Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 20, Ayat: 36-40)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالَ قَدْ أُوتِيتَ سُؤْلَكَ يٰمُوسَىٰ } ؛ أي أُوتِيْتَ ما سألتَ يا موسى ، وأوتيتَ مُرادَكَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ مَنَنَّا عَلَيْكَ مَرَّةً أُخْرَىٰ } ؛ أي أنعَمْنا عليكَ كَرَّةً أُخرى قبلَ هذه المرَّة . ثم بَيَّنَ تلك النعمة ، فقالَ تعالى : { إِذْ أَوْحَيْنَآ إِلَىٰ أُمِّكَ } ؛ أي ألْهَمْنَاهَا حين عَنَتْ بأمرِكَ ، وما كان فيه سببُ نَجاتِكَ من القتلِ ، { مَا يُوحَىٰ } ؛ أي ما يُلْهَمُ ، ثم فسَّرَ ذلك الإلْهَامَ فقال : { أَنِ ٱقْذِفِيهِ فِي ٱلتَّابُوتِ فَٱقْذِفِيهِ فِي ٱلْيَمِّ } وكان السببُ في ذلك أن فرعونَ كان يقتلُ غِلْمَانَ بنِي إسرائيلَ على ما تقدَّم ذكرهُ ، ثُم خَشِيَ أن يَفْنَى نسلُ بني إسرائيلَ ، فكان يقتلُ بعد ذلك في سنةٍ ولا يقتلُ في سنةٍ ، فوُلِدَ موسى في السَّنة التي يقتلُ فيها الغلمانَ ، فنجَّاهُ الله من القتلِ بأن ألْهَمَ أُمَّهُ أن جعلته في التابوتِ ، وأُطْرِحَ التابوت في اليَمِّ وهو البحرُ ، وأرادَ به النِّيْلَ ومعنى قوله تعالى : { أَنِ ٱقْذِفِيهِ } أي اجعليه . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلْيُلْقِهِ ٱلْيَمُّ بِٱلسَّاحِلِ } ؛ لفظهُ لفظ الأمر وهو خبرُ ( بتقدير ) حتى يلقيه اليَمُّ بالسَّاحل . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَأْخُذْهُ عَدُوٌّ لِّي وَعَدُوٌّ لَّهُ } ؛ وأرادَ به فرعون . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } ؛ وذلك أن أُمَّ موسى لَمَّا اتخذت لِموسى تابوتاً جعلت فيه قُطْناً مَحْلُوجاً ، ووضعت فيه موسَى وألقتْهُ في النِّيلِ ، وكان يشرعُ منه نَهر كبيرٌ في دار فرعون ، فبينما هو جالسٌ على رأسِ البرْكَةِ مع امرأتهِ آسْيَةُ ، إذا بالتابوتِ يَجِيْءُ بالماء . فلما رأى ذلك أمَرَ الجوارِي والغلمان بإخراجهِ فأخرجوهُ ، فإذا هو صبيٌّ من أحسنِ الناس وَجْهاً ، فلما رآهُ فرعون أحَبَّهُ بحيثُ لَم يتمالك ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } قال عطية العوفي : ( وَجَعَلَ عَلَيهِ مِسْحَةً مِنْ جَمَالٍ فَأَحَبَّهُ كُلُّ مَن رآهُ ) . وقال عطاءٌ عن ابنِ عبَّاس : ( مَعْنَى قَوْلِهِ تَعَالَى { وَأَلْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً مِّنِّي } أيْ لاَ يَلْقَاكَ أحَدٌ إلاَّ أحَبَّكَ مِنْ مُسْلِمٍ وَكَافِرٍ ) ، وقال عكرمةُ : ( ألْقَيْتُ عَلَيْكَ مَحَبَّةً ومَلاَحَةً وَحُسْناً ) ، فحين أبصرَتْ آسية وجهَهُ قالت لفرعون : قُرَّةَ عَيْنٍ لِي ولكَ . وقال أبو عبيدةُ : ( مَعْنَاهُ : جَعَلْتُ لَكَ مَحَبَّةً عِنْدِي وَعِنْدَ غَيْرِي ، أحَبَّكَ فِرْعَوْنُ ، فَسَلِمْتَ مِنْ شَرِّهِ ، وَأحَبَّتْكَ امْرَأتُهُ فَتَبَنَّتْكَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِتُصْنَعَ عَلَىٰ عَيْنِيۤ } ؛ أي ولِتُرَبَّى وتغذى بمرأى أراكَ على ما أريدُ بك من الرفاهيَةِ في غذائِكَ . وقال قتادةُ : ( مَعْنَاهُ : لِتُغَذى عَلَى مَحَبَّتِي ) . وأرادَ في قَوْلِهِ تَعَالَى : { إِذْ تَمْشِيۤ أُخْتُكَ فَتَقُولُ هَلْ أَدُلُّكُمْ عَلَىٰ مَن يَكْفُلُهُ } ؛ وذلكَ أن موسى جَعَلَ يبكي ويطلبُ اللَّبَنَ ، فأمَرَ فرعونُ حتى أتَى بالنَّساءِ اللَّواتِي حولَ فرعون ليُرضعْنَ موسى ، فلم يَقْبَلْ ثَديَ واحدةٍ منهن ، وكانت أُخْتُ موسى مُتَّبعَةً للتابوتِ ماشيةً خَلْفَهُ . فلما حُمل التابوتُ إلى فرعونَ ، ذهبت هي معهُ ، فقالت : هَلْ أدُلُّكُمْ عَلَى مَنْ يَكْفُلُهُ ؟ أي يرضعهُ ويضمُّه ويحصنهُ ؟ فقالوا : مَن هي ؟ قالت : امرأةٌ قد قُتِلَ ولدُها ، وهي تحبُّ أن تجدَ صبيّاً ترضعهُ . فأذِنَ لَها فرعونُ في إحضارِها ، فانطلقت وأتَتْ بأُمِّ موسى ، فأعطتْهُ الثديَ فأخذهُ موسى ، وفَرِحَ به فرعونُ ، وجعل لَها الأُجرة على الإرضاعِ ، وحملتهُ أمُّهُ إلى دارِها ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَرَجَعْنَاكَ إِلَىٰ أُمِّكَ كَيْ تَقَرَّ عَيْنُها وَلاَ تَحْزَنَ } ؛ أي رَدَدْنَاكَ إليها ؛ كي تطيبَ نفسُها ، ولا تحزن على ابنِها . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقَتَلْتَ نَفْساً } ؛ يعني القِبْطِيَّ الذي وَكَزَهُ موسى فقضى عليه ، { فَنَجَّيْنَاكَ مِنَ ٱلْغَمِّ } ؛ أي غَمِّ القَوَدِ ، وخلَّصناكَ مِن أن تُقْتَلَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } ؛ أي أوقعناكَ في مِحْنَةٍ بعدَ محنةٍ ، ونحنُ نخلِّصُكَ منها ، وذلك أنه حُمِلَ به في السَّنة التي يَذبحُ فرعونُ فيها الأطفالَ ، ثم إلقاؤهُ في البحرِ ، ومنعُ الرَّضاع إلاّ ثدي أُمِّهِ ، ثم جَرُّ لِحيَةِ فرعون حتى هَمَّ بقتلهِ ، ثم تناوله الجمرةَ ، ثم قتلهُ القبطيَّ ، ثم خروجهُ إلى مَدْيَنَ خائفاً يَتَرَقَّبُ . فمعنى : { وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً } أي خلَّصناكَ مِن تلك الْمِحَنِ . وَقِيْلَ : معناه شَدَّدْنَا عليكَ في أمرِ المعاش حتى رَعَيْتَ لشعيب عشرَ سنين . وقال ابنُ عبَّاس : ( مَعْنَاهُ : اخْتَبْرَناكَ اخْتِبَاراً ) ، وقال الضحَّاك : ( ابْتَلَيْنَاكَ ابْتِلاَءً ) ، وقال مجاهدُ : ( خَلَّصْنَاكَ خَلاَصاً ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَبِثْتَ سِنِينَ فِيۤ أَهْلِ مَدْيَنَ } ؛ يعني لَبثْتَ في أهل مَدْيَنَ حين كنت رَاعياً لشُعيبٍ ، مكثتَ عشرَ سنين . وتقديرُ الكلامِ : وَفَتَنَّاكَ فُتُوناً ؛ فخرجتَ إلى أهلِ مَدْيَنَ فلبثْتَ سِنِينَ . وبلادُ أهلِ مَدْيَنَ على ثلاثِ مراحل من مِصْرَ . وقال وهبُ : ( لبثتَ في أهلِ مدينَ عند شُعيب ثَمانِي وعشرين سنةً ، عشرَ سنين التي رعَى فيها لشعيب ، وثَمانِي عشرة سنةً أقامَ عنده حتى وُلِدَ لهُ ، وقتلَ القبطيَّ يوم قتلهِ وهو ابنُ اثْنَتي عشرةَ سنةً ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ جِئْتَ عَلَىٰ قَدَرٍ يٰمُوسَىٰ } ؛ معناهُ : فلبثتَ سنين في أهلِ مَدين حين كنتَ راعياً لشُعيب ، ثُم جئتَ على المقدارِ الذي قَدَّرَهُ اللهُ عليك ، وكَتَبَهُ في اللَّوح الْمَحفُوظِ . قال ابنُ كيسانَ : ( جَاءَ عَلَى رَأسِ أرْبَعِيْنَ سَنَةً ، وَهُوَ الْقَدْرُ الَّذِي يُوحَى فِيْهِ إلَى الأَنْبيَاءِ ) .