Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 128-128)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عزَّ وَجَلَّ : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أَوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإِنَّهُمْ ظَالِمُونَ } ؛ وذلك أنهُ لَمَّا شُجَّ النبي صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ وكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ ، وَقُتِلَ سبعونَ من أصحابهِ ، جعلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عن وجههِ وهو يقول : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ فَعَلُواْ هَذا بنَبيِّهِمْ ، وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبهِمْ " وَهَمَّ أن يلعنَهم ويلعنَ الذين انصرفُوا مع عبدِالله بن أبي سَلولٍ ، فأنزلَ اللهُ هذه الآيةِ ينهَاهُ عن اللَّعْنِ ، وبَيَّنَ أنَّ فَلاحهُم ليسَ إليه وأنه ليسَ له من الأمرِ شيءٌ إلاّ أن يُبَلِّغَ الرسالةَ ويُجاهدَ حتى يظهرَ الدينُ . قال عكرمةُ وقتادة : " أدْمَى رَجُلٌ مِنْ هُذيْلٍ يُقَالُ لَهُ عَبْدُاللهِ بْنُ قَمِئَةَ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أُحُدٍ ؛ فَدَعَا عَلَيْهِ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَسَلَّطَ اللهُ عَلَيْهِ تَيْساً فَنَطَحَهُ حَتَّى قَتَلَهُ . وَشَجَّ عُتْبَةُ بْنُ أبي وَقَّاصٍ وَجْهَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَكَسَرَ رُبَاعِيَّتَهُ ؛ فَدَعَا رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَيْهِ فَقَالَ : " اللَّهُمَّ لاَ يَحُولُ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى يَمُوتَ كَافِراً " قَالَ : فَمَا حَالَ عَلَيْهِ الْحَوْلُ حَتَّى مَاتَ كَافِراً " ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . وقال الكلبيُّ : ( لَمَّا شُجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَوْمَ أحُدٍ وَأصِيْبَتْ رُبَاعِيَّتُهُ ؛ هَمَّ أنْ يَلْعَنَ الْمُشْرِكِيْنَ وَيَدْعُو عَلَيْهِمْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ لِعِلْمِهِ أنَّ كَثِيْراً مِنْهُمْ سَيَتُوبُونَ ) . يدلُّ عليهِ ما روَى أنسُ أنه قالَ : لَمَّا كَانَ يَوْمَ أحُدٍ شُجَّ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فِي قَرْنِ حَاجِبهِ ، وَكُسِرَتْ رَبَاعِيَّتُهُ ، وَجُرِحَ فِي وَجْهِهِ ، فَجَعَلَ يَمْسَحُ الدَّمَ عَنْ وَجْهِهِ ، وَسَالِمُ مَوْلَى أبي حُذَيْفَةَ يَغْسِلُ عَنْ وَجْهِهِ الدَّمَ وَرَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " كَيْفَ يُفْلِحُ قَوْمٌ خَضَّبُواْ وَجْهَ نَبيِّهِمْ بالدَّمِ وَهُوَ يَدْعُوهُمْ إلَى رَبِهمْ " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . وقال سعيدُ بن المسيَّب : لَمَّا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " اشْتَدَّ غَضَبُ اللهِ عَلَى مَنْ أدْمَى وَجْهَ نَبيِِّهِ وَعَلَتْ عَالِيَةٌ مِنْ قُرَيْشٍ عَلَى الْجَبَلِ ، فَقَالَ عليه السلام : " لاَ يَنْبَغِي لَهُمْ أنْ يَعْلُونَا " فَأَقْبَلَ عُمَرُ رضي الله عنه وَرَهْطٌ مِنَ الأَنْصَار حَتَّى أهْبَطُوهُمْ مِنَ الْجَبَلِ ، وَنَهَضَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم إلَى صَخْرَةٍ لِيَعْلُوهَا وَقَدْ ظَاهَرَ بَيْنَ دِرْعَيْنِ فَلَمْ يَسْتَطِعْ ، فَجَلَسَ تَحْتَهُ طَلْحَةُ ، فَنَهَضَ حَتَّى اسْتَوَى عَلَيْهَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أوْجَبَ طَلْحَةُ " " . وَوَقَفَتْ هِنْدُ وَالنِّسْوَةُ اللاَّتِي مَعَهَا يُمَثِّلْنَ بالْقَتْلَى مِنْ أصْحَاب رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَجْذعْنَ الآذانَ وَالأُنُوفَ حَتَّى اتَّخَذتْ هِنْدُ مِنْ ذلِكَ قَلاَئِدَ وَأعْطَتْهَا وَحْشِيّاً ، وَبَقَرَتْ عَنْ كَبدِ حَمْزَةَ رضي الله عنه فَلاَكَتْهَا ؛ فَلَمْ تَسْتَطِعْ فَلَفَظَتْهَا ثُمَّ عَلَتْ صَخْرَةً مُشْرِفَةً ؛ فَصَرَخَتْ ثُمَّ قَالَتْ : @ نَحْنُ جَزَيْنَاكُمْ بيَوْمِ بَدْر وَالْحَرْبُ بَعْدَ الْحَرْب ذاتُ سُعْرِ مَا كَانَ عَنْ عُتْبَةَ لِي مِنْ صَبْرِ وَلاَ أخِي وَعَمِّهِ وَبكْرِي شَفَيْتَ صَدْري وَقَضَيْتَ نَذْري شَفَيْتَ وَحْشِيُّ غَلِيْلَ صَدْري @@ فَلَمَّا رَأَى رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَالْمُسْلِمُونَ مَا نَزَلَ بأصْحَابِهِمْ مِنْ جَذْعِ الآذانِ وَالأُنُوفِ ، وَقَطْعِ الْمَذاكِيْرِ ؛ قَالُواْ : لَئِنْ أنَالَنَا اللهُ فِيْهِمْ لَنَفْعَلَنَّ مِثْلَ مَا فَعَلُواْ ؛ وَلَنُمَثِّلَنَّ مُثْلَةً بهِمْ لَمْ يُمَثِّلْهَا أحَدٌ قَطْ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ . وقال عطاءُ : " أقامَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَعْدَ أُحُدٍ يَدْعُو عَلَى بَطْنٍ مِنْ هُذيْلٍ يُقالُ لَهُمْ بَنِي لَحْيَانَ ، وَعَلَى بَطْنٍ مِنْ سُلَيْمٍٍ يُقَالُ لَهُمْ رَعْلٌ وَذكْوَانُ ، وَكَانَ يَقُولُ : " اللَّهُمَّ اشْدُدْ وَطْأَتَكَ عَلَى مُضَرَ ، وَاجْعَلْهَا عَلَيْهِمْ سِنِيْنَ كَسِنِيْنِ يُوسُفَ " فَقُحِطُواْ حَتَّى أكَلُواْ أوْلاَدَهُمْ ، وَأكَلُواْ الْمَيْتَةَ وَالْعِظَامَ الْمُحَرَّقَةَ ، " ثُمَّ أنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ . وعن أبي سَالِمٍ قَالَ : ( قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " اللَّهُمَّ الْعَنْ أبَا سُفْيَانَ ، اللَّهُمَّ الْعَنِ الْحَارثَ بْنَ هِشَامٍ ، اللَّهُمَّ الْعَنْ صَفْوَانَ بْنَ أمَيَّةَ " فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } فَأَسْلَمُواْ وَحَسُنَ إسْلاَمُهُمْ ) . ومعنى قولهِ { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } أي ليسَ إليكَ من الأمرِ بهواكَ شيءٌ ، وقد تكون اللاَّمُ بمعنى ( إلى ) ، كقولهِ تعالى : { مُنَادِياً يُنَادِي لِلإِيمَانِ } [ آل عمران : 193 ] أي إلى الإيْمَانِ ، وقولهُ : { ٱلَّذِي هَدَانَا لِهَـٰذَا } [ الأعراف : 43 ] ونحوهُ . وقال بعضُهم : قوله : { لَيْسَ لَكَ مِنَ ٱلأَمْرِ شَيْءٌ } اعتراضٌ بين الكلامِ ؛ وتقديرُ الآيةِ : لِيَقْطَعَ طَرَفاً مِنَ الَّذِينَ كَفَرُوا أوْ يَكْبتَهُمْ أوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ أوْ يُعَذِّبَهُمْ فَإنَّهُمْ ظَالِمُونَ ؛ لَيْسَ لَكَ مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ ، وهذا وجهٌ حسنٌ . وقال بعضُهم : ( أوْ بمعنى ( حتَّى ) . وقال بعضُهم : نُصِبَ بإضمار ( أنْ ) تقديره : أو أنْ يتوبَ عليهِم .