Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 45-45)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱسْتَعِينُواْ بِٱلصَّبْرِ وَٱلصَّلَٰوةِ } ؛ أي استعينوا على ما استقبَلَكم من أنواع البلايا . وقيلَ : على طلب الآخرة بالصبر على أداء الفرائض ؛ وبالصلاة على تَمحيصِ الذنوب . وقيل : استعينوا بالصَّبر والصلاة على ما يَذْهَبُ منكم من الرئاسة والْمَأْكَلَةِ باتِّباع مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . وقال مجاهدُ : ( الصَّبْرُ فِي هَذِهِ الآيَةِ الصَّوْمُ ) . وقيل : ( الواو ) هنا بمعنى ( على ) ؛ تقديره : استعينوا فيما يَنُوبُكُمْ بالصبر على الصلاة ؛ كقولهِ تعالى : { وَأْمُرْ أَهْلَكَ بِٱلصَّلاَةِ وَٱصْطَبِرْ عَلَيْهَا } [ طه : 132 ] . وروي أن ابنَ عباس نُعِيَتْ إلَيْهِ بنْتٌ لَهُ وَهُوَ فِي سَفَرٍ ؛ فَاسْتَرْجَعَ ، ثُمَّ قَالَ : ( عَوْرَةٌ سَتَرَهَا اللهُ ؛ وَمُؤْنَةٌ كَفَاهَا اللهٌ ؛ وَأجْرٌ سَاقَهُ اللهٌ ) . ثُمَّ نَزَلَ فَصَلَّى رَكْعَتَيْنِ . ثُمَّ قَالَ : ( صَنَعْنَا مَا أمَرَنَا اللهُ بهِ : وَاسْتَعِينُوا بالصَّبْرِ وَالصَّلاةِ ) . وأصلُ الصَّبْرِ هُوَ الْحَبْسُ ، يقال : قُتِلَ فُلاَنٌ صَبْراً ؛ إذا حُبس حيّاً حتى ماتَ ، وقيل : الصَّبْرُ هو الصومُ ؛ ويسمَّى شهر رمضان شهر الصَّبر ، وسُمي الصوم صبراً ؛ لأن صاحبه يحبسُ نفسه عن الطعام والشراب . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ إِلاَّ عَلَى ٱلْخَٰشِعِين } ؛ يحتملُ أنَّ الهاء كنايةٌ عن الصلاة ؛ لأنَّها أشرفُ الطاعات ، ويحتمل أن تكون عن الاستعانةِ ، ويحتمل أن يكون المرادُ بها الصبر والصلاةُ جميعاً ، كما قال الله تعالى : { وَٱللَّهُ وَرَسُولُهُ أَحَقُّ أَن يُرْضُوهُ } [ التوبة : 62 ] فاكتفى بذكرِ أحدهما دلالةً على الآخرِ . ونظيرُ القول الأول قَوْلُهُ تعَالَى : { وَٱلَّذِينَ يَكْنِزُونَ ٱلذَّهَبَ وَٱلْفِضَّةَ وَلاَ يُنفِقُونَهَا } [ التوبة : 34 ] ردَّ الكنايةَ إلى الفضة لأنَّها أغلبُ وأعم . وقال تعالى : { وَإِذَا رَأَوْاْ تِجَارَةً أَوْ لَهْواً ٱنفَضُّوۤاْ إِلَيْهَا } [ الجمعة : 11 ] ردَّ الكنايةَ إلى التجارة لأنَّها الأهم والأفضلُ . وقال الأخفشُ : ( رَدَّ الْكِنَايَةَ إلَى كُلِّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ؛ أرَادَ كُلَّ خَصْلَةٍ مِنْهُمَا الْكَبيْرَةُ كَقَوْلِهِ تَعَالَى : { كِلْتَا ٱلْجَنَّتَيْنِ آتَتْ أُكُلَهَا } [ الكهف : 33 ] يَعْنِي كُلَّ وَاحِدَةٍ مِنْهُمَا ، وَقَالَ تَعَالَى : { وَجَعَلْنَا ٱبْنَ مَرْيَمَ وَأُمَّهُ آيَةً } [ المؤمنون : 50 ] وَلَمْ يَقُلْ آيَتَيْنِ ؛ أرَادَ جَعَلْنَا كُلَّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا آيَةً ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِنَّهَا لَكَبِيرَةٌ } أي ثقيلةٌ شديدةٌ إلا على الخاشعين ؛ أي المؤمنين . وقيلَ : إلا العابدين المطيعين . وقيلَ : الخائفين . وقيل : المتواضعين . وقال الزجَّاجُ : ( الْخَاشِعُ الَّذِي يُرَى أثَرُ الذُّلِّ وَالْخُشُوعِ عَلَيْهِ ؛ وَيُقَالُ : خَشَعَ ؛ إذَا رَمَى ببَصَرِهِ إلَى الأَرْضِ ، وَأخْشَعَ إذَا طَأْطَأَ رَأسَهُ لِلسُّجُودِ ) . والخشوعُ والخضوعُ نظيران ؛ إلا أن الخضوعَ يكون بالبدن والخشوعَ بالبصر والصوتِ والقلب كما قالَ تعالى : { خَٰشِعَةً أَبْصَٰرُهُمْ } [ القلم : 43 ] { وَخَشَعَتِ ٱلأَصْوَاتُ } [ طه : 108 ] { أَن تَخْشَعَ قُلُوبُهُمْ } [ الحديد : 16 ] .