Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 2, Ayat: 87-87)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا مُوسَىٰ ٱلْكِتَابَ وَقَفَّيْنَا مِن بَعْدِهِ بِٱلرُّسُلِ } ، أي أعطينا موسَى التوراةَ جُمْلَةً واحدةً ، وأرْدَفْنَا وأتبعنا من بعدهِ رُسُلاً ؛ رَسُولاً من بعد رسولٍ ؛ يقال : قَفَى أثَرَهُ وَقَفَى غَيْرَهُ في التعديَةِ مأخوذٌ من قفاء الإنسانِ ؛ قَالَ اللهُ تَعَالَى : { وَلاَ تَقْفُ مَا لَيْسَ لَكَ بِهِ عِلْمٌ } [ الإسراء : 36 ] . وَقِيْلَ : إنَّ اللهَ تعالى أنزلَ التَّوراةَ على موسى جملةً واحدة ، وأمرَهُ أن يحملَها فلم يُطِقْ ؛ فبعثَ اللهُ بكلِّ آية مَلَكاً ، فلم يُطيقوا حَملَها ؛ فبعثَ الله بكلِّ حرفٍ ملكاً ، فلم يطيقوا ، فخفَّفها اللهُ على موسى ، فحمَلَها وعمِلَ بها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَآتَيْنَا عِيسَى ٱبْنَ مَرْيَمَ ٱلْبَيِّنَاتِ } ؛ يعني من إحياءِ الموتى ؛ وإبْرَاءِ الأَكْمَهِ والأبرصِ ؛ ونزولِ المائدة . ومعنى { ٱلْبَيِّنَاتِ } : الدَّلالات اللائحاتِ والعلاماتِ الواضحات . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَيَّدْنَاهُ بِرُوحِ ٱلْقُدُسِ } ؛ الْمَدُّ ( آيدْنَاهُمَا ) القوة ؛ أي وأعنَّاهُ بجبريلَ . خفَّف ابنُ كثير ( القُدُسِ ) وثقَّله الآخرون . وهما لُغتان مثل ( الرُعْبُ وَالسُحْتُ ) . قال السديُّ والضحاك وقتادة : ( رُوحُ الْقُدُس : جِبْرِيْلُ ) . قال الحسنُ : ( القُدُسُ : هُوَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ، وَرُوحُهُ : جِبْرِيْلُ عليه السلام ) . وأضافه إلى نفسهِ تكرِيْماً وتخصيصاً ، نحوُ : بيتُ اللهِ ؛ وناقةُ الله ؛ وعبدالله . وقال السديُّ : ( القُدُسُ : الْبَرَكَةُ ) وقد أعظمَ اللهُ تعالى بركةَ جبريل إذ نزلَ عامةَ وحيِ أنبيائهِ على لسانهِ . وتأييدُ عيسى بجبريلَ عليه السلام أنه كان قَرِيْنُهُ يسيرُ معه حيثُما سارَ ؛ ورفعَهُ إلى السَّماءِ حينَ أراد اليهودُ قتلَهُ . وَقِيْلَ : سُمي جبريل رُوحَ القُدُسِ ؛ لأن بمجيئه يُحيي الكفارَ بالإسلامِ . والقُدُسُ : الظاهرُ . وقيل : المباركُ . وقال ابن عباس وسعيد بن جبير : ( رُوحُ الْقُدُسِ : اسْمُ اللهِ الأَعْظَمِ ، وَبهِ كَانَ يُحْيي الْمَوْتَى ؛ وَيُرِي النَّاسَ تِلْكَ الْعَجَائِبَ ) . وقال ابن زيد : هُوَ الإِنْجِيْلُ جَعَلَهُ اللهُ رُوحاً كَمَا جَعَلَ الْقُرْآنَ لِمُحَمَّدٍ رُوحاً . قال الله تعالى : { وَكَذَلِكَ أَوْحَيْنَآ إِلَيْكَ رُوحاً مِّنْ أَمْرِنَا } [ الشورى : 52 ] . فلما سمعتِ اليهودَ بذكرِ عيسى ؛ قالوا : يا مُحَمَّد لا مِثْلَ عيسى كما تزعمُ عملتَ ؛ ولا كما تقصُّ علينا من الأنبياء فعلتَ ، فائتنا بما أتَى به عيسى إن كنتَ صادقاً . فقَالَ اللهُ تَعَالَى : { أَفَكُلَّمَا جَآءَكُمْ رَسُولٌ بِمَا لاَ تَهْوَىٰ أَنْفُسُكُمْ ٱسْتَكْبَرْتُمْ } ؛ أي أفكُلَّما جاءَكم أيُّها اليهودُ رسولٌ بما لا يوافقُ هواكم { ٱسْتَكْبَرْتُمْ } أي تكبَّرتُم وتعظَّمتُم عن الإيْمان به ، { فَفَرِيقاً كَذَّبْتُمْ } ؛ مثلَ عيسى ومُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ ، { وَفَرِيقاً تَقْتُلُونَ } ، مثل زَكريَّا ويحيى وسائرَ مَن قَتَلُوا من الأنبياءِ عَلَيْهِمُ الصَّلاَةُ وَالسَّلاَمُ . والألفُ في { أَفَكُلَّمَا } ألفُ استفهامٍ معناه التوبيخُ والزَّجْرُ .