Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 31-31)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ } ؛ أي قُلْ لَهُنَّ يَكْفُفْنَ أبصارَهن عن ما لا يجوزُ ، { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } ؛ عن الحرامِ . وَقِيْلَ : { وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ } أي يَسْتَتِرْنَ حتى لا يرَى فروجهن أحدٌ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ مَا ظَهَرَ مِنْهَا } ؛ أي لا يُبدينَ مواضعَ زينتِهنَّ إلاّ ما ظهرَ من موضعِ الزِّينة . والزِّيْنَةُ زينَتَانِ : ظَاهِرَةٌ وباطنةٌ ، فالباطنةُ : الْمَخَانِقُ وَالْمَعَاضِدُ وَالْقِلاَدَةُ وَالْخِلْخَالُ وَالسِّوارُ وَالْقِرْطُ وَالْمَعَاصِمُ . وأما الزينةُ الظاهرةُ : الْكُحْلُ وَالْخَاتَمُ وَالْخِضَابُ ، فليس على المرأةِ بحُكْمٍ إلاّ هذا بهِ سَتْرُ وجهِها وكفَّيها في الصلاة . وفي غيرِ الصلاة يجوزُ للأجانب من الرِّجال النظرُ إلى وجهِها لغيرِ الشَّهوةِ . فأما النظرُ مع الشهوةِ فلا يجوزُ إلاّ في أربعةِ مواضع : إذا أرادَ أن يتزوَّج امرأةً ، أو يشتريَ جاريةً ، أو يتحمَّلَ الشهادةَ لَها أو عليها ، أو القاضي يقضي لَها أو عليها . وعن ابنِ مسعودٍ : ( أنَّ الزِّيْنَةَ الظَّاهِرَةَ : هِيَ الْجِلْبَابُ وَالْمِلاَءَةِ ) يَعْنِي الثِّيَابَ لقولهِ { خُذُواْ زِينَتَكُمْ } [ الأعراف : 31 ] أي ثيابَكم . وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالت : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " لاَ يَحِلُّ لامْرَأةٍ تُؤْمِنُ باللهِ وَالْيَوْمِ الآخِرِ إذا عَرَكَتْ أنْ تُظْهِرَ إلاَّ وَجْهَهَا وَيَدَيْهَا وَإلَى هَا هُنَا وَقَبَضَ عَلَى نِصْفِ الذِّرَاعِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلْيَضْرِبْنَ بِخُمُرِهِنَّ عَلَىٰ جُيُوبِهِنَّ } ؛ الْخُمُرُ : جَمْعُ خِمَارٍ ؛ وهُوَ مَا تُغَطِّي بهِ المرأةُ رأسَها ، والمعنى : وَلْيُلْقِيْنَ مَقَانِعَهُنَّ على جيوبهنَّ وصُدورِهن ليَسْتُرْنَ بذلك شُعورَهن ومُرُوطَهن وأعناقَهن ونحورَهن ، كما قال ابنُ عباس : ( تُغَطِّي الْمَرْأةُ شَعْرَهَا وَصَدْرَهَا وَتِرَابَهَا وَسَوَالِفَهَا ) لأن المرأةَ اذا أسْدَلَتْ خِمارَها انكشفَ ما قدَّامها وما خلفها فوقعَ الاطلاعُ عليها . والجيوبُ : جمعُ جَيْبٍ وهو جيبُ القميصِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلاَّ لِبُعُولَتِهِنَّ } ؛ أرادَ به موضعَ الزينةِ الباطنة التي لا يجوزُ كشفُها في الصَّلاةِ ، والمعنى : لا يُظْهِرْنَ موضعَ الزينة التي تكون تحتَ خُمُرِهِنَّ إلاّ لأزواجهِنَّ ، { أَوْ آبَآئِهِنَّ أَوْ آبَآءِ بُعُولَتِهِنَّ أَوْ أَبْنَآئِهِنَّ أَوْ أَبْنَآءِ بُعُولَتِهِنَّ } أي أزواجِهنَّ ، { أَوْ إِخْوَانِهِنَّ } ؛ في النَّسب أو الرَّضاعِ { أَوْ بَنِيۤ إِخْوَانِهِنَّ أَوْ بَنِي أَخَوَاتِهِنَّ } ؛ وكلِّ ذِي رحمٍ مَحْرَمٍ منهُنَّ ، { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } ؛ يعني نساء أهلِ دِينهنَّ وهُنَّ المسلماتُ ، ولا يحلُّ لِمسلمةٍ أن تنكشفَ بين يدَي يهوديَّة أو نصرانيةٍ أو مجوسية أو مشركة . وَقِيْلَ : المرادُ بذلك العفائفُ مِن النساءِ اللائي يكن اشكالاً لهن . ولا ينبغِي للمرأة الصالحةِ أن تنظرَ إلى المرأةِ الفاجرة ؛ لأنَّها تَصِفُها عند الرجلِ ، ولا تضعَ جلبَابَها ولا خِمارَها عندها ، ولا يحلُّ لامراة مؤمنةٍ أن تنكشفَ أيضاً عند مُشركةٍ أو كتابية إلاّ أن تكون أمَةً لَها ، فذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ؛ ورُوي أنَّ عُمَرَ رضي الله عنه كَتَبَ إلَى أبي عُبَيْدَةَ : ( أمَّا بَعْدُ : فَقَدْ بَلَغَنِي أنَّ نِسَاءَكُمْ يَدْخُلْنَ الْحَمَّامَاتِ مَعَهُنَ نِسَاءُ أهْلِ الْكِتَاب ، فَامْنَعْ مِنْ ذلِكَ ) . فَلَمَّا أتَى الْكِتَابُ إلَى أبي عُبَيْدَةَ قَامَ ذلِكَ الْمَكَانِ مُبْتَهِلاً وَقَالَ : ( اللَّهُمَّ أيَّمَا امْرَأةٍ تَدْخُلُ الْحَمَّامَ مِنْ غَيْرِ عِلَّةٍ وَلاَ سَقَمٍ تُرِيدُ الْبَيَاضَ لِوَجْهِهَا ، فَسَوِّدْ وَجْهَهَا يَوْمَ تَبْيَضُّ الْوُجُوهُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } ؛ ذهبَ بعضُهم إلى أن المرادَ به العبدَ ، فإنه لا بأسَ أن تُظْهِرَ المرأةُ عند عبدِها ما تُظْهِرُ عند مَحارِمها . وكان سعيدُ بن المسيَّب يقول : ( لاَيَغُرَّنَّكُمْ قَوْلُهُ : { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } فَإنَّهَا نَزَلَتْ فِي الإمَاءِ دُونَ الْعَبيْدِ ) ، وعن مجاهدٍ مثلُ ذلكَ ، كأنَّهما ذهبَا إلى أن المرادَ بقوله : { أَوْ نِسَآئِهِنَّ } الحرائرَ ، والمرادَ بقولهِ { أَوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُنَّ } الإماءُ والوَلائِدُ والصِّغارُ من الذُّكور المماليكِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوِ ٱلتَّابِعِينَ غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ مِنَ ٱلرِّجَالِ } ؛ يعني الذينَ يتبعون النساءَ من الأجر العمَّال الذين لا حاجةَ لَهم في النِّكاح ، وإنَّما يخدُمون القومَ لينالوا من طعامِهم ، والإرْبَةُ فِعْلَةٌ مِنَ الإرْب وهو الحاجةُ ، كالْمِشْيَةِ من الْمَشْيِ . قال البعضُ : ( هُمْ قَوْمٌ طُبعُواْ عَلَى غَيْرِ شَهْوَةٍ ، لاَ يَشْتَهُونَ وَلاَ يَعْرِفُونَ مَا يُشْتَهَى مِنَ النِّسَاءِ وَلاَ يَشْتَهِيهُمُ النِّسَاءُ ) يعني : لا يَشْتَهُونَ ولا يُشْتَهَوْنَ . وقال سعيدُ بن جبير : ( الْمَعْتُوهُونَ ) ، وقال عكرمةُ : ( هُوَ الْمَجْنُونُ ) ، وقال الْحَكَمُ بن إبان : ( هُمُ الْمَخَانِيْثُ الَّذِيْنَ لاَ إرَبَ لَهُمْ فِي النِّسَاءِ ، وَلاَ تَقُومُ لَهُمْ شَهْوَةٌ ) . وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا : " أنَّ مُخْنَّثاً كَانَ يَدْخُلُ عَلَيْهِنَّ ، وَكَانُواْ يَعُدُّونَهُ مِنْ غَيْرِ أُوْلِي الإرْبَةِ ، فَسَمِعَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَهُوَ يَقُولُ فِي صَفْةِ امْرَأةٍ : أنَّهَا إذا أقْبَلَتُ ؛ أقْبَلَتْ بأَرْبَعٍ ، وَإذا أدْبَرَتْ ؛ أدْبَرَتْ بثَمَانٍ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أوَهَذا الْمُخَنَّثُ يَعْرِفُ هَذا الْكَلاَمَ ؟ ! لاَ أرَاهُ يَدْخُلُ عَلَيْكُنَّ " " وقال مجاهد وعكرمةُ والشعبيُّ : ( هُمُ الَّذِيْنَ لاَ إرَبَ لَهُمْ فِي النِّسَاءِ ) ، وقال قتادةُ : ( هُوَ الَّذِي يَتْبَعُكَ لأَجْلِ أنْ يُصِيْبَ مِنْ طَعَامِكَ ، وَلاَ هِمَّةَ لَهُ فِي النِّسَاءِ ) . وقال مقاتلُ : ( هُوَ الشَّيْخُ الْهَرِمُ الَّذِي لاَ يَسْتَطِيْعُ غَشَيَانَ النِّسَاءِ وَلاَ يَشْتَهِيْهِنَّ ) . وأما الْخِصْيَانُ فهُمْ على وجهين : إن كان خَصِيّاً قد جفَّ ماؤهُ ، فهو من غيرِ أُوْلِي الإربةِ ، وإن كان لَم يجفَّ ، فهو من أُوْلِي الإربةِ ، كما رُوي عن عائشةَ أنَّها قالت : ( إنَّ الْخَصْيَاءَ مِثْلَهُ ؛ وَإنَّهَا لَمْ تُحِلَّ مَا حَرَّمَ اللهُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { غَيْرِ أُوْلِي ٱلإِرْبَةِ } ، قرأ ابنُ كثير والفرَّاء بخفضِ ( غَيْرِ ) على الصفةِ ، وقرأ ابنُ عامرٍ وعاصم بنصب ( غَيْرَ ) على الاستثناءِ ، ويكون ( غَيْرَ ) بمعنى إلاَّ ، وَقِيْلَ : على الحالِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوِ ٱلطِّفْلِ ٱلَّذِينَ لَمْ يَظْهَرُواْ عَلَىٰ عَوْرَاتِ ٱلنِّسَآءِ } ؛ يعني الصغيرَ الذي لا رغبةَ له في النساءِ ، ولَم يَبْلُغْ مبلَغاً يطيقُ إتيانَهن ، وقد يذكرُ الطِّفلُ بمعنى الجماعةِ ، والمرادُ به ها هنا : والجماعةُ من الأطفالِ . وأما الصبيُّ الذي ظهرت لهُ رغبةٌ في النساءِ ، فحكمهُ حكمُ البالغِ ، لقوله صلى الله عليه وسلم في الصِّبيان : " مُرُوهُمْ بالصَّلاَةِ إذا بَلَغُوا سَبْعاً ، وَاضْرِبُوهُمْ عَلَيْهَا إذا بَلَغُوا عَشْراً ، وَفَرِّقُواْ بَيْنَهُمْ فِي الْمَضَاجِعِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ يَضْرِبْنَ بِأَرْجُلِهِنَّ لِيُعْلَمَ مَا يُخْفِينَ مِن زِينَتِهِنَّ } ؛ قال الحسنُ : ( كَانَتِ الْمَرْأةُ تَمُرُّ عَلَى الْمَجْلِسِ وَعَلَيْهَا الْخِلْخَالُ ، فَتَضْرِبُ إحْدَى رجْلَيْهَا بالأُخْرَى لِيَعْلَمَ الْقَوْمُ أنَّ عَلَيْهَا الْخِلْخَالُ ، فَنُهِيْنَ عَنْ ذلِكَ لأَنَّ ذلِكَ مِمَّا يُحَرِّكُ الشَّهْوَةَ ؛ لأَنَّ سَمَاعَ صَوْتِ الزِّيْنَةِ بمَنْزِلَةِ إبْدَائِهِ ) . وفي هذا دليلٌ أن صوتَ المرأةِ عورةٌ ؛ لأن صوتَ خِلخَالِها أقلُّ من صوتِها . وأما سِوَى مواضع الزينةِ فلا يحلُّ النظرُ إليه إلاَّ للزَّوجِ خاصَّة . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتُوبُوۤاْ إِلَى ٱللَّهِ جَمِيعاً أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ؛ أي وتُوبُوا إلى اللهِ جميعاً عمَّا كنتم في الجاهليَّة تعملونَ من الخصالِ المذمومة ، واعمَلُوا بطاعةِ الله فيما أمرَكم به ونَهاكم عنهُ ، { لَعَلَّكُمْ تُفْلِحُونَ } ؛ وقولهُ تعالى : { أَيُّهَ ٱلْمُؤْمِنُونَ } قرأ ابنُ عامر بضمِّ ( الْهَاءِ ) ومنهُ ( يَا أيُّهُ السَّاحِرُ ) و ( أيُّهُ الثَّقَلاَنِ ) ، وينبغي أن لاَ يؤْخَذ بقراءتهِ .