Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 20, Ayat: 44-44)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } ؛ أي قولاَ لهُ بالشَّفَقة ، ولا تقولاَ له قولاً عَنِيفاً ، فيزدادَ غَيْضاً بغِلَظِ القولِ . قال السديُّ وعكرمةُ : ( كَنِّيَاهُ قُولاَ لَهُ : يَا أبَا الْعَبَّاسِ ) وَقِيْلَ : يا أبَا الوليدِ ، ويا أيُّها الملكُ . وَقِيْلَ : يعني بالقولِ اللَّينِ : { هَل لَّكَ إِلَىٰ أَن تَزَكَّىٰ * وَأَهْدِيَكَ إِلَىٰ رَبِّكَ فَتَخْشَىٰ } [ النازعات : 18 - 19 ] . وعن السديِّ قال : ( الْقَوْلُ اللَّيِّنُ : أنَّ موسَى أتَاهُ فَقَالَ لَهُ : تُؤِمِنُ بمَا جِئْتُ بهِ ، وَتَعْبُدُ رَبَّ الْعَالَمِيْنَ عَلَى أنَّ لَكَ شَبَابَكَ فَلاَ تَهْرَمُ ، وَأنَّ لَكَ مُلْكَكَ لاَ تُنْزَعُ حَتَّى تَمُوتَ ، وَلاَ تُنْزَعُ عَنْكَ لَذةُ الطَّعَامِ وَالشَّرَاب وَالْجِمَاعِ حَتَّى تَمُوتَ ، فَإذا مِتَّ دَخَلْتَ الْجَنَّةَ . فَأَعْجَبَهُ ذلِكَ ، وَكَانَ لاَ يَقْطَعُ أمْراً دُونَ هَامَانَ ، وَكَانَ هَامَانُ غَائِباً ، فَقَالَ فِرْعَونُ : إنَّ لِي ذا أمْرٍ غَائِبٍ ، فَاصْبرْ حَتَّى يَقْدُمَ . فَلَمَّا قَدِمَ قَالَ لَهُ فِرْعَوْنُ يَا هَامَانُ إنَّ مُوسَى دَعَانِي إلَى أمْرٍ فَأَعْجَبَنِي - وَأخْبَرَهُ بالَّذِي دَعَاهُ إلَيْهِ - وَأرَدْتُ أنْ أقْبَلَ مِنْهُ . فَقَالَ هَامَانُ : قَدْ كُنْتُ أرَى أنَّ لَكَ عَقْلاً ، بَيْنَمَا أنْتَ رَبٌّ فَتُرِيْدُ أنْ تَكُونَ مَرْبُوباً ، وَأنْتَ تُعْبَدُ فَتُرِيْدُ أنْ تَعْبُدَ ؟ . فَغَلَبَهُ عَلَى رَأيهِ فَأَبَى . رُويَ أنَّ رَجُلاً قَرَأ فِي مَجْلِسِ يَحْيَى بْنِ مُعَاذٍ : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } فَبَكَى يَحْيَى ابْنُ مُعَاذٍ وَقَالَ : ( إلَهِي ، هَذا رفْقُكَ بمَنْ يَقُولُ أنَا إلَهٌ ، فَكَيْفَ رفْقُكَ بمَنْ يَقُولُ أنْتَ إلَهِي ، إنَّ قَوْلَ لاَ إلَهَ إلاَّ اللهُ يَهْدِمُ كُفْرَ خَمْسِيْنَ سَنَةٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ أَوْ يَخْشَىٰ } ؛ أي يَتَّعِظُ أو يخشى العاقبةَ ، وكلمة ( لَعَلَّ ) للترجِّي والطمعِ ؛ أي اذهبَا على رجائِكُما وطمَعِكُما وأنا عالِمٌ بما يفعلُ ، فإن قيلَ : كيفَ قال { لَّعَلَّهُ يَتَذَكَّرُ } وعلمهُ سابقٌ في فرعونَ أنه لا يؤمنُ ، ولا يتذكر ولا يخشَى ؟ قِيْلَ : هذا مصروفٌ إلى غيرِ فرعون ، تقديرهُ : لِكَي يتذكرُ متذكرٌ ويخشَى خَاشٍ إذا رأى بَرِئ ، وألطَافِي بمن خلقتهُ ورزقتُهُ وصحَّحتُ جِسمَهُ وأنعمتُ عليه ، ثم ادَّعى الربوبيةَ دونِي . قال بعضُ العارفين في قولهِ تعالى : { فَقُولاَ لَهُ قَوْلاً لَّيِّناً } : ( إذا كَانَ هَذا رفْقُكَ بمَنْ ينافيكَ ، فكيفَ رفقُكَ بمن يصافيكَ ؟ هذا رفقُكَ بمن يعاديكَ ، فكيف رفقُكَ بمن يواليكَ ؟ هذا رفقُكَ بمن يسبُّكَ ، فكيفَ رفقُكَ بمن يحبُّكَ ؟ هذا رفقُكَ بمن يقولُ نداً فكيفَ بمن يقول فرداً ؟ هذا رفقُكَ بمن ضَلَّ ، فكيفَ رفقُكَ بمن زلَّ ؟ هذا رفقُكَ بمن اقترفَ ، فكيفَ رفقُكَ بمن اعترفَ ؟ هذا رفقُكَ بمن أصرَّ ، فكيف رفقُكَ بمن أقرَّ ؟ هذا رفقُكَ بمن استكبرَ ، فكيف رفقكَ بمن استغفرَ ؟ ) . وعن وهب بن منبه قال : ( أوحى اللهُ إلى موسى : انطلِقُ إلى فرعونَ برسالتِي ، فمعكَ نَظَرِي وأنتَ جندٌ عظيم من جُنودِي ، بعثتُكَ إلى خلقٍ ضعيف قد عزَّته الدنيا حتى كفرَ وأقسَم بعزي لولا اتخاذُ الحجَّة عليه والعذرَ إليه لبطشتُ به بطشةَ جبارٍ يغضبُ لغضبهِ السَّماوات والأرض ، فإن أذنَ للسَّماء صَعَقَتْهُ ، وللأرضِ ابتلعتْهُ ، وللجبال دمَّرتهُ ، وللبحار أغرقته ، ولكنهُ وسعَهُ حِلْمي ، فبلِّغْهُ رسالَتي وقل له فيما بين ذلك قولاً ليناً لا يغرُّ بك فألبسه من لباسِ الدُّنيا ، فأحِبْ ربك الذي هو واسعُ المغفرة ، أنه قد أمهلَكَ منذُ خمسمائة سنة لَم تَهرمْ ولَم تسقمْ وَلم تفتَقِرْ ، واعلم أنَّ أفضلَ ما تزينَ به العبادُ الزهدَ في الدنيا ، ومن أهانَ ولِيّاً فقد بارَزَنِي بالْمُحاربةِ ) .