Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 30-32)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ قَالَ رَبُّكَ لِلْمَلَٰئِكَةِ إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } ؛ يعني آدمَ وذريَّتَهُ . واختَلَفُوا في معنى الخليفة ، فروي : أنَّ رَجُلاً سَأَلَ طَلْحَةَ وَالزُّبَيْرَ وَكَعْباً وَسَلْمَانَ : مَا الْْخَلِيْفَةُ ؛ وما الْمَلِكُ ؟ فَقَالَ طَلْحَةُ وَالزُّبَيْرُ : ( مَا نَدْرِي ) وَقَالَ سَلْمَانُ : ( الْخَلِيْفَةُ : هُوَ الَّذِي يَعْدِلُ فِي رَعِيَّتِهِ وَيَقْسِمُ بَيْنَهُمْ بالسَّوِيَّةِ وَيُشْفِقُ عَلَيْهِمْ شَفَقَةَ الرَّجُلِ عَلَى أهْلِهِ وَالْوَالِدِ عَلَى وَلَدِهِ ؛ وَيَقْضِي بِكِتَاب اللهِ تَعَالَى ) . فَقَالَ كَعْبٌ : ( مَا كُنْتُ أحْسَبُ أنَ أحَداً يُفَرِّقُ الْخَلِيْفَةَ مِنَ الْمَلِكِ غَيْرِي ؛ وَلَكِنَّ اللهَ مَلأَ سَلْمَانَ عِلْماً وَحِلْماً وَعَدْلاً ) . وروي أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه قَالَ لِسَلْمَانَ : أمَلِكٌ أنَا أمْ خَلِيْفَةٌ ؟ قَالَ سَلْمَانُ : ( إنْ أنْتَ جَبَيْتَ أرْضَ الْمُسْلِمِيْنَ دِرْهَماً أوْ أكْثَرَ أوْ أقلَّ ؛ وَوَضَعْتَهُ فِي غَيْرِ حَقِّهِ ! ! فَأَنْتَ مَلِكٌ . وَإنْ أنْتَ فَعَلْتَ بالْعَدْلِ وَالإنْصَافِ فَأَنْتَ خَلِيْفَةٌ ) فَاسْتَغْفَرَ عُمَرُ رضي الله عنه . وروي أنَّ مُعَاويَةَ كَانَ يَقُولُ إذَا جَلَسَ عَلَى الْمِنْبَرِ : ( يَا أيُّهَا النَّاسُ إنَّ الْخِلاَفَةَ لَيْسَتْ بجَمْعِ الْمَالِ وَلاَ تَفْرِيْقِهِ ؛ وَلَكِنَّ الْخِلاَفَةَ الْعَمَلُ بالْحَقِّ ؛ وَالْحُكْمُ بالْعَدْلِ ؛ وَأَخْذُ النَّاسِ بأَمْرِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } ؛ أي يَعصِيكَ فيها ؛ { وَيَسْفِكُ ٱلدِّمَآءَ وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } ؛ أي نُبَرِّيك من السُّوء ونُصَلِّي لكَ ونطهِّرُ أنفسَنا لكَ . وَقِيْلَ : اللامُ في { نُقَدِّسُ لَكَ } زائدةٌ ؛ أي نقدِّسُك . وقُوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ إِنِّيۤ أَعْلَمُ مَا لاَ تَعْلَمُونَ } ، أي أعلمُ أنه سيكون فيهم أنبياءٌ وقومٌ صالِحون يسبحُون بحَمْدِي ويقدِّسُونَ لِي ويطيعونَ أمْرِي . وروي : ( أنَّ اللهَ لَمَّا خَلَقَ الأَرْضَ جَعَلَ سُكَّانَهَا الْجِنَّ بَنِي الْجَانِ ؛ وَجَعَلَ سُكَّانَ السَّمَاوَاتِ الْمَلاَئِكَةَ ؛ لأَهْلِ كُلِّ سَمَاءٍ عِبَادَةٌ أهْوَنُ مِنَ الَّتِي فَوْقَهَا ، وَكَانَ إبْلِيْسُ مَعَ جُنْدٍ مِنَ الْمَلاَئِكَةِ فِي سَمَاءِ الدُّنْيَا ؛ وَكَانَ رَئِيْسُهُمْ واسْمُهُ عَزَازيْلُ . فَلَمَّا أفْسَدَتِ الْجِنُّ بَنِي الْجَانِ الَّذِيْنَ سَكَنُواْ الأَرْضَ فِيْمَا بَيْنَهُمْ وَسَفَكُواْ الدِّمَاءَ وَعَمِلُواْ الْمَعَاصِي بَعَثَ اللهُ إلَيْهِمْ إِبْلِيْسَ مَعَ جُنْدِهِ ؛ فَهَبَطُواْ إلَى الأَرْضِ وَأجْلَواْ الْجِنَّ مِنْهَا ؛ وَألْحَقُوهُمْ بجَزَائِرِ الْبحَار ؛ وَسَكَنَ إِبْلِيْسُ وَالْجُنْدُ الَّذِيْنَ مَعَهُ فِي الأَرْضِ . فَلَمَّا أرَادَ اللهُ أنْ يَخْلُقَ آدَمَ وَذُرِّيَّتَهُ ؛ قَالَ لِلْمَلاَئِكَةِ الَّذِيْنَ كَانُواْ مَعَ إبْلِيْسَ فِي الأرْضِ : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } . فَتَعَجَّبُواْ مِنْ ذَلِكَ ؛ وَ { قَالُواْ أَتَجْعَلُ فِيهَا مَن يُفْسِدُ فِيهَا } كَمَا فَعَلَتِ الْجِنُّ بَنُو الْجَانِ { وَنَحْنُ نُسَبِّحُ بِحَمْدِكَ وَنُقَدِّسُ لَكَ } فَلَمَّا قَالُواْ هَذَا الْقَوْلَ خَرَجَتْ لَهُمْ نَارٌ مِنَ الْحُجُب وَاحْتَرَقَتْ عَشْرَةُ آلاَفِ مَلَكٍ مِنْهُمْ وَأعْرَضَ الرَّبُّ سُبْحَانَهُ عَنِ الْبَاقِيْنَ حَتَّى طَافُواْ حَوْلَ الْعَرْشِ سَبْعَ سِنِيْنَ يَقُولُونَ : لَبَّيْكَ اللَّهُمَّ لَبَّيْكَ اعْتِذَاراً إلَيْكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَعَلَّمَ ءَادَمَ ٱلأَسْمَآءَ كُلَّهَا } ؛ وذلك أنَّ الله لَمَّا قال للملائكةِ : { إِنِّي جَاعِلٌ فِي ٱلأَرْضِ خَلِيفَةً } قَالُواْ فِيْمَا بَيْنَهُمْ : يَخْلِقُ رَبُّنَا مَا يَشَاءُ ؛ فَلَنْ يَخْلِقَ خَلْقاً أفْضَلَ وَلاَ أكْرَمَ عَلَيْهِ مِنَّا . وَإنْ كَانَ خَيْراً مِنَّا فَنَحْنُ أعْلَمُ مِنْهُ ؛ لأَنَّا خُلِقْنَا قَبْلَهُ وَرَأيْنَا مَا لَمْ يَرَهُ ؛ فَلَمَّا أُعْجِبُواْ بعَمَلِهِمْ وَعِبَادَتِهِمْ فَضَّلَ اللهُ آدَمَ عَلَيْهِمْ بالْعِلْمِ فَعَلَّمَهُ الأسْمَاءَ كُلَّهَا ؛ وَهِيَ أسْمَاءُ الْمَلاَئِكَةِ ؛ وَقِيْلَ : أسْمَاءُ ذُرِّيَّتِهِ ؛ وَقَالَ ابْنُ عَبَّاسٍ : [ أسْمَاءُ كُلِّ شَيْءٍ مِنَ الدَّوَاب وَالطُّيُور وَالأَمْتِعَةِ حَتَّى الشَّاةَ وَالْبَقَرَ وَالْبَعِيْرَ وَحَتَى الْقَصْعَةَ وَالسُّكُرُّجَةَ ] . وَقِيْلَ : أسماءُ كلِّ شيءٍ من الحيوانِ والجمادات وغيرِها ؛ فقِيْلَ : هذا فرسٌ وهذا حمارٌ وهذا بغل حتى أتَى على آخرِها . { ثُمَّ عَرَضَهُمْ } ، أي عَرَضَ تلك الشُّخوص الْمُسَمَّيَاتِ ، { عَلَى ٱلْمَلَٰئِكَةِ } ، ولَم يقل عرضَها ردَّه إلى الشخوص المسميات ؛ لأن الأعراض لا تُعرض ؛ وإن شئتَ قلتَ : لأن فيهم من يعقل فغلبهم . وفي قراءة أُبي : ( ثُمَّ عَرَضَهَا ) . وقال الضحَّاك : ( عَلَّمَ اللهُ آدَمَ أسْمَاءَ الْخَلْقِ وَالْقُرَى وَالْمُدُنِ وَالأجْيَالِ وَأسْمَاءَ الطَّيْرِ وَالشَّجْرِ ؛ وَأَسْمَاءَ مَا كَانَ وَمَا يَكُونُ وَكُلَّ نَسْمَةٍ اللهُ بَادِيْهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . وعرض تلك الأسماء على الملائكة ؛ { فَقَالَ أَنْبِئُونِي بِأَسْمَآءِ هَـٰؤُلاۤءِ إِن كُنْتُمْ صَٰدِقِينَ } ؛ بأن الخليفةَ الذي أجعلهُ : يفسدُ فيها ويسفك الدِّماءَ ؟ أراد بذلك : كيفَ تدَّعون عِلْمَ ما لَم يكن وأنتم لا تعلمون عِلْمَ ما تَرَوْنَ وتُعَاينُونَ ؟ ! وقال الحسنُ وقتادة : ( مَعْنَاهُ إنْ كُنْتُمْ صَادِقِيْنَ أنِّي لاَ أخْلُقُ خَلْقاً إلاَّ كُنْتُمْ أعْلَمَ مِنْهُ وَأَفْضَلَ ! ! ) . فقالتِ الملائكةُ أقراراً بالعجزِ واعتذاراً : { قَالُواْ سُبْحَٰنَكَ لاَ عِلْمَ لَنَآ إِلاَّ مَا عَلَّمْتَنَآ } ؛ أي تنْزِيهاً لكَ عن الاعتراضِ في حُكمِك وتدبيرِكَ ، { إِنَّكَ أَنْتَ ٱلْعَلِيمُ ٱلْحَكِيمُ } ، في أمرِكَ . و { سُبْحَٰنَكَ } منصوبٌ على المصدر ؛ أي نسبحُ سُبْحاناً في قولِ الخليل ؛ وَقِيْلَ : على النِّداءِ المضافِ ؛ أي يَا سُبْحَانكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلْحَكِيمُ } له مَعنَيان ؛ أحدُهما : الْمُحْكِمُ للفعلِ كقولِهم : عذابٌ أليمٌ ؛ أي مؤلِم . وضربٌ وجيعٌ ؛ أي مُوجِعٌ ؛ فعلى هذا هو صِفَةُ فعلٍ . والآخرُ : بمعنى الْحَاكِمُ ؛ فحينئذ يكون صفةُ ذاتٍ .