٍ ، قَالَ : " إذَنْ يُجْزِيْكَ بهِ اللهُ فِي الْجَنَّةِ " . قَالَ : فَانْطَلَقَ أبُو الدَّحْدَاحِ حَتَّى أَتَى أُمَّ الدَّحْدَاحِ وَهِيَ مَعَ أوْلاَدِهَا فِي الْحَدِيْقَةِ تَدُورُ تَحْتَ النَّخْلَةِ فَأَنْشَأَ يَقُولُ : * هَدَاكِ رَبي سُبُلَ الرَّشَادِ * إلَى سَبيْلِ الْخَيْرِ وَالسَّدَادِ * * بَيْنِي مِنَ الْحَائِطِ بالْوِدَادِ * فَقَدْ مَضَى قَرْضاً إلَى التَّنَادِ * * أقْرَضْتُهُ اللهَ عَلَى اعْتِمَادِي * بالطَّوْعِ لاَ مَنٍّ وَلاَ نَكَادِ * * إلاَّ رَجَاءَ الضِّعْفِ فِي الْمَعَادِ * فَارْتَحِلِي بالنَّفْسِ وَالأَوْلاَدِ * * وَالْبرُّ لاَ شَكَّ فَخَيْرُ زَادِ * قَدَّمَهُ الْمَرْءُ إلَى الْمَعَادِ * قَالَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ : رَبحَ بَيْعُكَ ، بَارَكَ اللهُ لَكَ فِيْمَا اشْتَرَيْتَ . فَأَجَابَتْهُ أُمُّ الدَّحْدَاحِ وَأنْشَأَتْ تَقُولُ : * بَشَّرَكَ اللهُ بخَيْرٍ وَفَرَحْ * مِثْلُكَ أدَّى مَا لَدَيْهِ وَنَصَحْ * * إنَّ لَكَ الْحَظَّ إذِ الْحَظُّ وَضَحْ * قَدْ مَتَّعَ اللهُ عِيَالِي وَمَنَحْ * * بالْعَجْوَةِ السَّوْدَاءِ وَالزَّهْوِ الْبَلَحْ * وَالْعَبْدُ يَسْعَى وَلَهُ مَا قَدْ كَدَحْ * * طُُولَ اللَّيَالِي وَعَلَيْهِ مَا اجْتَرَحْ * ثُمَّ أقْبَلَتْ أُمُّ الدَّحْدَاحِ عَلَى أوْلاَدِهَا تُخْرِجُ مَا فِي أفْوَاهِهِمْ وَتَنْفِضُ مَا فِي أكْمَامِهِمْ وَتَطْرَحُ مَا فِي ثِيَابهِمْ حَتَّى أفْضَتْ إلَى الْحَائِطِ الآخَرِ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " كَمْ مِنْ عَذْقٍ رَدَّاحٍ وَدَارٍ فَيَّاحٍ فِي الْجَنَّةِ لأَبي الدَّحْدَاحِ " " . قال أهلُ المعاني : في الآيةِ اختصارٌ وإضمار ؛ تقديرهُ : مَن ذا الذي يقرضُ عبادَ اللهِ قرضاً حسناً ، وجاءَ في الحديث : " إنَّ اللهَ تَعَالَى يَقُولُ لِعَبْدِهِ يَوْمَ الْقِيَامَةِ : اسْتَطْعَمْتُكَ فَلَمْ تُطْعِمْنِي ، وَاسْتَسْقَيْتُكَ فَلَمْ تَسْقِنِي ، وَاسْتَكْسَيْتُكَ فَلَمْ تَكْسُنِي . فَيَقُولُ الْعَبْدُ : وَكَيْفَ ذَلِكَ يَا سَيِّدِي ! فَيَقُولُ رَبُّكَ : عَبْدِي فُلاَنٌ الْجَائِعُ وَفُلاَنٌّ الْعَاري فَلَمْ يَعُدْ عَلَيْهِمْ مِنْ فَضْلِكَ ، فَلأَمْنَعُكَ الْيَوْمَ فضَلِي كَمَا مَنَعْتَهُمْ مِنْ فَضْلِكَ " . وقال يحيى بنُ معاذ : ( عَجِبْتُ لِمَنْ يُبْقِي لَهُ مَالاً وَرَبُّ الْعَرْشِ يَسْتَقْرِضُهُ ) . وعن أبي أُمامة قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " رَأَيْتُ عَلَى بَاب الْجَنَّةِ مَكْتُوباً : الْقَرْضُ بثَمَانِيََةَ عَشَرَ ، وَالصَّدَقَةُ عَشْرَة . فَقُلْتُ : يَا جِبْرِيْلُ ، مَا بَالُ الْقَرْضِ أكْثَرُ جَزَاءً . قَالَ : لأَنَّ صَاحِبَ الْقَرْضِ لاَ يَأْتِيْكَ إلاَّ مُحْتَاجاً وَرُبَّمَا وَقَعَتِ الصَّدَقَةُ فِي غَيْرِ أهْلِهَا " وعن أبي هريرةَ رضي الله عنه قال : قالَ رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ أقْرَضَ أخَاهُ الْمُسْلِمَ ، فَلَهُ بكُلِّ دِرْهَمٍ وَزْنُ ثَبيْرٍ وَطُور سَيْنَاءَ حَسَنَاتٍ " وهما جَبَلان .