Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 140-140)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { إِن يَمْسَسْكُمْ قَرْحٌ فَقَدْ مَسَّ ٱلْقَوْمَ قَرْحٌ مِّثْلُهُ } ؛ أي إنْ يَمْسَسْكُمْ قَرْحُ يومِ أُحُد فَقَدْ مَسَّ الْقَوْمَ قَرْحٌ مِثْلُهُ يَوْمَ بَدْرٍ ، وذلكَ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم وأصحابَه كانوا قَتَلُواْ من المشركين يَوْمَ بدرٍ سبعونَ رجُلاً وأسَرُوا سبعينَ ، وقُتِلَ يومَ أُحُدٍ مِن أصحاب النبيِّ صلى الله عليه وسلم سبعونَ وجُرِحَ سبعونَ . وقرأ مُحَمَّدُ بن السُّمَيْقَعِ ( قَرَحٌ ) بفتحِ القاف والراءِ على المصدر . وقرأ الأعمشُ وعاصم وحمزةُ والكسائيُّ وخلفُ : بضمِّ القاف فيهما ؛ وهي قراءةُ ابنِ مسعودٍ . وقرأ الباقون بفتحِ القاف وهي قراءةُ عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا ، وهما لُغَتَانِ مثلُ الْجَهْدِ وَالْجُهْدِ ، وقال بعضهم : ( الْقَرْحُ ) بفتح القاف : الجِرَاحَاتُ واحدتُها قَرْحَةٌ ، و ( الْقُرْحُ ) بالضمِّ وجعٌ ، يقالُ قُرِحَ الرجلُ إذا وُجِعَ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } ؛ أي تارةً لَهم وتارةً عليهم ، وأدَالَ المسلمونَ على المشركينَ يومَ بدرٍ ، حتى قَتَلُوا منهم سبعينَ وأسَرُوا سبعين ، وأدَالَ المشركون يوم أحُدٍ ، حتى جَرَحُوا سبعين وقَتَلُوا خمسةً وسبعين . قال أنسُ بن مالكٍ رضي الله عنه : ( أتِيَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بِعَلِيٍّ رضي الله عنه يَوْمَئِذٍ ، وَعَلَيْهِ نيِّفٌ وَسِتُّونَ جِرَاحَةً مِنْ طَعْنَةٍ وضَرْبَةٍ وَرَمْيَةٍ ، فَجَعَلَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَمْسَحُهَا بيَدِهِ وَهِيَ تَلْتَئِمُ بإذْنِ اللهِ فَكَأَنَّهَا لَمْ تَكُنْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } ؛ بَيَّنَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ المعنَى الذي لأجلهِ يُدَاولُ الأيَّامَ بين المؤمنين والكفَّار ، فقالَ { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ } معناهُ : لِيَرَى من يُقِيْمُ على الإيْمانِ مِمَّن لا يقيمُ ؛ فيظهرُ المؤمنُ المخلِصُ ؛ والذي في قَلْبهِ مَرَضٌ . وقال الزجَّاج : ( مَعْنَاهُ : لِيْعَلْمَ اللهُ عِلْمَ مُشَاهَدَةٍ بَعْدَ مَا كَانَ عِلْمُهُ عِلْمَ الْغَيْب ؛ لأنَّ الْعِلْمَ الَّذِي عَلِمَهُ اللهُ قَبْلَ وُقُوعِ الشّيْءِ لاَ يَجِبُ بهِ الْمُجَازَاةُ مَا لَمْ يَقَعْ ) . وأما الواوُ في قولهِ : { وَلِيَعْلَمَ } : واوُ العطفِ على خبرٍ محذوف ؛ تقديرهُ : { وَتِلْكَ ٱلأَيَّامُ نُدَاوِلُهَا بَيْنَ ٱلنَّاسِ } بضروبٍ من التَّدبيرِ ، { وَلِيَعْلَمَ ٱللَّهُ } المؤمنينَ مُتَمَيِّزِيْنَ من المنافِقينَ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَتَّخِذَ مِنكُمْ شُهَدَآءَ } ؛ أي يُكْرِمُهُمْ بالشَّهادةِ ، وقال بعضُهم : معناهُ : ويجعلَكُم شهداءَ على الناسِ على معاصِيهم لإجلالِكُم وتعظِيمكُم ، ثم قالَ تعالى : { وَٱللَّهُ لاَ يُحِبُّ ٱلظَّالِمِينَ } ؛ أي لا يفعلُ اللهُ ذلك لِحُب الظالمين ، فإنهُ لا يُحِبُّ الظالمينَ ، وفي هذا بيانُ أنَّ اللهَ لا ينصرُ الكافرين على المسلمين ، إذِ النُّصْرَةُ تدلُّ على الْمَحَبَّةِ ، واللهُ لا يحبُّ الكُفَّارَ ، ولكنْ قد ينصرُ المسلمينَ في بعض الأوقاتِ على الكفَّار ، وفي بعضِ الأوقات يَكِلُ المسلمينَ إلى حَوْلِهِمْ وَقُوَّتِهِمْ لذنبٍ كان حصلَ منهم ، وإنَّما جعلَ اللهُ الدُّنيا مُتَقَلِبَةً لئلاَّ يَطْمَئِنَّ المسلمون إليها لِتَقَلُّبهَا ، ولكنهم يسعونَ للآخرة الَّتي يكونُ نعيمُها إلى الأبدِ .