Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 2, Ayat: 60-60)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذِ ٱسْتَسْقَىٰ مُوسَىٰ لِقَوْمِهِ } ؛ أي سأل لهم السُّقيا ، وذلك أنَّهم عطشوا في التَّيْهِ فقالوا : يا موسى من أين لنا الشرابُ ، وكان قولهم له حال نزولِهم في الأرضِ الْقِفْرِ بعد غرقِ فرعون ؛ فاستسقى لهم موسى ، { فَقُلْنَا } ؛ أي فأوحَى الله إليه : أنْ ؛ { ٱضْرِب بِّعَصَاكَ ٱلْحَجَرَ } ؛ وكانت عصاه من آس الجنَّة طولُها عشرة أذرعٍ على طولِ موسى ؛ ولها شُعبتان تتَّقدان في الظلمةِ نوراً ، وكان آدمُ حملها معهُ من الجنَّة إلى الأرضِ فتوارثتها الأنبياء صاغِراً عن كابرٍ حتى وصلَ إلى شعيب فأعطاها موسَى . وأما الحجرُ الذي أمر موسى بضربه فقد اختلف فيه المفسرون ، قال وَهَبُ بنُ مُنَبه : كَانَ مُوسَى يَضْرِبُ لَهُمْ أقْرَبَ حَجَرٍ مِنْ عَرَضِ الْحِجَارَةِ ؛ فَتَفَجَّرَ عُيُوناً لِكُلِّ سَبْطٍ عَيْناً ، وَكَانُوا اثْنَى عَشَرَ سَبْطاً ، ثُمَّ تَسِيْلُ كُلُّ عَيْنٍ فِي جَدْوَلٍ إلَى السَّبْطِ الَّذِي أُمِرَ أنْ يَسْقِيَهُمْ . ثم إنَّهم قالوا : إن فقدَ موسى عصاهُ مِتْنَا عطشاً ، فأُوحِيَ إليهِ : يا موسى ، لا تَقْرَعَنَّ الحجارةَ ، ولكن كلِّمها تُطِعْكَ لعلهم يعتبرون . فقالوا : كيفَ بنا إذا أفضينا إلى الأرضِ التي ليس فيها حجارةٌ ؟ فحملَ موسى معَهُ حَجَراً ، فحيثما نزلوا ألقاهُ . وقال آخرون : كان حَجَراً مخصوصاً بعينهِ ؛ والدليلُ على ذلك إدخالٌ الألف واللام عليه وذلك للتعريف ؛ ثم اختلفوا فيه مَا هُوَ ؟ قال ابنُ عباس : ( كَانَ حَجَراً خَفِيْفاً مُرَبَّعاً مِثْلَ رَأْسِ الرَّجُلِ يَحْمِلُهُ مَعَهُ ، فَإِذَا احْتَاجُواْ إلَى الْمَاءِ وَضَعَهُ وَضَرَبَهُ بعَصَاهُ ) . وروي أنه كان رُخاماً . وقيل : كان حجراً فيه اثنا عشر حفرةً تنبعُ من كل حفرة عينُ ماءٍ عذبٍِ فراتٍ ؛ فإذا اتخذوا حاجتهم من الماء ؛ وأراد موسى حملهُ ضربه بعصاه ، فغارَ الماءُ وانقطعَ . وكان يسقي كلَّ يوم ستمائة ألف . وقال سعيد بن جبير : ( هُوَ الَّذِي وَضَعَ مُوسَى عَلَيْهِ ثَوْبَهُ لِيَغْتَسِلَ حِيْنَ رَمَوْهُ بالأَذرَةِ ؛ فَنَفَرَ الْحَجَرُ بثَوْبهِ وَمَرَّ بهِ عَلَى مَلإٍ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ حَتَّى عَلِمُواْ أنَّهُ لَيْسَ بآدَرٍّ ؛ فَلَمَّا وَقَفَ الْحَجَرُ أتَاهُ جِبْرِيْلُ عليه السلام ؛ فَقَالَ : يَا مُوسَى إنَّ اللهَ عَزَّ وَجَلَّ يَقُولُ لَكَ : إرْفَعْ هَذَا الْحَجَرَ فَلِي فِيْهِ قُدْرَةٌ وَلَكَ فِيْهِ مُعْجِزَةٌ . وَقَدْ ذَكَرَ اللهُ تَعَالَى ذلِكَ فِي قَوْلِهِ : { لاَ تَكُونُواْ كَٱلَّذِينَ آذَوْاْ مُوسَىٰ فَبرَّأَهُ ٱللَّهُ مِمَّا قَالُواْ } [ الأحزاب : 69 ] فَحَمَلَهُ مُوسَى وَوَضَعَهُ فِي مِخْلاَتِهِ ، وَكَانَ إذَا احْتَاجَ إلَى الْمَاءِ ضَرَبَهُ بعَصَاهُ ) . وقصَّة ذلك الحجر ما روي عن رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قال : " كَانَ بَنُو إسْرَائِيْلَ يَغْتَسِلُونَ عُرَاةً ؛ يَنْظُرُ بَعْضُهُمْ إلَى سَوْءَةِ بَعْضٍ ؛ وَكَانَ مُوسَى يَغْتَسِلُ وَحْدَهُ . فَقَالُواْ : مَا يَمْنَعُ مُوسَى أنْ يَغْتَسِلَ مَعَنَا إلاَّ أنَّهُ أدَرّ ، فَذَهَبَ يَغْتَسِلُ مَرَّةً ؛ فَوَضَعَ ثَوْبَهُ عَلَى حَجَرٍ ، فَفَرَّ الْحَجَرُ بثَوْبهِ ، فَجَمَحَ مُوسَى بأَثَرِهِ يَقُولُ : ثَوْبي يَا حَجَرُ ثَوْبِي يَا حَجَرُ ، حَتَّى نَظَرَتْ بَنُو إسْرَائِيْلَ إلَى سَوْءَةِ مُوسَى ؛ فَقَالُواْ : وَاللهِ مَا بمُوسَى مِنْ بَأْسٍ فَقَامَ بَعْدَمَا نَظَرَ بَنُو إسْرَائِيْلَ إلَيْهِ ؛ فَأَخَذَ مُوسَى ثَوْبَهُ فَطَفِقَ بالْحَجَرِ ضَرْباً " . قِيْلَ : ضربَهُ موسى إثنا عشر ضربةً . وكان يظهرُ على كل ضربة مثل ثدي المرأةِ ثم يتفجَّر بالأنْهار المطَّردة ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱنفَجَرَتْ مِنْهُ ٱثْنَتَا عَشْرَةَ عَيْناً } ، وفي الآية إضمارٌ واختصارٌ ؛ تقديره : { فَقُلْنَا اضْرِب بِّعَصَاكَ الْحَجَرَ } ؛ فضرب ؛ { فَانفَجَرَتْ } أي سَالَتْ . وأصلُ الانْفِجَار : الانْشِقَاقُ وَالانْتِشَارُ ، ومنه : فَجْرُ النَّهَار ؛ لأنه يَنْشَقُّ من الظلامِ . وأما قولهُ في موضع آخر : { فَٱنبَجَسَتْ } [ الأعراف : 160 ] فالانبجاسُ : أوَّلُ ما يَتَقَاطَرُ من الماءِ ويَنْشَقُّ ، والانفجارُ حين السيلان . وكان الانبجاسُ في أول القصةِ ؛ والانفجارُ في آخرها . والانبجاسُ أقلُّ من الانفجار . وقال بعضهم : هو حَجَرٌ أمرَ اللهُ موسى أن يأخذَهُ من أسفلِ البحر حين مرَّ فيه مع قومهِ . وقيل : إنه من الجنةِ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { قَدْ عَلِمَ كُلُّ أُنَاسٍ مَّشْرَبَهُمْ } ؛ أي موضع مشربهم ؛ ويكون بمعنى المصدر مثل المدخل ؛ والمخرج ؛ والمطلعِ . وكان كل سِبْطٍ يشربون من عينٍ لا يُخالطهم فيها غيرهم للعصبيةِ التي كانت بينهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { كُلُواْ وَٱشْرَبُواْ مِن رِّزْقِ ٱللَّهِ } ؛ أي قلنا : كلوا من الْمَنِّ والسلوى واشربُوا من الماء ؛ فهذا كله مِن رزق الله الذي يأتيكم به بلا مشقَّةٍ ولا مُؤْنَةٍ ولا تَعَبٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَعْثَوْاْ فِي ٱلأَرْضِ مُفْسِدِينَ } ، العَيْثُ والعَثْوَاءُ : شدَّةُ الْفَسَادِ ؛ وإنَّما جُمع بين العيثِ والفساد وإن كان معناهما واحداً تأكيداً كما يقال : كذبٌ وزورٌ ؛ ظلم وجورٌ ، أي قيل لهم : كلوا واشربوا ولا تُسرعوا إلى الفساد في الأرض عاثيين . والدليل على أن العيثَ هو الفسادُ قول الشاعر :