Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 264-265)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وجَلَّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تُبْطِلُواْ صَدَقَٰتِكُم بِٱلْمَنِّ وَٱلأَذَىٰ كَٱلَّذِي يُنْفِقُ مَالَهُ رِئَآءَ ٱلنَّاسِ وَلاَ يُؤْمِنُ بِٱللَّهِ وَٱلْيَوْمِ ٱلآخِرِ } ؛ أي تبطِلوا صدقاتِكم بذلك كإبطالِ مَن ينفقُ ماله مُرَاءَاةً وسُمعةً لِيَرَواْ نفقتهُ ويقال : إنه سخيٌّ كريم صالحٌ ، يعني بذلك المنافقَ الذي ينفقُ ماله لا رغبةً في الثواب ولا رهبةً من العقاب ، بل خوفاً من الناس ورياءً لهم أنه مؤمنٌ . { فَمَثَلُهُ } ؛ أي مَثل نفقةِ هذا المنافق الْمُرَائِي ؛ { كَمَثَلِ صَفْوَانٍ } ؛ أي كحَجَرٍ أملسٍ ؛ { عَلَيْهِ تُرَابٌ فَأَصَابَهُ وَابِلٌ } ؛ أي مطرٌ كثير شديدُ الوقعِ فذهب بالتراب الذي كان " على " الحجرِ ، وبقيَ الحجرُ يابساً لا شيءَ عليه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَتَرَكَهُ صَلْداً } ؛ أي حَجَراً صَلْباً أمْلساً لا يبقى عليه شيء ، وهو مِن الأرضِ ما لا يُنْبتُ ، ومن الرؤوسِ ما لا شعرَ عليه . قال رُؤْبَةُ : @ … بَرَّاقُ أصْلاَدِ الْجَبينِ الأَجْلَهِ @@ وهذا مثلٌ ضربه اللهُ لنفقةِ المنافق والمرائي والمؤمن الذي يَمُنُّ بصدقته ويؤذي ؛ يعني أنَّ الناس يرونَ أن لهؤلاء أعمالاً كما ترَى الترابَ على هذا الصَّفوان ، وإذا كان يومُ القيامة اضمحلَّ وبَطَلَ ؛ لأنهُ لم يكن للهِ كما أذهبَ الوابلَ ما كان على الصَّفوانِ من التراب ، { فَتَرَكَهُ صَلْداً } لا شيءَ عليه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لاَّ يَقْدِرُونَ عَلَىٰ شَيْءٍ مِّمَّا كَسَبُواْ } ؛ أي لا يقدرُ الْمَانُّ بنفقتهِ والمؤذي والمنافقُ على ثواب شيء مما أنفقُوا ، كما لا يقدرُ أحدٌ من الخلقِ على التراب الذي كان على الحجرِ الأملس بعدما أذهبَه المطرُ الشديد . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ لاَ يَهْدِي ٱلْقَوْمَ ٱلْكَافِرِينَ } ؛ أي لا يهديهم حتى يُخلصوا أعمالَهم . وقيل : لا يهديهم بالمثوبة لهم كما يهدي المؤمنينَ . وأصلُ الوَابلِ من الوَبِيْلِ وهو الشديدُ كما قالَ تعالى : { أَخْذاً وَبِيلاً } [ المزمل : 16 ] . ويقال : وَبَلَتِ السَّمَاءُ تَبلُ ؛ إذا اشتدَّ مطرُها . والصَّلْدُ : الحجرُ الأملسُ الصلبُ ، ويسمى البخيل صَلْداً تشبيهاً له بالحجرِ في أنه لا يخرجُ منه شيء . ويقال للأرضِ التي لا تُنْبتُ شيئاً : صُلْداً ، وصَلَدَ الزَّنْدُ صُلُوداً إذ لَمْ يُور نَاراً . وفي الآية دلالةٌ على أنَّ الصدقةَ وسائرَ القُرَب إذا لم تكن خالصةً لله تعالى لا يتعلَّقُ بها الثوابُ ، ويكونُ فاعلها كمن لا يفعلُ ؛ ولهذا قالَ أصحابُنا : لا يجوزُ الاسئتجارُ على الحجِّ وسائر الأفعالِ التي من شرطِها أن تُفعل على وجهِ القربةِ ؛ لأن أخذَ الأجرَةِ عليها يُخرجها من أنْ تكون قربةً . ثم ضربَ جَلَّ ذِكْرُهُ لنفقةِ المخلصين المثيبين مثلاً آخرَ أعلى من المثلِ الأول فقالَ : { وَمَثَلُ ٱلَّذِينَ يُنْفِقُونَ أَمْوَالَهُمُ ٱبْتِغَآءَ مَرْضَاتِ ٱللَّهِ وَتَثْبِيتاً مِّنْ أَنْفُسِهِمْ كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } ؛ أي صِفَةُ الذين ينفقون أموالهم لطلب رضا الله تصديقاً وحقيقةً . قال الشعبيُّ والكلبي والضحَّاك : يَعْنِي تَصْدِيْقاً مِنْ أنْفُسِهِمْ ، يُخْرِجُونَ الزَّكَاةَ طَيِّبَةً بهَا نُفُوسُهُمْ ) . وقال السديُّ وأبو صالحٍ وأبو روق : ( مَعْنَاهُ وَيَقِيْناً مِنْ أنْفُسِهِمْ ؛ أيْ عَلَى يَقِيْنٍ بإخْلاَفِ اللهِ عَلَيْهِمْ ) . وقال قتادةُ : ( مَعْنَاهُ : وَاحْتِسَاباً ، وَقِيْلَ : ثِقَةً باللهِ ) . وقال مجاهدُ : ( مَعْنَاهُ : يَتَثَبَّتُونَ ) . قال الحسنُ : ( كَانَ الرَّجُلُ إذَا هَمَّ بصَدَقَةٍ ثَبَتَ ؛ فَإنْ كَانَ للهِ أمْضَاهُ ، وَإنْ خَالَطَهُ شَكٌّ أمْسَكَ ) . وقال ابنُ كيسان : ( مَعْنَاهُ : إخْلاَصاً وَتَوَطُّناً لأَنْفِسِهْم عَلَى طَاعَةِ اللهِ ) . وقال سعيدُ بن جبير : ( وَتَحْقِيْقاً فِي دِيْنِهِمْ ) . قولهُ : { كَمَثَلِ جَنَّةٍ بِرَبْوَةٍ أَصَابَهَا وَابِلٌ فَآتَتْ أُكُلَهَا ضِعْفَيْنِ } أي كصفةِ بستانٍ بمكان مرتفعٍ أصابَها مطرٌ كثير شديدٌ ، فآتَتْ ثَمرتَها ضعفين في الحملِ . قال عطاءُ : ( حَمَلَتْ فِي سَنَةٍ مَا يَحْمِلُ غَيْرُهَا فِي سَنَتَيْنِ ) . وقال عكرمةُ : ( حَمَلَتْ فِي السَّنَةِ مَرَّتَيْنِ ) . قال الفرَّاءُ : ( إذَا كَانَ فِي الْبُسْتَانِ نَخْلٌ فَهُوَ جَنَّةٌ ، وَإذَا كَانَ فِيْهِ كَرْمٌ فَهُوَ فِرْدَوْسٌ ) . وقرأ مجاهدُ : ( كَمَثَلِ حَبَّةٍ ) بالحاء والباءِ ، وقرأ السلمي والعطارديُّ والحسن وعاصمُ وابنُ عامر : ( برَبْوَةٍ ) بفتح الراءِ هنا وفي سورة المؤمنينَ وهي لغةُ بني تَميم . وقرأ أبو جعفر وشيبةُ ونافع وابنُ كثير والأعمش وحمزة والكسائيُّ وأبو عمرٍو ويعقوب وأيوبُ : ( برُبْوَةٍ ) بضمِّ الراءِ فيهما ، واختارهُ أبو عبيدة لأنها أكثرُ اللُّغات وأشهرُها . وقرأ ابنُ عباس وأبو إسحاقَ : ( برِبْوَةٍ ) بكسرِ الراء . وقرأ أشهبُ العقيليُّ : ( برِبَاوَةٍ ) بالألفِ وكسرِ الراء . وهُنَّ جميعاً للمكانُ المرتفعُ المستوي ، والمطرُ على الرَّوابي أشدُّ ونبتُها أحسن ، وإنما سُميت ربوةً لأنَّها رَبَتْ وَعَلَتْ فَغَلَظَت ، من قوله رَبَى الشيءُ يربُو إذا عَظُمَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أُكُلَهَا } . قرأ نافعُ وابن كثير وأبو عمرٍو بالتخفيف ، وقرأ الباقون بضمِّ الكافِ . والأُكُلُ هو الثمرُ وهو اسمٌ لما يُؤْكَلُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } ؛ أي فَطَلٌّ ، والطلُّ أضعفُ المطر مثل الرَّذاذِ وهو المطرُ الدائم الصِّغَارُ القَطْرِ لا يكادُ يسيل منه الْمَيَازيبُ ، كذلك المنفقُ لوجه الله إنْ كانت نفقتهُ كثيرةً فثوابُها كثيرٌ ؛ وإن كانت قليلةً شيئاً بعد شيءٍ فبعدَدِها . وقال السديُّ : ( الطَّلُّ هُوَ النَّدَى ) . وروي عن زيدِ بن أسلمَ في قوله تعالى : { فَإِن لَّمْ يُصِبْهَا وَابِلٌ فَطَلٌّ } قال : ( هِيَ أرْضُ مِصْرَ إنْ لَمْ يُصِبْهَا مَطَرٌ زَكَتْ أيْ أنْبَتَتْ ، وَإنْ أصَابَهَا مَطَرٌ أضْعَفَتْ أيْ آتَتْ ضِعْفَ ذَلِكَ ) . وهذا مثلٌ ضربه اللهُ لعمل المؤمنِ المخلص ، يقول : كما أنَّ هذه الجنةَ تصلحُ في كلِّ حال ولا تخلفُ ولا تُخَيِّبُ صاحبَها ، سواءٌ أقلَّ المطر أم كَثُرَ ، كذلك يضاعفُ الله ثوابَ صدقةِ المؤمن المخلص الذي لا يَمُنُّ ولا يؤذي ؛ سواءٌ أقَلَّتْ صدقتهُ أو كَثُرتْ ولا يخيبُ بحاله ، { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ } ؛ أي بصيرٌ بما يعملونه من الرياءِ والإخلاصِ ؛ يجزيكم على قدر نيَّاتِكم .