Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 28, Ayat: 81-81)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَخَسَفْنَا بِهِ وَبِدَارِهِ ٱلأَرْضَ } ؛ أي فخَسَفْنَا بقارونَ وقَصْرِهِ الذي بَنَاهُ عقوبةً له على كُفرهِ ، وذلك أنَّهُ لَمَّا أضافَ النِّعَمَ التي أعطاهُ اللهُ إياها إلى فعلِ نفسه وعملهِ ، ولَم يَنْسِبْهَا بتَسهِيل اللهِ ذلكَ عليهِ ؛ صارَ كافراً بنِعَمِ اللهِ . وَقِيْلَ في سَبَب خسفهِ : أنه لَمَّا حَسَدَ موسى وهارونَ دعَا امرأةً ذاتَ جمالِ معروفةً بالفُجُور ، وجعلَ لَها ألفَ دِرهَم - وَقِيْلَ : ألْفَ مِثْقَالٍ - وقالَ لَها : إنِّي أخلِطُكِ بنسائي على أن تَقذِفِي موسَى بنفسكِ غداً إذا حَضَرَ بنُو إسرائيلَ ، وتذْكُري أنه راوَدَكِ عن نفسكِ ! فأجابَتْ قارونَ إلى ذلك ، فلمَّا كان مِن الغَدِ ، جَمَعَ قارونُ بني إسرائيلَ ، ثُم أتَى مُوسَى فقال لهُ : إنَّ بني إسرائيلَ قد اجتمَعُوا ينظرونَ خُروجَهم لتَأْمُرَهم وتَنْهَاهُمْ . فخرجَ مُوسَى فقامَ فيهم يَعِظُهُمْ ويأمُرُهُمْ بالمعروفِ وينهاهم عن الْمُنْكَرِ ، قالَ : يَا بَنِي إسْرَائِيْلَ ؛ مَنْ سَرَقَ قَطَعْنَاهُ ، وَمَنِ افْتَرَى جَلَدْنَاهُ ثَمَانِيْنَ ، وَمَنْ زَنَى وَلَيْسَتْ لَهُ امْرَأةٌ جَلَدْنَاهُ مِائَةً ، وَمَنْ زَنَى وَلَهُ امْرَأةٌ رَجَمْنَاهُ حَتَّى يَمُوتَ . قال قارونُ : وإنْ كُنْتَ أنْتَ ؟ ! قالَ : وإنْ كُنْتُ أنَا . قال : فإنَّ بني إسرائيلَ يَزعُمُونَ أنَّكَ فَجَرْتَ بفُلانَةٍ ! فقال مُوسَى : ادْعُوهَا ، فَدَعَوْهَا وقد ألْهَمَها اللهُ التوبةَ والتوفيقَ ، فقالت في نفسِها : لإنْ أُحْدِثَ الْيَوْمَ تَوْبَةً خَيْرٌ مِنْ أنْ يُؤْذى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم . فجَاءوا بها وقد عَقَدوا مَجلِساً استَحْضَرَ فيه قارونُ الخاصَّ والعامَّ ، فقال قارونُ للمرأةِ : ما تَقُولِيْنَ ؟ قالت : يَا وَيْلاَهُ ! قَدْ عَمِلْتُ كُلَّ فَاحِشَةٍ ، وما بَقِيَ إلاَّ أنْ أفْتَرِي على نَبيِّ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وأنَا أبْرَأُ إلى اللهِ مِن ذلكَ . ثُم أخْرَجَتْ خَريطَتين مَملُوءَتين دَرَاهِمَ وعليهما خاتَمُ قارونَ ، فقالَتْ : يا أيُّها الْمَلأُ ؛ إنَّ قارونَ أعطانِي هَاتَين الخريطتَين على أنْ آتِي جماعتَكم فأَزْعُمَ أنَّ موسى رَاودَنِي عن نفسِي ، ومَعَاذ اللهِ أنْ افْتَرِيَ على نبيِّ الله ، وأنا أبْرَأُ إلى اللهِ مِن ذلك وهذهِ دراهِمهُ وعليها خاتَمهُ . فعَرَفَ بنُو إسرائيلَ خاتَم قارونَ ، فَافْتُضِحَ قارونُ بين أولئِكَ القومِ ، وغَضِبَ مُوسَى عليه السلام فَخَرَّ ساجداً يَبْكِي وهو يقولُ : اللَّهُمَّ إنْ كُنْتُ رسُولَكَ فَاغْضَبْ لِي . فأوحَى اللهُ إليه أنِّي قد أمَرْتُ الأرضَ تُطِيعُكَ فَمُرْهَا بما شِئْتَ ، فقال مُوسَى عليه السلام : يا أرضُ خُذِيْهِ ، فأخذتْهُ إلى كَعْبهِ ، ثُم قَالَ : يا أرضُ خُذِيهِ ، فأخذتهُ إلى رُكبَتيهِ ، فَنَاشَدَهُ الرَّحِمَ ، فقالَ : يا أرضُ خُذِيهِ ، فأخذتْهُ حتى غَيَّبَتْ حِقْوَتَهُ ، فتضرَّعَ إلى مُوسَى وناشدَهُ الرَّحِمَ ، فلَمْ يسمَعْ تَضرُّعَهُ ، فقالَ : يا أرضُ خُذِيهِ ، فأخذْتْهُ حتى غَيَّبَتْهُ . فرُوي أنهُ استغاثَ بموسَى وناشدَهُ سبعينَ مرَّة ، فلَمْ يلتفِتْ موسَى إلى ذلكَ ، فأوحَى اللهُ إلى موسى : ما أفَظَّكَ وأغلَظَ قلبَكَ ! استغاثَ بكَ قارونُ سبعين مرَّةً فلم ترحَمْهُ ولَم تُغِثْهُ ، وعِزَّتِي وجَلالِي لوِ استغاثَ بي لأغثتهُ ، ولو دعانِي لوجدَنِي قريباً مُجيباً . واختلَفُوا في أيِّ وقتٍ خُسِفَ بدارهِ ، قال بعضُهم : إنه خُسِفَ به معَهُ ، وقال بعضُهم : لَمَّا خُسِفَ بقارونَ قالت بنو إسرائيلَ : إنَّ موسَى أرادَ أن يأخُذ دارَ قارون وأموالَهُ وكنوزَهُ ، فدعَا اللهَ موسى فخَسَفَ بدارهِ وأموالهِ بعد ما خَسَفََ بقارون بثلاثةِ أيَّام . قال قتادةُ : ( وَذُكِرَ لَنَا أنَّ قَارُونَ يَتَجَلْجَلُ فِي الأَرْضِ هُوَ وَدَارُهُ وَمَالُهُ كُلَّ يَوْمٍ قَامَةً لاَ يَبْلُغُ قَعْرَهَا إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَمَا كَانَ لَهُ مِن فِئَةٍ يَنصُرُونَهُ مِن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ أي ما كانَ له من جُنْدٍ وجماعةٍ يَمنعونَهُ من عذاب الله ، { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُنتَصِرِينَ } ؛ أي وما كان من الْمُمْتَنِعِيْنَ مِمَّا نزلَ به من الخسفِ .