Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 24, Ayat: 61-61)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَّيْسَ عَلَى ٱلأَعْمَىٰ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى ٱلْمَرِيضِ حَرَجٌ } ؛ وذلك أنَّ المسلمينَ كانوا إذا غَزَوا خَلَّفُوا أزْمانَهم وكانوا يدفعونَ إليهم المفاتيحَ ويقولونَ لَهم قد أبَحْنَا لكم أن تأكُلُوا مِما في بُيُوتِنَا ، فكانوا يتحرَّجُون مِن ذلك ويقولونَ : لا ندخُلُها وهم في غَيْبٍ امتثالاً لقوله تعالَى { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ مِّنْكُمْ } [ النساء : 29 ] فَنَزَلتْ هذه الآيةُ رُخصَةً لَهم . ومعناها : نَفْيُ الحرجِ عن الزَّمْنَى في أكْلِهم من بيوتِ أقاربهم أو بيوتِ مَن يدفعُ إليهم المفتاحَ إذا خرجَ للغَزْوِ وخَلَفَهُ بحفظِ ماله ؛ لأنَّهم كانوا يتحَرَّجون أن يأكلُوا مما يحفظونَهُ ، فأَعْلَمَهُمُ اللهُ تعالى أنه لا جُنَاحَ عليهم في ذلكَ . وذهبَ الحسنُ إلى أن معنى الآيةِ : ( لَيْسَ عَلَى الأَعْمَى حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الأَعْرَجِ حَرَجٌ وَلاَ عَلَى الْمَرِيْضِ حَرَجٌ فِي تَرْكِ الْخُرُوجِ إلَى الْجِهَادِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } ؛ أي لا حرجَ عليكم أن تأكلوا من بيوتكم ، أرادَ بهذا بيوتَ أبنائِكم ونسلهم ، وإنَّما أضافَ بيوتَ الأبناءِ إليهم لأنَّهم مِن أنفسهم ، كما قال صلى الله عليه وسلم : " أنْتَ وَمَالُكَ لأَبيْكَ " ، ولِهذا قابلَهُ ببيوتِ الآباء ، فقالَ : { أَوْ بُيُوتِ ءَابَآئِكُمْ } ؛ ولَم يقل بيوتَ أبنائكم ، فعُلِمَ أن المرادَ بقوله : { وَلاَ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ أَن تَأْكُلُواْ مِن بُيُوتِكُمْ } أي بيوتِ أبنائِكم وأزواجِكم ، وبيتُ المرأةِ كبيت الزَّوجِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ بُيُوتِ أُمَّهَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ إِخْوَٰنِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخَوَٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَعْمَٰمِكُمْ أَوْ بُيُوتِ عَمَّٰتِكُمْ أَوْ بُيُوتِ أَخْوَٰلِكُمْ أَوْ بُيُوتِ خَٰلَٰتِكُمْ } ؛ أخرجَ الكلامَ على وفْقِ العادةِ ؛ لأن الغالبَ مِن أحوالِ هؤلاء أن تَطِيْبَ أنفسُهم بذلكَ ، فجازَ الأكلُ مِن بيوتِهم بغيرِ إذنٍ لدلالة الحالِ . فأمَّا إذا عَلِمَ أن صاحبَ البيت لا تطيبُ نفسهُ بذلكَ ، لا يحلُّ له أن يتناولَ شيئاً من ذلكَ ، { أَوْ مَا مَلَكْتُمْ مَّفَاتِحهُ } ؛ يعني بيوتَ عبيدِكم وإمائكم ، وذلك أن السيِّدَ يَملِكُ بيتَ عبدهِ ، أو الْمَفَاتِحُ معناها الخزائنُ ، كقولهِ تعالى { وَعِندَهُ مَفَاتِحُ ٱلْغَيْبِ } [ الأنعام : 59 ] أي خزائنُ الغيب . ومعناهُ : المفاتيحُ التي يُفْتَحُ بها الخزائنُ ، يعني بذلك الوكلاءَ والأُمَنَاءَ والعبيدَ الذين يَملكون أمرَ الخزائنِ وتكون مفاتِحُها بأيديهم ، فليس عليهم في الأكلِ جُنَاحٌ إذا كان أكْلاً يَسيراً مثل أن يأكُلَ مِن ثَمَرِ حائطٍ يكون قَيِّماً عليه أو يشربَ مِن لبنِ ماشية يكون قَيِّماً عليها . وقال السديُّ : ( الرَّجُلُ يُوَلِّي طَعَامَهُ غَيْرَهُ يَقُومُ عَلَيْهِ ، فَلاَ بَأْسَ أنْ يَأْكُلَ مِنْهُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } ؛ يعني صَدِيْقاً يسرُّهُ أن يأكلَ من طعامهِ ، وإنَّما أطلقَهُ على عادةِ الصحابَةِ رَضِيَ اللهُ عَنْهُمْ كما روي في سبب نزُول هذا : أنَّ مَالِكَ بْنَ يَزِيْدٍ وَالْحَارثَ بْنَ عَمْرٍو كَانَا صَدِيْقَيْنِ ، فَخَرَجَ الْحَارثُ غَازياً وَخَلَّفَ مَالِكاً فِي أهْلِهِ وَخَزَائِنِهِ ، فَلَمَّا رَجَعَ مِنَ الْغَزْوِ رَأى مَالِكاً مَجْهُوداً ، قَالَ : مَا أصَابَكَ ؟ قَالَ : لَمْ يَكُنْ عِنْدِي شَيْءٌ ، وَلَمْ يَحِلَّ لِي أنْ آكُلَ مِنْ مَالِكَ ، فَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَوْ صَدِيقِكُمْ } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَن تَأْكُلُواْ جَمِيعاً أَوْ أَشْتَاتاً } سببُ نزول هذه الآيةِ : أن بَنِي كِنَانَةَ - وَهُمْ حَيٌّ مِنَ الْعَرَب - كَانَ الْوَاحِدُ مِنْهُمْ يَجُوعُ أيَّاماً وَلاَ يَأْكُلُ حَتَّى يَجِدَ ضَيْفاً فَيَأْكُلُ مَعَهُ ، وَإذا لَمْ يَجِدْ أحَداً فَلاَ يَأْكُلُ شَيْئاً ، وَرُبَّمَا كَانَتْ مَعَهُ الإبلُ مُجَفَّلَةً فَلاَ يَشْرَبُ مِنْ ألْبَانِهَا حَتَّى يَجِدَ مَنْ يُشَارِبُهُ ، فأعلمَ اللهُ تعالى أن الرجلَ منهم إذا أكلَ وحدَهُ فلا إثْمَ عليهِ . ومعنى { أَشْتَاتاً } متفرِّقين . ويستدلُّ مِن هذه الآيةِ أن للجماعةِ في السَّفرِ أن يخلِطُوا طعامَهم فيأكلُوا جميعاً أو يأكلَ واحدٌ منهم مِن زاده ولا حرجَ عليه في ذلك . والغرضُ من هذه الآيات : نفيُ الْحُرْمَةِ عن كلِّ ما تطيبُ به الأنفسُ . وعن ابنِ عبَّاس رضي الله عنه في سبب نزول هذه الآيات : ( أنَّ اللهَ تَعَالَى لَمَّا أنْزَلَ قَوْلَهُ تَعَالَى : { لاَ تَأْكُلُوۤاْ أَمْوَٰلَكُمْ بَيْنَكُمْ بِٱلْبَٰطِلِ إِلاَّ أَن تَكُونَ تِجَٰرَةً عَن تَرَاضٍ } [ النساء : 29 ] تَحَرَّجَ الْمُسْلِمُونَ مِنْ مُؤَاكَلَةِ الْمَرْضَى والزَّمْنَى وَالْعُمْيَانِ وَالْعُرْجِ ، وَقَالُواْ : قَدْ نَهَانَا اللهُ عَنْ أكْلِ الْمَالِ بالْبَاطِلِ ، وَالأَعْمَى لاَ يُبْصِرُ مَوْضِعَ الطَّيِّب مِنَ الطَّعَامِ ، وَالأَعْرَجُ لاَ يَسْتَطِيْعُ الْمُزَاحَمَةَ ، وَالْمَرِيْضُ لاَ يَسْتَوفِي حَقَّهُ مِنَ الطَّعَامِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَاتِ ) . والمعنى : ليس عليكُم في مؤاكلةِ الأعمى والأعرجِ والمريض حرجٌ . وقال الضحَّاكُ : ( كَانَ الْعُمْيَانُ وَالْعُرْجَانُ يَتَنَزَّهُونَ عَنْ مُؤَاكَلَةِ الأَصِحَّاءِ ؛ لأَنَّ النَّاسَ يَتَقَذرُونَهُمْ وَيَكْرَهُونَ مُؤَاكَلَتَهُمْ ، وَكَانَ أهْلُ الْمَدِيْنَةِ لاَ يُخَالِطُهُمْ فِي طَعَامِهِمْ أعْمَى وَلاَ أعْرَجُ وَلاَ مَرِيْضُ تَقَذُّراً ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَاتِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَا دَخَلْتُمْ بُيُوتاً فَسَلِّمُواْ عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } ؛ أي يُسَلِّمُ بعضُكم على بعضٍ ، وإنَّما قال { عَلَىٰ أَنفُسِكُمْ } لأن المؤمنينَ كنفْسٍ واحدةٍ . وَقِيْلَ : هذا في دخُولِ الرجُلِ بيتَ نفسهِ ، والسَّلاَمُ على أهلهِ ومَن في بيتهِ . قال قتادةُ : ( إذا دَخَلْتَ بَيْتَكَ فَسَلِّمْ عَلَى أهْلِكَ فَهُمْ أحَقُّ مَنْ سَلَّمْتَ عَلَيْهِ ، وَإذا دَخَلْتَ بَيْتاً لِيْسَ فِيْهِ أحَدٌ ، فَقُلْ : السَّلاَمُ عَلَيْنَا وَعَلَى عِبَادِ اللهِ الصَّالِحِيْنَ ، وَمِنَ السُّنَّةِ إذا دَخَلَ الرَّجُلُ بَيْتَ نَفْسِهِ أنْ يُسَلِّمَ عَلَى أهْلِهِ ، فَإنَّهُ يَزْدَادُ بذلِكَ بَرَكَةً فِي بَيْتِهِ وَأهْلِهِ ) . وقال صلى الله عليه وسلم : " إذا دَخَلْتُمْ بُيُوتَكُمْ فَسَلِّمُواْ عَلَى أهْلِيكُمْ ، وَإذا طَعِمْتُمْ طَعَاماً فَاذْكُرُواْ اسْمَ اللهِ عَلَيْهِ ، فَإنَّ الشَّيْطَانَ إذا سَلَّمَ أحَدُكُمْ لَمْ يَدْخُلْ بَيْتَهُ ، وَإذا ذكَرَ اسْمَ اللهِ عَلَى طَعَامِهِ قَالَ لِجُنْدِهِ مِنَ الشَّيَاطِيْنَ : لاَ مَبيْتَ لَكُمْ وَلاَ عَشَاءَ ، وَإنْ لَمْ يُسَلِّمْ حِيْنَ يَدْخُلُ بَيْتَهُ وَلَمْ يَذْكُرِ اسْمَ اللهِ عَلَى طَعَامِهِ ، قَالَ الشَّيْطَانُ لِجُنْدِهِ : أدْرَكْتُمُ الْعَشَاءَ وَالْمَبيْتَ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { تَحِيَّةً مِّنْ عِندِ ٱللَّهِ مُبَٰرَكَةً طَيِّبَةً } ؛ أي افعَلُوا ذلكَ تَحِيَّةَ أمَرَكم اللهُ بها ، لكم فيها البركةُ والمغفرة والثواب ، { كَذَٰلِكَ يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمُ ٱلآيَٰتِ } ؛ أي هكذا بَيَّنَ اللهُ لكم الدلالاتِ والأحكامَ ، { لَعَلَّكُمْ تَعْقِلُونَ } ؛ أي لكي تَعْقِلُونَ .