Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 21, Ayat: 68-69)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ حَرِّقُوهُ وَٱنصُرُوۤاْ آلِهَتَكُمْ } ؛ أي لَمَّا ألزمَتْهُم الحجةُ ، وعجزوا عن الجواب غَضِبُوا فقالوا : حرِّقوهُ وَانْصُرُوا آلِهَتَكُمْ بتحريقهِ ؛ لأنه يعيبُها ويطعنُ فيها ، فإذا حرقتموهُ كان ذلك نصراً منكم إياها . وَقِيْلَ : معناهُ : وانتقموا لآلِهتِكُم وعظِّمُوها ، { إِن كُنتُمْ فَاعِلِينَ } ؛ في هذا شيئاً . فاشتَغَلوا بجمعِ الحطب حتى كان الشيخُ الكبير يأتِي بالحطب تقرُّباً إلى آلِهتهم ، وحتى أن المريضَ كان يُوصِي بكذا وكذا من مالهِ فيشتري به حَطَباً فيُلقَى في النار ، وحتى أن المرأةَ لتغزلُ فتشتري به حطباً ، وتلقيه في النارِ . قال ابنُ عمر : ( إنَّ الَّذِي أشَارَ عَلَيْهِمْ بتَحْرِيْقِ إبْرَاهِيْمَ رَجُلٌ يُسَمَّى ( هِيْزَنَ ) فَخَسَف اللهُ بهِ الأَرْضَ ، فَهُوَ يَتَجَلْجَلُ فِيْهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . فلما أجمعَ النمرودُ وقومه على إحراقِ إبراهيمَ حبسوهُ في بيتٍ وبَنَوا بيتاً كالحظيرةِ ، فلذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ ٱبْنُواْ لَهُ بُنْيَاناً فَأَلْقُوهُ فِي ٱلْجَحِيمِ } [ الصافات : 97 ] ثُم جمعوا له أصلابَ الحطب مِن أنواع الخشب ، حتى أن المرأةَ كانت إذا مرَّت تقولُ : إذا عافانِي اللهُ لأجمعنَّ حطباً لإبراهيمَ ، وكانت المرأةُ تنذرُ في بعض ما تطلب لئن أصابته لتحطبنَّ في نار إبراهيم التي يحرقُ فيها احتساباً لدينها . قال ابنُ اسحاق : ( كانوا يجمعون الحطبَ شهراً ، فلما أجمعوا الحطبَ شعَلُوا في كلِّ ناحية ناراً ، فاشتعلت النارُ واشتدَّت حتى أن الطائرَ كان إذا مرَّ بها احترقَ من شدَّة وَهَجِهَا ، ثُم عمَدُوا إلى إبراهيمَ وقيَّدوهُ ، ثُم اتخذوا مَنْجَنِيْقاً ووضعوهُ فيه مقيَّداً مغلولاً . فصاحَتِ السماواتُ والأرض والملائكة صيحةً واحدة : يا ربَّنا إن إبراهيمَ ليس في أرضِكَ أحدٌ يعبدُكَ غيرهُ ، أيُحْرَقُ ؟ ! فَأْذنْ لنا في نُصرتهِ ، فقال اللهُ : إن استعاذ بشيءٍ منكم أو دعاهُ فلينصره ، فقد أذنتُ له في ذلك ، وإن لَم يدعُ أحداً غيري فأنا أعلمُ به ، فأنا وَلِيُّهُ ، فَخَلُّوا بيني وبينَهُ . فلما أرادوا إلقاءَهُ في النارِ ، أتاهُ خازنُ الماء فقال لهُ : إن أذنتَ أخمدتُ النارَ ، فإن خزائنَ المياه والأمطار بيدي ، وأتاهُ خازن الرِّياحِ وقال : إن شئتَ طيَّرتُ النارَ في الهواء ، فقال إبراهيمُ : لا حاجةَ لِي إليكم ، ثُم رفعَ رأسَهُ إلى السَّماء وقال : اللَّهُمَّ أنتَ الواحدُ في السماء ، وأنا الواحدُ في الأرضِ ، ليس في الأرضِ أحدٌ يعبدك غيري ، حَسْبي اللهُ وَنِعْمَ الْوَكِيْلُ ) . وروي : أن إبراهيمَ قال حين أوثقوهُ ليلقوه في النارِ : لاَ إلَهَ إلاَّ أنْتَ سُبْحَانَكَ رَبُّ الْعَالَمِيْنَ ، لَكَ الْحَمْدُ وَلَكَ الْمُلْكُ ، لاَ شَرِيْكَ لَكَ . قال : ثُم رَمَوا به في المنجنيقِ ، فاستقبلَهُ جبريلُ عليه السلام وقال : يا إبراهيمُ ألَكَ حاجةٌ ؟ قال : أمَّا إليكَ فلا . قال جبريل : قال : حَسْبي من سؤالِي علمهُ بحالِي ، فقال اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْنَا يٰنَارُ كُونِي بَرْداً وَسَلَٰماً عَلَىٰ إِبْرَاهِيمَ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( لَوْ لَمْ يُتْبعْ بَرْدَهَا سَلاَماً لَمَاتَ مِنْ بَرْدِهَا ، فَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ نَارٌ فِي الأَرْضِ إلاَّ طُفِئَتْ وَخُمِدَتْ ) . قال السديُّ : ( وَأخَذتِ الْمَلاَئِكَةُ بضَبْعَي إبْرَاهِيْمَ فَأَقْعَدُوهُ عَلَى الأَرْضِ ، فَإذا عَيْنُ مَاءٍ عَذْبٍ وَوَرْدٌ أحْمَرُ وَنَرْجِسٌ ) . قال كعبُ : ( مَا أحْرَقَتِ النَّارُ مِنْ إبْرَاهِيْمَ إلاَّ وِثَاقَهُ ) . قالوا : وكان إبراهيمُ في ذلك الموضعِ سبعةَ أيام ، قال إبراهيمُ : ما كنتُ أياماً قط أنعمَ مني من الأيامِ التي كنتُ فيها في النارِ ، ثُم يَصِفُ اللهُ ملكَ الظِّلِّ في صورةِ إبراهيم فأقعدَهُ فيها إلى جنب إبراهيم وهو يؤنسهُ ، وبعثَ الله بقميصٍ من حرير الجنَّة ، قال : فنظرَ النمرودُ مِن طرحٍ له فأشرفَ على إبراهيم ، وما يشكُّ في موتهِ ، فرأى إبراهيمَ في روضةٍ ورأى الْمَلَكَ قاعداً إلى جنبهِ والنارُ حواليه ، فناداهُ النمرودُ : يا إبراهيمُ كبيراً إلَهُكَ الذي بلغَتْ قدرتهُ إلى أن حالَ بينك وبين نارِي حتى لَم تضرك . قال قتادةُ والزهريُّ : ( مَا انْتَفَعَ أحَدٌ مِنْ أهْلِ الأَرْضِ يَوْمَئِذٍ بنَارٍ وَلاَ أحْرَقَتْ شَيْئاً إلاَّ وثَاقَ إبْرَاهِيْمَ ، وَلَمْ تَبْقَ يَوْمَئِذٍ دَابَّةٌ إلاَّ أطْفَأَتْ عَنْ إبْرَاهِيْمَ النَّارَ إلاَّ الْوَزَعُ ، فَلِذلِكَ أمَرَ صلى الله عليه وسلم بقَتْلِهِ ، وَسَمَّاهُ فَاسِقاً ) . قال شعيبُ الجبائي : ( أُلْقِيَ إبْرَاهِيْمُ فِي النَّار وَهُوَ ابْنُ سِتَّ عَشَرَةَ سَنَةً ، وَذُبحَ اسْحَاقُ وَهُوَ ابْنُ سَبْعِ سِنِيْنَ ، وَوَلَدَتْهُ سَارَةُ وَهِيَ بنْتُ تِسْعِيْنَ سَنَةً ، وَلَمَّا عَلِمَتْ سَارَةُ بمَا أرَادَ اللهُ باسْحَاقَ اضْطَرَبَتْ يَوْمَيْنِ ، وَمَاتَتِ الْيَوْمَ الثَّالِثَ ) .