Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 271-271)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } ؛ وذلك أنَّهم قالوا : يَا رَسُولَ اللهِ ، مَنْ أفْضَلُ ؛ صَدَقَةُ السِّرِّ أوْ صَدَقَةُ الْعَلاَنِيَةِ ؟ فأنزلَ اللهُ هذه الآيةَ . ومعناها : إنْ تُظهروا الصدقات وتُعلنوها ؛ فَنِعِمَّا الشيءُ صدقةُ العلانيةِ . وأصلُ { فَنِعِمَّا هِيَ } : فَنِعِمَا مَا هِيَ ؛ فَوُصِلَتْ وأُدْغِمَتْ . وكان الحسنُ يقرأ : ( فَنِعِمَا مَا هِيَ ) مفصولةً عن الأصلِ ؛ أي نِعْمَتِ الخصلةُ . و ( ما ) في موضعِ الرفع و ( هِيَ ) في محلِّ النصب كما يقول : نِعِمَّا الرجلُ رَجُلاً ، فإذا عَرَّفْتَ رَفَعْتَ وَقُلْتَ : نِعْمَ الرَّجُلُ زَيْدٌ . وقرأ أبو جعفر ونافعُ وشيبة وعاصمُ وأبو عمرو بكسرِ النونِ وجزمِ العين ، ومثلهُ في سورةِ النساء ، واختارهُ أبو عبيدةَ وذلك أنَّها لغةُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم حين قال لَعَمْرِو بنِ العَاصِ : " نِعْمَ الْمَالُ الصَّالِحُ لِلرَّجُلِ الصَّالِحِ " . وقرأ ابنُ عامرٍ ويحيى بن وثابٍ والأعمشُ وحمزة والكسائي وخلفُ بفتح النونِ وكسرِ العين . وقرأ طلحةُ وابن كثيرِ وورش وحفصُ ويعقوب وأيوب بكسر النون والعين . وهي لغاتٌ صحيحةٌ . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } ؛ أي وإن تُسرُّوها وتعطوها الفقراءَ سِرّاً فهو خيرٌ لكم وأفضلُ من العلانيةِ ، وكلاهُما مقبولٌ منكم إذا كانت النيةُ صادقةً ، ولكن صدقةُ السرِّ أفضلُ ، قال صلى الله عليه وسلم : " صَدَقَةُ السِّرِّ تُطْفِئُ غَضَبَ الرَّب ، وَتُطْفِئُ الْخَطِيْئَةَ كَمَا يُطْفِئُ الْمَاءُ النَّارَ ، وَتَدْفَعُ سَبْعِيْنَ بَاباً مِنَ الْبَلاَءِ " . وقَالَ صلى الله عليه وسلم : " سَبْعَةُ يُظِلُّهُمُ اللهُ فِي ظِلِّهِ يَوْمَ لاَ ظِلَّ إلاَّ ظِلُّهُ : الإمَامُ الْعَادِلُ ، وَشابٌّ نَشَأَ فِي عِبَادَةِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرَجُلٌ قَلْبُهُ مُعَلَّقٌ بالْمَسْجِدِ ، وَرَجُلاَنِ تَحَابَّا فِي اللهِ ؛ فَاجْتَمَعَا عَلَيْهِ وَتَفَرَّقَا عَلَيْهِ ، وَرَجُلٌ دَعَتْهُ امْرَأةٌ ذاتُ حُسْنٍ وَجَمَالٍ ؛ فَقَالَ : إنِّي أخَافُ اللهَ ، وَرَجُلٌ تَصَدَّقَ بصَدَقَةٍ فَأَخْفَاهَا حَتَّى لاَ تَعْلَمَ يَمِيْنُهُ مَا تُنْفِقُ شِمَالُهُ ، وَرَجُلٌ ذكَرَ اللهَ خَالِياً فَفَاضَتْ عَيْنَاهُ " . قال أهلُ المعاني : هذهِ الآيةُ في صدقةِ التطوعِ ، ولإجماعِ العلماءِ أنَّ الزكاةَ المفروضةَ إعلانُها أفضلُ كالصلاةِ المفروضةِ في الجماعةِ أفضلُ من إفرادِها ، وكذلكَ سائرُ الفرائضِ ؛ لمعنيينِ ؛ أحدِهما : ليقتدي به الناسُ ، والثاني : لزوالِ التهمةِ ؛ لِئَلاَّ يسيءَ به الناسُ الظنَّ ، ولا رياءَ في الفرضِ . وأما النوافلُ والفضائلُ فإخفاؤها أفضلُ لِبُعْدِهَا عن الرياءِ ، يدلُّ على صحَّةِ هذا التأويلِ ما روي عن أبي جعفرَ في قولهِ تعالى : { إِن تُبْدُواْ ٱلصَّدَقَاتِ فَنِعِمَّا هِيَ } قالَ : ( يَعْنِي الزَّكَاةَ الْمَفْرُوضَةَ وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن تُخْفُوهَا وَتُؤْتُوهَا ٱلْفُقَرَآءَ } يَعْنِي التّطَوُّعَ ) . وعن ابنِ عباس أنه قالَ : ( جَعَلَ اللهُ صَدَقَةَ التَّطَوُّعِ فِي السِّرِّ تَفْضُلُ عَلاَنِيَتَهَا بسَبْعِيْنَ ضِعْفاً ، وَصَدَقَةُ الْفَرِيْضَةِ تُفْضُلُ عَلاَنِيَتُهَا سِرَّهَا بخَمْسٍ وَعِشْرِيْنَ ضِعْفاً ) . وَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " الْمُسِرُّ بالْقُرْآنِ كَالْمُسِرِّ بالصَّدَقَةِ ، وَالْجَاهِرُ بالْقُرْآنِ كَالْجَاهِرِ بالصَّدَقَةِ " وذهب الحسنُ وقتادةُ إلى أن الإخفاءِ في كلِّ صدقةٍ أفضل ؛ مفروضةً كانت أم تطوُّعاً . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَيُكَفِّرُ عَنكُم مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } ؛ قرأ ابنُ عباس وعكرمةُ : ( وَتُكَفِّرُ ) بالتاءِ ؛ يعني الصدقاتَ . وقرأ الحسنُ وابن عامرٍ وحفصٍ : ( وَيُكَفَّرُ ) بالياءِ والرفعِ على معنى ويكفِّر اللهُ . وقرأ ابن كثيرٍ وعاصمُ وأبو عمرو بالنونِ ورفعِ الراء على الاستئنافِ ؛ أي ونَحْنُ نُكَفِّرُ . وقرأ أبو جعفرَ وشيبةُ ونافع والأعمش وحمزةُ والكسائيُّ بالنون والجزمِ عطفاً على موضع الفاء التِي في قوله : { فَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ } لأنَّ موضِعَها جُزِمَ بالجزاءِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { مِّن سَيِّئَاتِكُمْ } أدخل ( مِنْ ) للتبعيض ؛ ليكون العبادُ فيها على وَجَلٍ فلا يَتَّكِلُوا . وقال نحاةُ البصرةِ : معناه الإسقاطُ ؛ ويُكَفِّرُ عنكم سيِّئاتِكم . قولهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَٱللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ خَبِيرٌ } ؛ أي بما تعملونَ من الصدقةِ عالِمٌ يجزيكم بهِ .