Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 29, Ayat: 56-60)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { يٰعِبَادِيَ ٱلَّذِينَ آمَنُوۤاْ إِنَّ أَرْضِي وَاسِعَةٌ فَإِيَّايَ فَٱعْبُدُونِ } ؛ قالَ مقاتلُ : ( نَزَلَتْ فِي ضُعَفَاءِ مُسْلِمِي مَكَّةَ ، تَقُولُ : إنْ كُنْتُمْ فِي ضِيْقٍ بمَكَّةَ مِنْ إظْهَار الإيْمَانِ ) فَاخْرُجُواْ مِنْهَا وَأُمِرُوا بالْهِجْرَةِ مِنَ الْمَوْضِعِ الَّذِي لاَ يُمْكِنُهُمْ فِيْهِ مِنْ عِبَادَةِ اللهِ ، وَكَذلِكَ يَجِبُ عَلَى كُلِّ بَلَدٍ ، مَنْ كَانَ فِي بَلَدٍ فَعُمِلَ فِيْهَا بالْمَعَاصِي ، وَلاَ يُمْكِنُهُ تَغْييْرُ ذلِكَ أنْ يُهَاجِرَ إلَى حَيْثُ يَتَهَيَّأُ لَهُ أنْ يَعْبُدَ اللهَ حَقَّ عِبَادَتِهِ . ثُم خوَّفَهم بالموتِ لتَهُونَ عليهم الهجرةُ ؛ فقالَ : { كُلُّ نَفْسٍ ذَآئِقَةُ ٱلْمَوْتِ } ؛ أي كُلُّ أحدٍ مَيِّتٌ أينَما كانَ ، فلا تُقِيمُوا بدار الشِّرك خوفاً من الموتِ ، { ثُمَّ إِلَيْنَا تُرْجَعُونَ } ، بعدَ الموتِ فيجزِيَكم بأعمَالِكم . وقال سعيدُ بن جبير : ( مَعْنَى الآيَةِ : إذا عُمِلَ فِي أرْضٍ بالْمَعَاصِي فَاخْرُجُواْ مِنْهَا ، فَإنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ ) ، وقال عطاءُ : ( إذا أُمِرْتُمْ بالْمَعَاصِي فَاهْرُبُواْ مِنْهَا ، فَإنَّ أرْضَ اللهِ وَاسِعَةٌ ) ، وقال مجاهدُ : ( إنَّ أرْضِي وَاسِعَةٌ فَهَاجِرُواْ وَجَاهِدُواْ ) . وقال الكلبيُّ : ( نَزَلَتْ فِي الْمُسْتَضْعَفِيْنَ مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ كَانُواْ بمَكَّةَ لاَ يَقْدِرُونَ عَلَى إظْهَار الإيْمَانِ وَعِبَادَةِ الرَّحْمَنِ ، فَحَثَّهُمْ عَلَى الْهِجْرَةِ إلَى الْمَدِيْنَةِ ، فَشُقَّ عَلَيْهِمْ وَقَالُواْ : كَيْفَ يَكُونُ حَالُنَا إذا انْتَقَلْنَا إلَى دَار الْغُرْبَةِ وَلَيْسَ بهَا أحَدٌ يَعْرِفُنَا فَيُوَاسِيْنَا ، وَلاَ نَعْرِفُ وُجُوهَ الاكْتِسَاب فِيْهَا ، فَقَطَعَ اللهُ عُذْرَهُمْ بهَذِهِ الآيَاتِ ) . ومعناها : إنَّ أرضِي واسعةٌ آمِنَةٌ ، وَقِيْلَ : { وَاسِعَةٌ } أي رزْقِي لكم واسعٌ ، فاخرجُوا من هذه الأرضِ التي أنتم فيها . وعن الحسنِ قال : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ فَرَّ بدِيْنِهِ مِنْ أرْضٍ إلَى أرْضٍ وَإنْ كَانَ شِبْراً مِنَ الأَرْضِ اسْتَوْجَبَ الْجَنَّةَ ، وَكَانَ رَفِيْقَ إبْرَاهِيمَ وَمُحَمَّدٍ عَلَيْهِمَا السَّلاَمُ " . ثُم ذكرَ ثوابَ مَن هاجرَ ، فقال : { وَٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ } ؛ يعني الْمُهَاجِرِيْنَ ، { لَنُبَوِّئَنَّهُمْ مِّنَ ٱلْجَنَّةِ غُرَفَاً تَجْرِي مِن تَحْتِهَا ٱلأَنْهَارُ } ؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عََنْهُمَا : ( لَنُسْكِنَنَّهُمْ غُرَفَ الدُّرَّةِ وَالزُّبُرْجَدِ وَالْيَاقُوتِ ، وَلَنُنْزِلَنَّهُمْ قُصُورَ الْجَنَّةِ ) ، وقرأ حمزةُ والكسائيُّ : ( لَنُثْوِيَنَّهُمْ ) يقالُ : ثَوَى الرجلُ إذا أقامَ ، وأثْوَيْتُهُ إذا أنزلتهُ منْزِلاً يقيمُ فيهِ ، والمعنى : والذينَ آمَنُوا لنُنْزِلنَّهُمْ من الجنَّة غُرَفاً عَوالِي تَجرِي من تحتِ قصورها وأشجارها الأنَهارَ ، { خَالِدِينَ فِيهَا نِعْمَ أَجْرُ ٱلْعَامِلِينَ } ؛ للهِ . ثُم وصَفَهم فقالَ : { ٱلَّذِينَ صَبَرُواْ } ؛ أي على دِينِهم فلم يتركوهُ لشدَّةِ لَحِقَتهُمْ ، { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } ؛ قال ابنُ عبَّاس : ( وَذلِكَ أنَّ الْمُهَاجِرِيْنَ تَوَكَّلُواْ عَلَى اللهِ وَتَرَكُواْ دُورَهُمْ وَأمْوَالَهُمْ ) . وَقِيْلَ : معناهُ : { وَعَلَىٰ رَبِّهِمْ يَتَوَكَّلُونَ } في أرزاقِهم وجهادِ أعدائهم ومهمَّات أُمورهم . قال مقاتلُ : ( إنَّ أحَدَهُمْ كَانَ يَقُولُ بمَكَّةَ : كَيْفَ أُهَاجِرُ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَلَيْسَ لِي بهَا مَالٌ وَلاَ مَعِيْشَةٌ ) . فقالَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ : { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا } ؛ أي وَكَمْ من دابَّةٍ في الأرضِ ؛ وهي كلُّ حيوان يدبُّ على الأرضِ مما يعقل ومما لا يعقلُ . والمعنى : كَم مِن نفسٍ دابَّةٍ لا تحملُ رزقَها ؛ أي لا ترفعُ رزقَها معها ولا تَدَّخِرُ شيئاً لِغَدٍ ، { ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا } ؛ حيثُ توجَّهت ، { وَإِيَّاكُمْ } ؛ يرزقُكم إن أُخرِجتُم إلى المدينةِ ، وإنْ لَم يكن لكم زادٌ ولا نفقةٌ . قال سفيانُ : ( وَلَيْسَ شَيْءٌ مِمَّا يُخَبئُ وَيَدَّخِرُ إلاَّ الإنْسَانُ وَالْفَأْرُ وَالنَّمْلَةُ وَالْغُرَابُ عَلَى مَا قِيْلَ ) . وَقِيْلََ : " إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ لِلْمُؤْمِنِيْنَ الَّذِيْنَ كَانُوا بمَكَّةَ وَقَدْ آذاهُمُ الْمُشْرِكُونَ : " أُخْرُجُوا إلَى الْمَدِيْنَةِ وَهَاجِرُواْ ، وَلاَ تُجَاورُواْ الظَّلَمَةَ فِيْهَا " فَقَالُواْ : يَا رَسُولَ اللهِ ! كَيْفَ نَخْرُجُ إلَى الْمَدِيْنَةِ وَلَيْسَ لَنَا بهَا عَقَارٌ وَلاَ مَالٌ ، فَمَنْ يُطْعِمُنَا وَيَسْقِيْنَا ؟ " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ { وَكَأَيِّن مِّن دَآبَّةٍ لاَّ تَحْمِلُ رِزْقَهَا ٱللَّهُ يَرْزُقُهَا وَإِيَّاكُمْ } يُوماً بيومٍ ؛ أي يرزقُ مَن يحملُ ومَن لا يحملُ ، فكم مِن دابَّةٍ لا تجمعُ رزقَها لغدٍ ، ولا يقدرُ على حملِ رزقِها لضَعْفِها ، اللهُ يرزقها وإيَّاكم ، { وَهُوَ ٱلسَّمِيعُ ٱلْعَلِيمُ } ؛ أي السَّميعُ لأقوالِهم : نَخشَى إنْ فارَقْنا أوطَاننا العِيْلَةَ ، الْعَلِيْمُ بما في قُلوبهم ونُفوسِهم ، فلا يتركُوا عبادةَ الله بسبب الرِّزق ، ولا يهتَمُّوا لأجلِ ذلك .