Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 34-34)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ قُلْنَا لِلْمَلَٰئِكَةِ ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ فَسَجَدُواْ إِلاَّ إِبْلِيسَ أَبَىٰ وَٱسْتَكْبَرَ وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } ؛ ظاهرُ الآيةِ : أن إبليس كان من الملائكة ؛ لأنه مُستثنَى منهم ، وإلى هذا ذهبَ جماعةٌ من العلماءِ ، وقالوا : معنى قولهِ في آيةٍ أُخرَى : { إِلاَّ إِبْلِيسَ كَانَ مِنَ ٱلْجِنِّ } [ الكهف : 50 ] يعني من خُزَّانِ الجِنَانِ . وذهب جماعةٌ آخرون إلى أنه من أولادِ الجانِّ ؛ لأنه مخلوقٌ من نارٍ وله ذريةٌ ، والملائكةُ من نورٍ وليس لَهم ذُرية . فعلى هذا يكونُ مُستثنى منقطعاً ؛ مثل قولهِ تعالى : { مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ إِلاَّ ٱتِّبَاعَ ٱلظَّنِّ } [ النساء : 157 ] . وقيل : سببُ كونه مع الملائكةِ : إن الملائكةَ لَمَّا حاربَتِ الجنَّ سَبَوا إبليسَ صغيراً فنشأَ معهم ؛ فلما أُمرتِ الملائكةُ بالسُّجود امتنعَ وكفرَ وعاد إلى أصلهِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱسْجُدُواْ لأَدَمَ } هو سجودُ تعظيمٍ وتحيَّة لا سجودَ صلاةٍ وعبادةٍ ؛ نظيرهُ في قصَّة يوسُفَ عليه السلام : { وَخَرُّواْ لَهُ سُجَّدَاً } [ يوسف : 100 ] وكان ذلك تحيَّة الناسِ وتعظيمَ بعضهم بعضاً ؛ ولَم يكن وضعُ الوجهِ على الأرض وإنَّما كان الانحناءَ . فلما جاءَ الإسلامُ أبطلَ ذلك بالسَّلام ؛ وفي الحديثِ : " أنَّ مُعَاذ بْنَ جَبَلٍ لَمَّا رَجَعَ مِنَ الْيَمَنِ سَجَدَ لِرَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَتَغَيَّرَ وَجْهُ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَقَالَ : " مَا هَذَا ؟ " قَالَ : رَأيْتُ الْيَهُودَ يَسْجُدُونَ لأَحْبَارِهِمْ وَالنَّصَارَى يَسْجُدُونَ لِقِسِّيسِهِمْ . فَقَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَهْ يَا مُعَاذُ ! كَذَبَ الْيَهُودُ وَالنَّصَارَى ؛ إنَّمَا السُّجُودُ للهِ عَزَّ وَجَلَّ " " . وقال بعضُهم : سجَدُوا على الحقيقةِ ؛ جُعِلَ آدمُ قبلةً لَهم ؛ والسجودُ للهِ كما جعلت الكعبةُ قِبلةً لصلاةِ المؤمنين والصلاةُ لله عَزَّ وَجَلَّ . وإنَّما سُمِّي آدم لأنه خُلِقَ من التُّراب ؛ والترابُ بلسان العبرانيَّة آدم بالمدِّ ؛ ومنهم مَن قالَ : سُمِّي بذلك لأنه كان آدمَ اللَّون . وكُنيته : أبو مُحَمَّدٍ ؛ وأبو البَشَرِ . وقوله : { إِلاَّ إِبْلِيسَ } منصوبٌ على الاستثناء ؛ ولا ينصرفُ للعُجْمَةِ والْمَعْرِفَةِ . وقولهُ تعالى : { وَٱسْتَكْبَرَ } أي تكبَّرَ وتعظَّمَ عن السجودِ لآدم . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكَانَ مِنَ ٱلْكَٰفِرِينَ } أي وصارَ مِن الكافرين كقولهِ تعالى : { فَكَانَ مِنَ ٱلْمُغْرَقِينَ } [ هود : 43 ] . وقال أكثرُ المفسِّرين : معناهُ : وكان في علمهِ السابقِ من الكافرين الذين وجبَتْ لَهم الشقاوةُ . قال رسولُ الله صلى الله عليه وسلم : " إذا قَرَأَ ابْنُ آدَمَ السَّجْدَةَ وَسَجَدَ ، اعْتَزَلَ الشَّيْطَانُ يَبْكِي ؛ وَيَقُولُ : يَا وَيْلَهُ أُمِرَ ابْنُ آدَمَ بالسُّجُودِ فَسَجَدَ فَلَهُ الْجَنَّةُ ؛ وَأُمِرْتُ بالسُّجُودِ فَأَبَيْتُ فَلِيَ النَّارُ " .