Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 267-267)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ عَزَّ وَجَلَّ : { يٰأَيُّهَا ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ أَنْفِقُواْ مِن طَيِّبَاتِ مَا كَسَبْتُمْ وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } ؛ أي أنفقوا من خِيار ما كسبتم ، وخيارهُ نظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَن تَنَالُواْ ٱلْبِرَّ حَتَّىٰ تُنْفِقُواْ مِمَّا تُحِبُّونَ } [ آل عمران : 92 ] . وقال ابن مسعودٍ ومجاهد : ( مِنْ حَلاَلٍ مَا كَسَبْتُمْ مِنَ الأَمْوَالِ ) دليلهُ : { يٰأَيُّهَا ٱلرُّسُلُ كُلُواْ مِنَ ٱلطَّيِّبَاتِ } [ المؤمنون : 51 ] وقال عَلَيْهِ السَّلاَمُ : " إنَّ اللهَ طَيِّبٌ لاَ يُحِبُّ إلاَّ الطَّيِّبَ ، لاَ يَكْسَبُ عَبْدٌ مَالاً مِنْ حَرَامٍ فَيَتَصَدَّقُ بهِ فَيُقْبَلُ مِنْهُ ؛ وَلاَ يُنْفِقُ فَيُبَارِكُ لَهُ فِيْهِ ، وَلاَ يَتْرُكُهُ خَلْفَهُ إلاَّ كَانَ زَادَهُ إلَى النَّار ، وَإنَّ اللهَ لاَ يَمْحُو السَّيِّءَ بالسَّيِّءِ ، وَلَكِنْ يَمْحُو السَّيِّءَ بالْحَسَنِ ، وَإنَّ الْخَبيْثَ لاَ يَمْحُو الْخَبيْثَ " . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِمَّآ أَخْرَجْنَا لَكُم مِّنَ ٱلأَرْضِ } أي من أعشار الحبوب والثمار . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ مِنْهُ تُنْفِقُونَ وَلَسْتُمْ بِآخِذِيهِ إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } ؛ أي لا تعمَدُوا إلى الرَّدِيء من أموالِكم منه تتصدقون ، ولستم بقابضِيه وقابليهِ { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } ، يقول : لو كانَ لبعضِكم على بعضٍ حقٌّ فجاءَ بدون حقِّه ، لم يأخذ منهُ إلا أن يَتَغَامَضَ له عن بعضِ حقِّهِ ويتسامَحَ عن عيبٍ فيه ، فكيفَ تُعطونه في الصدقةِ . وقد رُوي في سبب نزول هذه الآية " أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم حَثَّ النَّاسَ عَلَى الصَّدَقَةِ وَقَالَ : " إنَّ للهِ فِي أمْوَالِكُمْ حَقّاً " . فَكَانَ يَأْتِي أهْلُ الصَّدَقَةِ بصَدَقَاتِهِمْ فَيَضَعُونَها فِي الْمَسْجِدِ ، فَيُقَسِّمُهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَهُمْ ، فَجَاءَ رَجُلٌ ذاتَ يَوْمٍ بَعْدَمَا تَفَرَّقَ عَامَّةُ أهْلِ الْمَسْجِدِ بعَذْقٍ مِنْ حَشَفٍ فَوَضَعَهُ فِي الصَّدَقَةِ ، فَلَمَّا أبْصَرَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " بئْسَ مَا صَنَعَ صَاحِبُ الْحَشَفِ " فأَمَرَ بهِ فَعُلِّقَ ، فَجَعَلَ كُلُّ مَنْ يَرَاهُ يَقُولُ : بئْسَ مَا صَنَعَ صَاحِبُ الْحَشَفِ " ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةِ . وقال بعضُهم : معنى : { وَلاَ تَيَمَّمُواْ ٱلْخَبِيثَ } أي لا تتصدَّقوا بالحرامِ . فيكون معنى { إِلاَّ أَن تُغْمِضُواْ فِيهِ } على هذا التأويلِ : إلاَّ أن تَتَرَخَّصُواْ في تناولهِ إنْ كان حَرَاماً . والإغماضُ : تركُ النظرِ ، يقال في الْمَثَلِ : أغْمِضْ فِي هَذَا وَغَمَّضْ ؛ أي لا تَسْتَقْصِ وكُنْ كأنَّكَ لَمْ تُبْصِرْ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱعْلَمُوۤاْ أَنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ حَمِيدٌ } ؛ أي { غَنِيٌّ } عن صدقاتِكم محمودٌ في أفعالهِ ، ولم يأمرْكم بالصدقةِ عن عِوَضٍ ولكن بلاكُم بما أمركم ، فهو مستحقٌ للحمدِ على ذلك وعلى جميعِ أمرهِ . وفي الآية إباحةُ الكسب وإخبارٌ أن فيه ما هو طيِّب ، قالَ صلى الله عليه وسلم : " وَالْخَيْرُ عَشْرَةُ أجْزَاءٍ أفْضَلُهَا التِّجَارَةُ إذَا أخَذَ الْحَقَّ وَأعْطَى الْحَقَّ " وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " تِسْعَةُ أعْشَار الرِّزْقِ فِي التِّجَارَةِ ، وَلاَ يَفْتَقِرُ مِنَ التُجَّار إلاَّ تَاجِرٌ حَلاَّفٌ " " سُئِلَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : أيُّ كَسْبَ الرِّزْقِ أفْضَلُ ؟ قَالَ : " عَمَلُ الرَّجُلِ بيَدَيْهِ ، وَكُلُّ بَيْعٍ مَبْرُورٍ " وقالَ صلى الله عليه وسلم : " يَا مَعْشَرَ التُّجَّار ، إنَّ هَذَا الْبَيْعَ يَحْضُرُهُ اللَّغْوُ وَالْكَذِبُ ، فَشَوِّبُوهُ بالصَّدَقَةِ " .