Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 10-11)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمِنَ ٱلنَّاسِ مَن يِقُولُ آمَنَّا بِٱللَّهِ فَإِذَآ أُوذِيَ فِي ٱللَّهِ جَعَلَ فِتْنَةَ ٱلنَّاسِ كَعَذَابِ ٱللَّهِ } ؛ رُوي أنَّ هذه الآيةَ نزلت في عيَّاشِ بنِ أبي ربيعةَ ، كَانَ أسْلَمَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَكَانَ يَخَافُ عَلَى نَفْسِهِ مِنْ أُمِّهِ وَأخَوَيْهِ لأُمِّهِ وَهُمَا أبُو جَهْلٍ وَالْحَارثِ . فَخَرَجَ عَيَّاشُ بَعْدَ مَا أعْلَنَ إسْلاَمَهُ هَارباً إلَى الْمَدِيْنَةِ قَبْلَ هِجْرَةِ النَّبيِّ صلى الله عيله وسلم ، وَبَلَغَ أُمَّهُ الْخَبَرَ فَجَزِعَتْ جَزَعاً شَدِيْداً ، وَامْتَنَعَتْ عَنِ الطَّعَامِ وَالشَّرََاب ، فَخَرَجَ أخَوَاهُ وَقَوْمَهُ فِي طَلَبهِ ، فَأَخَذُوهُ وَقَيَّدُوهُ ، وَحَلَفَتْ أُمُّهُ أسْمَاءُ بنْتُ مَخْرَمِ بْنِ أبي جَنْدَلٍ باللهِ : لاَ أحُلُّكَ مِنْ وثَاقِكَ حَتَّى تَكْفُرَ بمُحَمَّدٍ ، ثُمَّ أقْبَلَتْ تَجْلِدُهُ بالسِّيَاطِ وَتُعَذِّبُهُ حَتَّى كَفَرَ جَزَعاً مِنَ الضَّرْب ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . قال مقاتلُ والكلبيُّ : ( لَمَّا هَاجَرَ عَيَّاشُ إلَى الْمَدِيْنَةِ خَوْفاً مِنْ أُمِّهِ وَأخَوَيْهِ ، حَلَفَتْ أُمُّهُ أسْمَاءُ بنْتُ مَخْرَمِ بْنِ أبي جَنْدَلٍ ألاَّ تَأْكُلَ وَلاَ تَشْرَبَ وَلاَ تَغْسِلَ رَأسَهَا وَلاَ تَدْخُلَ بَيْتاً حَتَّى يَرْجِعَ إلَيْهَا ابْنُهَا ، فَلَمَّا رَأى ابْنَاهَا أبُو جَهْلٍ وَالْحَارثُ ابْنَا هِشَامٍ - وَهُمَا أخَوَا عَيَّاشٍ لأُمِّهِ - جَزَعَهَا ، فرَكِبَا فِي طَلَبهِ حَتَّى أتَيَا الْمَدِيْنَةَ فَلَقِيَاهُ . فَقَالَ لَهُ أبُو جَهْلٍ : قَدْ عَلِمْتَ أنَّكَ أحَبَّ إلَى أُمِّكَ مِنْ جَمِيْعِ أوْلاَدِهَا ، وَكُُنْتَ بَارّاً بهَا ، وَقَدْ حَلَفَتْ لاَ تَأْكُلُ وَلاَ تَشْرَبُ وَلاَ تَدْخُلُ كِنّاً حَتَّى تَرْجِعَ إلَيْهَا ، وَأنْتَ تَزْعُمُ أنَّ فِي دِيْنِكَ برَّ الْوَالِدَيْنِ ، فَارْجِعْ إلَيْهَا فَإنَّ رَبَّكَ الَّذِي تَعْبُدُهُ بالْمَدِيْنَةِ هُوَ رَبُّكَ بمَكَّةَ فَاعْبُدْهُ بهَا . فَلَمْ يَزَالاَ بهِ حَتَّى أخَذ عَلَيْهِمَا الْمَوَاثِيْقَ أنْ لاَ يُحَرِّكَانِهِ وَلاَ يَصْرِفَانِهِ عَنْ دِيْنِهِ ، فَأَعْطَيَاهُ الْمَوَاثِيْقَ فَتَبعَهُمَا ، فَلَمَّا خَرَجُواْ بهِ مِنَ الْمَدِيْنَةِ أخَذاهُ وَأوْثَقَاهُ وَضَرَبَهُ كُلُّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا مِائَةَ جَلْدَةٍ حَتَّى تَبْرَّأ مِنْ دِيْنِ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم جَزَعاً مِنَ الضَّرْب . وَكَانَ الْحَارثُ أشَدَّهُمَا عَلَيْهِ وَأسْوَأهُمَا قَوْلاً فِيهِ ، فَحَلَفَ عَيَّاشُ باللهِ لَئِنْ قَدِرَ عَلَيْهِ لَيَضْرِبَنَّ عُنُقَهُ ، فَلَمَّا رَجَعُواْ إلَى مَكَّةَ مَكَثُواْ حِيْناً ، ثُمَّ هَاجَرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم وَالْمُؤْمِنُونَ إلَى الْمَدِيْنَةِ ، فَهَاجَرَ عَيَّاشُ وَأسْلَمَ وَحَسُنَ إسْلاَمُهُ . ثُمَّ إنَّ اللهَ تَعَالَى وَفَّقَ الْحَارثَ بْنَ هِشَامٍ فَهَاجَرَ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَبَايَعَ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم عَلَى الإسْلاَمِ ، وَلَمْ يَحْضُرْ عَيَّاشُ ، فلَقِيَهُ عَيَّاشُ يَوْماً بظَهْرِ قِبَاء وَلَمْ يَعْلَمْ بإسْلاَمِهِ ، فَضَرَبَ عُنُقَهُ يَظُنُّ أنَّهُ كَافِرٌ ، فَقِيْلَ لَهُ : إنَّهُ قَدْ أسْلَمَ ، فَنَدِمَ وَاسْتَرْجَعَ وَبَكَى ، ثُمَّ أتَى النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ ، فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى : { وَمَا كَانَ لِمُؤْمِنٍ أَن يَقْتُلَ مُؤْمِناً إِلاَّ خَطَئاً } [ النساء : 92 ] . ومعنَى الآيةِ : ومِن الناسِ مَن يقولُ آمَنَّا باللهِ ، فإذا عُذِّبَ في طاعةِ الله جَعَلَ تعذيبَ الناسِ كتعذيب الله ، فأطاعَ الناسَ خوفاً منهم ، كما يطيعُ الله مَن خافَ عذابَهُ . قولهُ : { وَلَئِنْ جَآءَ نَصْرٌ مِّن رَّبِّكَ لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } ؛ أي إذا جاء فَتْحٌ مِِن ربكَ { لَيَقُولُنَّ إِنَّا كُنَّا مَعَكُمْ } وهذه صفةُ المنافقين ، يقولُ اللهُ تعالَى : { أَوَ لَيْسَ ٱللَّهُ بِأَعْلَمَ بِمَا فِي صُدُورِ ٱلْعَالَمِينَ } ؛ أي بما في قلُوب الْخَلْقِ من الطُّمأنينَةِ بالإيْمانِ والانشراحِ بالكُفرِ ، { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ؛ أي لِيَجْزِيَ اللهُ المؤمنين ، { وَلَيَعْلَمَنَّ ٱلْمُنَافِقِينَ } ؛ ولَيُمَيِّزَنَّ المنافقينَ .