Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 22, Ayat: 52-52)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقولهُ تعالى : { وَمَآ أَرْسَلْنَا مِن قَبْلِكَ مِن رَّسُولٍ وَلاَ نَبِيٍّ إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ ثُمَّ يُحْكِمُ ٱللَّهُ آيَاتِهِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس وابن جُبير والضحَّاكُ : ( وذلكَ أنَّ الشيطانَ أتَى رسولَ الله صلى الله عليه وسلم في صُورةِ جبريلَ وهو قائمٌ يصلِّي عند الكعبةِ يقرأ سورةَ { وَٱلنَّجْمِ } [ النجم : 1 ] حتَّى اذا انتهَى إلَى قولهِ تعالى { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] ألقَى الشيطانُ على لسانه ( تلكَ الغَرَانِيْقُ العُلى منها الشفاعةُ ترتَجى ) ، فلما سمعَ المشركون أعجبَهم ذلك ، فلما انتهى إلى آخرِ السورة سَجَدَ ، وسَجَدَ معه المسلمون والمشركونَ إلاّ الوليدَ بن المغيرة ، فإنه لَم يقدر على السُّجود لكِبَرِهِ ، فقال : ائتونِي بالتُّراب ، فأتوهُ بالتراب فوضعَهُ على كَفِّهِ ، ثم سجد على كفِّه ، فلما نزلَ جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم ذكَرَ له ذلكَ ، فقال جبريلُ : ما جئتُكَ بهذه ولا أنزلَهُ اللهُ تعالى ، فقالَ : أتانِي شيءٌ في مثلِ صورتِكَ فألقاهُ علَيَّ ) . وهذا حَدِيْثٌ أنْكَرَ أهْلُ الْعِلْمِ إجْرَاءَهُ على ظاهرهِ ، وقالوا : كيفَ يجوزُ أن يجعلَ اللهَ للشيطانِ على رسولهِ هذا السلطانَ ، أوَ يختارُ لرسالته مَن لا يُمَيِّزُ بين وحيِ الله ووساوسِ الشَّيطان ؟ ! ومِن المعلوم أن مَن نَسَبَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم به إلى ما يرجعُ إلى تعظيمِ الأصنام فقد كَفَرَ ، إلاّ أنه يحتملُ أن يكون الشيطانُ ألقَى في تلاوةِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم ما لَم يَقُلْهُ ، وخُيِّلَ إلى مَن سَمع تلاوتَهُ مِن الذين كانوا بالبُعْدِ منهُ أنه جرَى على لسانهِ ، وإنَّما هو من لسانِ الشيطان ، وكان ذلك فتنةً للتابعين ، وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم مَعْصُوماً مِن أن يَجْرِيَ على لسانهِ ما لَم يُنْزِّلْهُ اللهُ . وقد يُذْكَرُ التَّمَنِّي ويرادُ به القراءةُ كما قال الشاعر : @ تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أوَّلَ لَيْلِهٍ وَآخِرَهُ لاَقِي حِمَامَ الْمَقَادِر @@ وقال جماعةٌ من المفسِّرين : كان رسولُ الله صلى الله عليه وسلم حَريصاً على إيْمان قومهِ ، وتَمنَّى في نفسهِ مِن الله أن يأتيه ما يقاربُ بينه وبين قومهِ ، فجلسَ ذات مرَّة بهم في مجلسٍ كثيرٌ أهلهُ ، وأحبَّ يومئذ أن يأتيه من اللهِ شيءٌ فقرأ عليهم سُورة النَّجْمِ ، فلما بَلَغَ { أَفَرَأَيْتُمُ ٱللاَّتَ وَٱلْعُزَّىٰ * وَمَنَاةَ ٱلثَّالِثَةَ ٱلأُخْرَىٰ } [ النجم : 19 - 20 ] ألقَى الشيطانُ على لسانهِ ( تلك الغرانيقُ العلى وأن شفاعتهم ترتجى ) فلما سَمعت قريشُ ذلك فرِحُوا وقالوا : قد ذكرَ مُحَمَّدٌ آلِهَتنا بأحسنِ الذكر ، ومضَى النبيُّ صلى الله عليه وسلم في قراءتهِ ، فلما خَتَمَ السورةَ سَجَدَ في آخرِها وسجدَ معه المسلمون والمشركون إلاّ الوليدَ بن المغيرةِ وسعيدَ بن العاص فإنَّهما أخذا حفنةً من البطحاءِ ورفَعَاها إلى جبهَتِهما وسجدا عليها ؛ لأنَّهما كانا شَيخين كبيرين لَم يستطيعا أن يسجُدَا . وتفرَّقت قريشُ وقد سرَّهم ما سْمَعُوا وقالوا : قد عرفنا أن آلِهَتنا تشفعُ لنا ، فَنَزَلَ جبريلُ على النبيِّ صلى الله عليه وسلم فقال لهُ : يا مُحَمَّدُ لقد تَلَوْتَ قومَكَ ما لَم آتِكَ بهِ عن الله عَزَّ وَجَلَّ ، فاشتدَّ ذلك على النبيِّ صلى الله عليه وسلم وحَزِنَ حُزناً شديداً وخافَ من اللهِ خوفاً كثيراً ، فأنزلَ الله هذه الآيةَ تُطيِّبُ نفسَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم وتخبرَهُ بأن الأنبياءَ قبله كانوا مثله ، ولم يُبعث نبياً إلاّ تَمنَّى أن يؤمنَ قومهُ ، ولَم يَتَمَنَّ ذلك نبيٌّ إلاّ ألقى الشيطانُ عليه ما يُرْضِي قومَهُ . فلما نزلت هذه الآيةُ قالت قريشُ : نَدِمَ مُحَمَّدٌ على ما ذكرَهُ من منْزِلة آلِهتنا عندَ الله فغيَّر ذلك وجاءَ بغيره . وقال عطاءُ عن ابنِ عبَّاس : ( إنَّ شيطاناً يقالُ له الأبيضَ أتى النبيَّ صلى الله عليه وسلم فألقى في قُرْآنِهِ : إنَّها الغرانيقُ العُلى وأن شفاعتها لتترجى ، ولَم يقُلْها النبيُّ صلى الله عليه وسلم ، بل سَمعه القومُ من الشيطان ، وكلُّ ذلك فتنةٌ من الله تعالى لعبادهِ المسلمين والمشركين ، فالمشركونَ ازدادُوا كُفْراً بذلك ، والمسلمونَ اشتدَّ عليهم الأمرُ ) . ومعنى الآيةِ : وما أرسلنَا من قبلِكَ من رسولٍ وهو الذي يأتيه جبريلُ بالوحي عَيَاناً وشِفَاهاً ، ولا نبيٍّ وهو الذي تكونُ نبوَّتُهُ إلْهَاماً أو مَنَاماً ، فكلُّ رسولٍ نبيٍّ ، وليس كلُّ نبيٍّ مرسلٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ إِذَا تَمَنَّىٰ } أي أحبَّ شيئاً واشتهاهُ وحدَّثَ نفسه من غير أن يؤمرَ به { أَلْقَى ٱلشَّيْطَانُ فِيۤ أُمْنِيَّتِهِ } أي في قراءتهِ وتِلاوته ، ونظيرهُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { لاَ يَعْلَمُونَ ٱلْكِتَابَ إِلاَّ أَمَانِيَّ } [ البقرة : 78 ] أي قراءةً تُقرأ عليهم . قال الشاعرُ في عثمان رضي الله عنه : @ تَمَنَّى كِتَابَ اللهِ أوَّلَ لَيْلَةٍ وَآخِرَهَا لاَقِى حِمَامَ الْمَقَادِر @@ وقال الحسنُ : ( أرَادَ بالْغَرَانِيْقِ الْمَلاَئِكَةَ ) يعني أن شفاعتَهم تُرتَجى منهم لا مِن الأصنام . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَيَنسَخُ ٱللَّهُ مَا يُلْقِي ٱلشَّيْطَانُ } أي يُبْطِلُهُ ويزيله ثم يُحْكِمُ اللهُ آياتهِ فيُثْبتُها ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ } ؛ بمصالح عبادهِ ، { حَكِيمٌ } ؛ في تدبيرهِ .