Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 26, Ayat: 87-89)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تُخْزِنِي يَوْمَ يُبْعَثُونَ } ؛ أي لا تَفْضَحْنِي ولا تُهْتِكْ سَتْرِي يومَ القيامةِ ، يوم تبعثُ الخلقَ . وَقِيْلَ : معناهُ : ولا تعذِّبْني يومَ تبعثُ الخلائقَ ، وإنَّما قال ذلكَ مع علمهِ أنه لا يخزيهِ ، إمَّا على طريق التَّعَبُّدِ وإنا حَثّاً لغيرهِ على أن يقتدي بهِ في مِثْلِ هذا الدُّعاء . ثُم فَسَّرَ ذلكَ اليوم ؛ فقال : { يَوْمَ لاَ يَنفَعُ مَالٌ وَلاَ بَنُونَ } ؛ أي لا ينفعُ ذا المالِ مالهُ الذي كان في الدُّنيا ، ولا ينفعهُ بَنُوهُ ولا يواسُونَهُ بشيءٍ مِن طاعتِهم ، ولا يحملونَ شيئاً من معاصيهِ ، وقولهُ تعالى : { إِلاَّ مَنْ أَتَى ٱللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ } ؛ يعني من الشِّرْكِ والنفاقِ ، فإنه ينفعهُ سلامةُ قلبهِ . وَقِيْلَ : القلبُ السَّليمُ هو الصحيحُ وهو قلبُ المؤمنِ ، وقلبُ الكافرِ المنافقِ مريضٌ . وقال أهلُ الْمَعَانِي في تفسيرِ هذه الآياتِ أقوالاً غيرُ هذه ، فقال بعضُهم : معنى { ٱلَّذِي خَلَقَنِي فَهُوَ يَهْدِينِ } [ الشعراء : 78 ] أي الذي خلَقَني في الدُّنيا على فطرتهِ فهو يهدينِ في الآخرة إلى جنَّتِهِ ، وقولهُ تعالى { وَٱلَّذِي هُوَ يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } [ الشعراء : 79 ] أي يُطعِمُني أيَّ طعامٍ شاءَ ، ويسقينِي أيَّ شرابٍ شاءَ . قال محمَّدُ بن كثير : ( صَحِبْتُ سُفْيَانَ الثَّوْرِيَّ بمَكَّةَ ، فَكَانَ يَأْكُلُ مِنَ السَّبْتِ إلَى السَّبْتِ كَفّاً مِنَ الرَّمْلِ ) . وعن الحجَّاج بن عبدِالكريم قالَ : ( خَرَجْتُ مِنْ بَلَخَ فِي طَلَب إبْرَاهِيْمَ بْنَ أدْهَمٍ فَوَجَدْتُهُ بحِمْصَ ، فَسَلَّمْتُ عَلَيْهِ ، فَلَبثْتُ مَعَهُ يَوْمِي ذلِكَ ، فَقَالَ : لَعَلَّ نَفْسَكَ تُنَازِعُكَ إلَى شَيْءٍ مِنَ الطَّعَامِ ؟ فَقُلْتُ : نَعَمْ ، فَأَخَذ رَمَاداً وَتُرَاباً وَخَلَطَهُمَا وَأعْطَانِيَهُ فَأَكَلْتُهُ ، ثُمَّ أقْبَلَ عَلَيَّ وَأنْشَأَ يَقُولُ : @ اخْلِطِ التُّرَابَ بالرَّمَادِ وَكُلْهُ وَازْجُرِ النَّفْسَ عَنْ مَقَامِ السُّؤَالِ @@ وقال أبو بكرٍ الورَّاقُ : ( مَعْنَى يُطْعِمُنِي بلاَ طَعَامٍ ، وَيَسْقِينِي بلاَ َشَرَابٍ ) يُشْبعُنِي رَبي وَيَرْوِيْنِي مِنْ غَيْرِ علاقة ، كَمَا قَالَ صلى الله عليه وسلم : " إنِّي أبيْتُ يُطْعِمُنِي رَبي وَيَسْقِينِي " وقال عليُّ بن قادمٍ : ( كَانَ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي نُعَيْمٍ لاَ يَأْكُلُ فِي شَهْرٍ إلاَّ مَرَّةً ! فَبَلَغَ ذلِكَ الْحَجَّاجَ ، فَدَعَاهُ فَأَدْخَلَهُ بَيْتاً وَأغْلَقَ عَلَيْهِ بَابَهُ خَمْسَةَ عَشَرَ يَوْماً ، ثُمَّ فَتَحَهُ ، وَلَمْ يَشُكَّ أنَّهُ قَدْ مَاتَ ، فَوَجَدَهُ قَائِماً يُصَلِّي ، فَقَالَ : يَا فَاسِقُ أتُصَلِّي بغَيْرِ وُضُوءٍ ؟ ! فَقَالَ : يَا حَجَّاجُ ؛ إنَّمَا يَأْكُلُ الطَّعَامَ مَنْ يُخْرِجُ وَيَشْرَبُ ، فَأَنَا عَلَى الطَّهَارَةِ الَّتِي أدْخَلْتَنِي عَلَيْهَا هَذا الْبَيْتَ ) ، وقال ذُو النُّونُ : ( مَعْنَى قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُطْعِمُنِي وَيَسْقِينِ } [ الشعراء : 79 ] أيْ يُطْعِمُنِي طَعَامَ الْمَعْرِفَةِ ، وَيَسْقِيْنِي شَرَابَ الْمَحَبَّةِ . ثُمَّ أنْشَأَ يَقُولُ : @ شَرَابُ الْمَحَبَّةِ خَيْرُ شَرَاب وَكُلُّ شَرَابٍ سِوَاهُ سَرَابُ @@ وقال أبو يزيدٍ البُسطَامِيُّ : ( إنَّ للهِ شَرَاباً يُقَالُ لَهُ شَرَابَ الْمَحَبَّةِ ، إدَّخَرَهُ لأَفَاضِلِ عِبَادِهِ ، فَإذا وَصَلُواْ اتَّصَلُواْ ، فَهُمْ فِي مَقْعَدِ صِدْقٍ عِنْدَ مَلِيْكٍ مُقْتَدِرٍ ) . وقال الْجُنَيْدُ : ( يُحْشَرُ النَّاسُ يَوْمَ الْقِيَامَةِ عُرَاةً إلاَّ مَنْ لَبسَ لِبَاسَ التَّقَوَى ، وَجِيَاعاً إلاَّ مَنْ أكَلَ طَعَامَ الْمَعْرِفَةِ ، وَعَطَاشَى إلاَّ مَنْ شَرِبَ شَرَابَ الْمَحَبَّةِ ) , وقولهُ تعالى { وَإِذَا مَرِضْتُ فَهُوَ يَشْفِينِ } [ الشعراء : 80 ] قال جعفرُ الصَّادِقُ : ( إنِّي إذا مَرِضْتُ بالذُنُوب فَهُوَ يَشْفِيْنِي بالتَّوْبَةِ ) . وقال بسطامُ بن عبدِالله : ( إذا أمْرَضَتْنِي مُقَاسَاةُ الْخَلْقِ شَفَانِي بذِكْرِهِ وَالأُنْسِ بهِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱلَّذِي يُمِيتُنِي ثُمَّ يُحْيِينِ } [ الشعراء : 81 ] ، قال أهلُ المعرفةِ : يُمِيتُنِي بالعدلِ ويُحييني بالفضلِ ، يُمِيتُني بالمعصيةِ ويُحييني بالطاعةِ ، يُمِيتُني بالفراقِ ويُحييني بالتَّلاقِ ، يُمِيتُني بالجهلِ ويُحييني بالعقلِ ، يُمِيتُني بالخذلانِ ويُحييني بالتوفيقِ .