Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 21, Ayat: 57-58)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتَٱللَّهِ لأَكِيدَنَّ أَصْنَامَكُمْ } ؛ أي لأُبْطِلَنَّهَا ولأَكْسِرَنَّهَا ولأَمْكُرَنَّ بها وقتَ مغيبكم عنها ، وذلك لأنَّهم كانوا يعزمونَ على الذهاب إلى عِيدهم ، فقال لَهم عند ذلك هذا القولَ . والكَيْدُ في اللغة : هو الإضْرَارُ بالشَّيءِ ، قال مجاهدُ وقتادة : ( إنَّمَا قَالَ إبْرَاهِيْمَ هَذا الْقَوْلَ فِي نَفْسِهِ مِنْ قَوْمِهِ سِرّاً ، وَلَمْ يَسْمَعْ ذلِكَ إلاَّ رَجُلٌ مِنْهُمْ ، وَهُوَ الَّذِي أفْشَاهُ سِرَّهُ عَلِيْهِ ، وَهُوَ الَّذِي قَالَ : سَمِعْنَا فَتىً يَذْكُرُهُمْ يُقَالُ لَهُ إبْرَاهِيْمُ ) . قال الشعبي : ( كان لَهم في كلِّ سنةٍ مَجْمَعٌ وَعِيْدٌ ، وكانوا إذا رجعوا من عِيدهم دخلوا على الأصنامِ فسجَدُوا لَها ، فلما كان ذلك العيدُ قال أبو إبراهيمَ لهُ : يا إبراهيمُ لو خرجتَ معنا إلى عيدنا لأَعْجَبَكَ دينُنا ! فخرجَ إبراهيمُ معهم ، فلما كان في بعضِ الطريق ألقَى نفسَهُ ، وقال : إنِّي سَقِيْمٌ ؛ أي اشتَكِي رجْلِي ، فربَطُوا رجلَهُ وهو صريع ، فلما مضَوا نادى في آخرِهم : وَتَاللهِ لأَكِيْدَنَّ أصْنَامَكُمْ ، { بَعْدَ أَن تُوَلُّواْ مُدْبِرِينَ } . ثُم رجعَ إبراهيمُ إلى بيتِ أصنامهم ، فوجدَ معهم صَنَماً كَبيراً إلى جنبه أصنامٌ أصغَرُ منه ، وإذا هم قد جَمعوا طعاماً فوضعوهُ بين يَدَي الأصنامِ وقالوا : إذا كان وقتُ رجوعِنا رجعنا وقد باركَتِ الآلِهةُ لنا في طعامِنا فأكلنا ، فلما نظرَ إبراهيمُ إليهم وإلى ما بين أيدِيهم من الطعام ، قال لَهم على طريقِ الاستهزاء بهم : ألا تَأْكُلُونَ ؟ فلما لَم يُجيبوهُ ، قال لَهم : مَا لَكُمْ لاَ تَنْطِقُونَ ، فَرَاغَ عَلَيْهِمْ ضَرْباً بالْيَمِيْنِ ، وجعل يكسِرُهم بفأسٍ في يده حتى لَم يبقَ إلاَّ الصنمُ العظيم ، فعلَّقَ الفأسَ في عُنُقِهِ ثُم خرجَ ) . فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } ؛ فإنه لَم يكسرْهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَجَعَلَهُمْ جُذَاذاً إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } فيه إضمارٌ ؛ أي لَمَّا ولَّوا مدبرينَ جعلَهُم جُذاذاً . قرأ الكسائيُّ بكسرِ الجيم أي كَسْراً وقطعاً ، جمع جَذِيْذٍ وهو الهشيمُ مثل خَفِيْفٍ وخِفَافٍ وكريْمٍ وكِرَامٍ ، وقرأ الباقون بضمِّ الجيم ؛ أي جعلهم حُطَاماً ورُفَاتاً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ كَبِيراً لَّهُمْ } فإنه لَم يكسره ، { لَعَلَّهُمْ إِلَيْهِ يَرْجِعُونَ } فيحتجُّ عليهم إبراهيم ويُبرهِنَ لهمْ على أن أصنامَهم لِمَ لَمْ تقدِرْ على دفع الكسرِ عن أنفُسِها ؟ فلِمَ يعبدُوها ؟ وكيف يكونُ إلَهاً مَن لا يقدرُ على دفعِ ما نَزَلَ به ؟ . وَقِيْلَ : معناهُ : لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ ؛ أي إلى دِين إبراهيم ، وإلى ما يدعوهم إليه بوجوب الْحُجَّةِ عليهم في عبادةِ ما لا يدفعُ الضُّرَّ عن نفسهِ ، وينتهوا عن جهلهم وعِظَمِ خطاياهم .