Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 85-85)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } ؛ أي ثُم أنتم يا هؤلاءِ ؛ فحذفَ حرفَ النِّداء للاستغناءِ بدلالةِ الكلام عليه . كقَوْلِهِ تَعَالَى : { ذُرِّيَّةَ مَنْ حَمَلْنَا مَعَ نُوحٍ } [ الإسراء : 3 ] . وقولهُ : { تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } قرأ الحسنُ : ( يُقَتِّلُونَ ) بالتشديدِ . { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ } ، والآيةُ خطابٌ ليهودِ قريظةَ والنضير ؛ كانت بنُو قريظةَ حلفاءَ الأوسِ ؛ وبنو النضيرِ حلفاءَ الخزرجِ ، فكان كلُّ فريقٍ يقاتلُ الفريقَ الآخر وإذا غلبَهم قتلَهم وسَبَى ذراريهم وأخرجَهم من ديارهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } ، قرأ أهل الشام وأبو عمرو ويعقوب : ( تَظَّاهَرُونَ ) بتشديد الظاء ، ومعناهُ : يَتَظَاهَرُونَ ؛ فأُدغم التاءُ في الظاءِ مثل : ( اثَّاقَلْتُمْ ) وَ ( ادَّارَكُواْ ) . وقرأ عاصمُ والأعمش وحمزة وطلحة والحسن والكسائي : ( تَظَاهَرُونَ ) بالتخفيفِ ؛ حذفُوا تاءَ التفاعلِ وأبقَوا تاء الخطاب مثلُ قَوْلِهِ تَعَالَى : { وَلاَ تَعَاوَنُواْ عَلَى ٱلإِثْمِ وَٱلْعُدْوَانِ } [ المائدة : 2 ] و { مَا لَكُمْ لاَ تَنَاصَرُونَ } [ الصافات : 25 ] . وقرأ أُبَي ومجاهدُ وقتادة : ( تَظَّهَرُونَ ) بالتشديدِ من غيرِ ألِفٍ ؛ أي تَتظهَرُونَ . ومعناهما جميعاً واحدٌ : تَعَاوَنُونَ . والظَّهيرَةُ العَوْنُ ؛ سُمي بذلك لإسنادهِ ظهرَهُ إلى ظهرِ صاحبه . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } أي بالمعصيةِ والظُّلم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِن يَأتُوكُمْ أُسَارَىٰ تُفَادُوهُمْ } ؛ مُتَّصِلٌ بقوله { وَلاَ تُخْرِجُونَ أَنْفُسَكُمْ } [ البقرة : 84 ] لأن قَوْلَهُ : { وَإِن يَأتُوكُمْ } داخلٌ في الميثاقِ . ومعناهُ : فكُّوا أسراكُم من غيرِكم بالفداءِ . وقرأ السلمي ومجاهدُ وابن كثير وأبو عمرٍو وابن عامر : ( أُسَارَى ) بالألف ، و ( تُفْدُوهُمْ ) بغير ألف . وقرأ الحسن : ( أسْرِي ) بغيرِ ألف ، ( تُفَادُهُمْ ) بالألف . وقرأ النخعيُّ وطلحة والأعمش وحمزة ( أسْرِي تَفْدُوهُمْ ) كلاهما بغير ألف . وقرأ شيبةُ ونافع وعاصم وقتادةُ والكسائي ويعقوب ( أُسَارَى تُفَادُوهُمْ ) كِلاهما بالألف . والأُسَارَى : جمعُ أسيرٍ ؛ مثل : مريض ومرضَى ، وقريع وقرعَى ، وقتيلٍ وقتلى . والأَسْرَى : جمع أسير أيضاً ، مثل : سُكَارَى وكسالى . ولا فرق بين الأسارَى والأسرَى في الصحيح . قال بعضُهم : المقيَّدون المشدُودون أَسارى ، والأَسْرَى : هم المأسورون غيرُ المقيدين . قَوْلُهُ تَعَالَى : ( تُفْدُوهُمْ ) بالمالِ ، و ( تُفَادُوهُمْ ) أي مفاداة الأسير بالأسير . و ( أسْرَى ) في موضعِ نصب على الحال . ومعنى الآيةِ ما قال السديُّ : ( إنَّ اللهَ تَعَالَى أخَذَ عَلَى بَنِي إِسْرَائِيْلَ فِي التَّوْرَاةِ أنْ لاَ يَقْتُلَ بَعْضُهُمْ بَعْضاً وَلاَ يُخْرِجَ بَعْضُهُمَْ بَعْضاً مِنْ دِيَارهِمْ ؛ وَأَيَّمَا عَبْدٍ أوْ أمَةٍ وَجَدْتُمُوهُ مِنْ بَنِي إِسْرَائِيْلَ فَاشْتَرُوهُ وَأعْتِقُوهُ . وَكَانَتْ قُرَيْظَةُ حُلَفَاءَ الأَوْسِ ، وَالنَّضِيْرُ حُلَفَاءَ الْخَزْرَجِ ، وَكَانُواْ يُقْتَلُونَ فِي حَرْب سُمَيْرٍ ؛ فَيُقَاتِلُ بَنُو قُرَيْظَةَ مَعَ حُلَفَائِهِمْ ؛ وَالنَّضِيْرُ مَعَ حُلَفَائِهِمْ ، فَإذَا غَلَبُواْ خَرَّبُواْ دِيَارَهُمْ وَأخْرَجُوهُمْ مِنْهَا ؛ وَإذَا أُسِرَ رَجُلٌ مِنَ الْفَرِيْقَيْنِ كِلاَهُمَا جَمَعُواْ لَهُ حَتَّى يَفْدُوهُ فِيُعَيِّرُونَهُمُ الْعَرَبُ بذَلِكَ ؛ فَيَقُولُونَ : كَيْفَ تُقَاتِلُونَهُمْ وَتُفْدُونَهُمْ ؟ فَيَقُولُونَ : إنَّا قًَدْ أُمِرْنَا أنْ نَفْدِيَهُمْ ؛ وَحُرِّمَ عَلَيْنَا قِتَالُهُمْ . قَالُواْ : فَلِمَ تُقَاتِلُونَهُمْ ؟ قَالُواْ : إنَّا نَسْتَحِي أنْ يَسْتَذِلَّ حُلَفَاؤُنَا ؛ فَذَلِكَ حِيْنَ عَيَّرَهُمْ اللهُ تَعَالَى ) . وقال : { ثُمَّ أَنْتُمْ هَـٰؤُلاۤءِ تَقْتُلُونَ أَنْفُسَكُمْ } وفي الآية تقديم وتأخيرٌ ؛ تقديره : { وَتُخْرِجُونَ فَرِيقاً مِّنْكُمْ مِّن دِيَارِهِمْ تَظَاهَرُونَ عَلَيْهِمْ بِٱلإِثْمِ وَالْعُدْوَانِ } { وَهُوَ مُحَرَّمٌ عَلَيْكُمْ إِخْرَاجُهُمْ } ( وَإنْ يَأْتُوكُمْ أُسَارَى تَفْدُوهُمْ ) . وكان اللهُ تعالى أخذَ عليهم أربعةَ عهودٍ : تركُ القتلِ ؛ وترك الإخراج ؛ وتركُ المظاهرةِ عليهم من أعدائهم ؛ وفداءُ أُسَرَائِهِمْ . فأعرضُوا عن كلِّ ما أمرَ الله تعالى به ؛ إلاَّ الفداءَ . فقالَ اللهُ تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ بِبَعْضِ ٱلْكِتَابِ وَتَكْفُرُونَ بِبَعْضٍ } ؛ وإيمانُهم الفداءُ ؛ وكفرُهم القتلُ والإخراج والمظاهرة . وقال مجاهد : ( يَقُولُ : إنْ وَجَدْتَهُ فِي يَدِ غَيْرِكَ فَدَيْتَهُ ؛ وَأنْتَ تَقْتُلُهُ بيَدِكَ ؟ ! ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَا جَزَآءُ مَن يَفْعَلُ ذٰلِكَ مِنكُمْ إِلاَّ خِزْيٌ فِي ٱلْحَيَاةِ ٱلدُّنْيَا } ؛ أي فما جزاءُ من يؤمِنُ ببعضِ الكتاب ويكفرُ ببعضٍ إلا ذلٌّ وهوانٌ في الدُّنيا . يعني بالخِزْيِ : قتلَ بني قُريظة وسبيَهم وإجلاءَ بنو النضيرِ عن منازلِهم . يقالُ في السُّوء والشرِّ : خَزِيَ يَخْزَى خِزْياً . وفي الحيَاءِ : خَزَى يَخْزِي خَزَايَةً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَوْمَ ٱلْقِيَامَةِ يُرَدُّونَ إِلَىٰ أَشَدِّ ٱلّعَذَابِ } ؛ وهو عذاب النار . وقرأ السلميُّ والحسن وأبو رجاءٍ : ( تُرَدُّونَ ) بالتاء . كقولهِ تعالى : { أَفَتُؤْمِنُونَ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا ٱللَّهُ بِغَافِلٍ عَمَّا تَعْمَلُونَ } ؛ " قرأ " بالياء مدنِيٌّ ومكي وأبو بكرٍ ويعقوب . والباقون بالتاء .