Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 154-154)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ أَمَنَةً نُّعَاساً } ؛ الآيةُ ؛ وذلك أنَّهُ لَمَّا افْتَرَقَ الْفَرِيْقَانِ ؛ " بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلِيّاً رضي الله عنه فِي إثْرِ الْمُشْرِكِيْنَ وَقَالَ لَهُ : " انْظُرْ ؛ فَإنْ هُمْ جَنَبُواْ الْخَيْلَ وَرَكِبُواْ الإبلَ فَهُمْ يُرِيدُونَ مَكَّةَ ، وَإنْ رَكِبُواْ الْخَيْلَ وَسَاقُواْ الإبلِ فَهُمْ يُرِيْدُونَ الْمَدِيْنَةَ " . فَخَرَجَ عَلِيٌّ فِي إثْرِهِمْ فََإذا هُمْ رَكِبُواْ الإبلَ وَقَادُواْ الْخَيْلَ ، فَرَجَعَ عَلِيٌّ رضي الله عنه وَأَخْبَرَ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم : سَمِعْتُهُمْ يَقُولونَ إنَّا قَدِ اْجتَمَعْنَا لِنُحَاربَ ثَانِياً ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " كَذبُواْ ؛ فَإنَّهُمْ أرَادُوا الإنْصِرَافَ إلى مَكَّةَ " " فَكَانَ كَمَا قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم وَأَمِنَ الْمُسْلِمُونَ ، وأَلْقَى اللهُ عَلَيْهِمُ النَّوْمَ ؛ فَمَا بَقِيَ مِنْهُمْ أحَدٌ إلاَّ وَقَدْ ضَرَبَ ذقْنَهُ صَدْرَهُ ؛ إلاَّ مُعَتَّبَ بْنَ قُشَيْرٍ وَأصْحَابَهُ الَّذِيْنَ كَانُواْ يَشُكُّونَ فِي أمْرِ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم ؛ لَمَّا عَلِمَ اللهُ مِنْ بَاطِنِهِمْ خِلاَفَ مَا عَلِمَ مِنْ بَاطِنِ الْمُؤْمِنِيْنَ مَنَعَهُمْ مَا أَعْطَى الْمُؤْمِنِينَ ؛ فَتَرَدَّدُواْ فِي الْخَوْفِ عَلَى أنْفُسِهِمْ وَسُوءِ الظَّنِّ برَبهِمْ ؛ يَئِسُواْ مِنْ نَصْرِهِ وَشَكُّوا فِي صَادِقِ وَعْدِهِ وَصَادِقِ عَهْدِهِ . ومعنى الآية : { ثُمَّ أَنزَلَ عَلَيْكُمْ مِّن بَعْدِ ٱلْغَمِّ } الذي كنتُم فيه أمْناً . قوله : { نُّعَاساً } بدلٌ مِن { أَمَنَةً } أي أمَّنَكُمْ أمَناً تَنَامُونَ معهُ ؛ لأنَّ الْخَائِفَ لا ينامُ ، ومِن هنا قالَ ابنُ مسعود رضي الله عنه : ( النُّعَاسُ فِي الصَّلاَةِ مِنَ الشَّيْطَانِ ، وَفِي الْقِتَالِ مِنَ الرَّحْمَنِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يَغْشَىٰ طَآئِفَةً مِّنْكُمْ } ؛ قرأ الأعمشُ وحمزة والكسائيُّ وخلفُ : ( تَغْشَى ) بالتاء ؛ ردُّوه إلى الأمَنَةِ ، وقرأ الباقونَ بالياءِ ؛ ردُّوه إلى النُّعاسِ ؛ لأن النعاسَ يلي الفعلَ ، فالتذكيرُ أوفَى منهُ مِمَّا بَعُدَ منهُ ، وهذا قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَلَمْ يَكُ نُطْفَةً مِّن مَّنِيٍّ يُمْنَىٰ } [ القيامة : 37 ] بالياء والتَّاء ، والمراد بالطائفةِ التي غَشِيَهُمُ النُّعاسُ أهلُ الصدقِ واليقين . قال أبو طَلْحَةَ رضي الله عنه : ( رَفَعْتُ رَأَسِي يَوْمَ أُحُدٍ ؛ فَجَعَلْتُ مَا أرَى أحَداً مِنَ النَّاسِ إلاَّ وَهُوَ يَمِيلُ تَحْتَ حَجَفَتِهِ مِنَ النُّعَاسِ ) قالَ أبو طلحةَ : ( كُنْتُ مِمَّنْ أنْزَلَ اللهُ عَلِيْهِ النُّعَاسَ يَوْمَئِذٍ ؛ وَكَانَ السَّيْفُ يَسْقُطُ مَنْ يَدِي ثُمَّ آخُذُهُ ؛ ثُمَّ يَسْقُطُ مَنْ يَدِي ثُمَّ آخُذُهُ ) . والمرادُ بقولهِ تعالى : { وَطَآئِفَةٌ قَدْ أَهَمَّتْهُمْ أَنْفُسُهُمْ } ؛ المنافقونَ : مُعَتِّبُ ابْنُ قُشَيْرٍ وأصحابُه أمَرَتْهُمْ أنفسُهم وحملتْهُم على الغمِّ ، يقالُ لكلِّ مَن خَافَ وَحَزُنَ فِي غيرِ موضعِ الْحُزْنِ والخوفِ : أهَمَّتْهُ نَفْسُهُ . قَوْلُهُ : { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } ؛ يعني هذه الطائفةَ التي قد أهَمَّتْهُمْ أنفسُهم ؛ يَظُنُّونَ باللهِ أنْ لا ينصرَ مُحَمَّداً وأصحابَه ، وقيل : ظَنُّوا أنَّ مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم قد قُتِلَ ، وقَوْلُهُ تَعَالَى : { ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } أي كَظَنِّ أهلِ الجاهليَّةِ والشِّركِ ، وقيل : كَظَنِّهِمْ في الجاهليَّة ، { يَقُولُونَ هَل لَّنَا مِنَ ٱلأَمْرِ مِن شَيْءٍ } ؛ أي مَا لَنَا مِن الأمرِ من شيءٍ ، لفظةُ استفهامٍ ومعناها : الْجَحْدُ ؛ يعنون النَّصْرَ . وقيل : معناهُ : هل نَطْمَعُ أن يكونَ لنا شيءٌ من الظَّفَرِ والدولةِ . وقيل : معناهُ : لو كانَ الأمرُ إلينا ما خرجنَا ، ولكن أخْرِجْنَا إلى القتالِ مُكْرَهِيْنَ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ } ، لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ : { إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } ، إن النَّصرَ والظَّفَرَ والدولةَ كلُّ ذلك للهِ عَزَّ وَجَلَّ . مَنْ نصبَ ( كُلَّهُ ) جعلَهُ توكيداً للأمرِ ، ومن رَفَعَهُ جعلهُ خبر ( إنَّ ) . قرأ أبو عمرٍو ويعقوبُ ( كُلُّهُ ) بالرفعِ على الإبتداء ؛ وخبرُه ( للهِ ) ، وهذا المبتدأ وخبره خبرٌ لـ ( إنَّ ) . وقرأ الباقون بالنَّصب . وروى الضحَّاك عن ابن عبَّاس في قولهِ { يَظُنُّونَ بِٱللَّهِ غَيْرَ ٱلْحَقِّ ظَنَّ ٱلْجَٰهِلِيَّةِ } : ( يَعْنِي التَّكْذِيْبَ بالْقَدَر ) لأنَّهم تكلَّموا بالقدر فقالَ اللهُ تعالى : { قُلْ إِنَّ ٱلأَمْرَ كُلَّهُ للَّهِ } يعني القدَرَ خيرَه وشرَّه من اللهِ ؛ وهو قولُهم : ( لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ الأَمْرِ شَيْءٌ مَا قُتِلْنَا هَا هُنَا ) . وذلك أنَّ المنافقينَ قال بعضُهم لبعضٍ : لو كان لنا عقولٌ ما خرجنا مع مُحَمَّدٍ لقتالِ أهل مكَّة ؛ ولم يُقْتَلْ رؤسَاؤُنا ، فقال اللهُ : ( قُلْ ) لهم : { لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ } أي لَخَرَجَ الذينَ قُضِيَ عليهم القتلُ { إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } إلى مصارعِهم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { يُخْفُونَ فِيۤ أَنْفُسِهِم مَّا لاَ يُبْدُونَ لَكَ } ؛ أي المنافقون يُسِرُّونَ ويضمِرونَ في قلوبِهم ما لا يظهرون لكَ بألسِنَتِهم ؛ { يَقُولُونَ } ؛ سِرّاً : { لَوْ كَانَ لَنَا مِنَ ٱلأَمْرِ } ، من النَّصْرِ والدولة ، { شَيْءٌ } ، وكان دينُ مُحَمَّدٍ حقّاً ، { مَّا قُتِلْنَا هَٰهُنَا } ، ما قُتِلَ أصحابُنا هنا في اتِّباعِهِ . وقيل : معناهُ : لو لم يُخْرِجْنَا رؤساؤُنا إلى الحربِ { مَا قُتِلْنَا } . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُل لَّوْ كُنتُمْ فِي بُيُوتِكُمْ } ؛ أي قُلْ للمنافقين : لو تخلَّفتم أنتُم في بيوتِكم ، { لَبَرَزَ ٱلَّذِينَ كُتِبَ عَلَيْهِمُ ٱلْقَتْلُ إِلَىٰ مَضَاجِعِهِمْ } ؛ لَخَرَجَ الذينَ كُتِبَ عليهم القَتْلُ إلى مصارعِهم ومواضِعِ قَتْلِهِمْ لا محالةَ لنفوذِ قضاءِ الله . ويقالُ : معناهُ : لو كنتُم في بيوتِكُم لَمَا أخطأَكُم ما كُتِبَ عليكُم . وقيل : معناهُ : لو كنتُم أيُّها المنافقين في بيوتِكم لَبَرَزَ الذينَ فُرِضَ عليهم القتالُ وهم المؤمنونَ المخلصونَ إلى مواضعِ القتالِ صابرينَ محتسبين . قرأ أبو عَبْلَةَ : لَبُرَّزَ بضمِّ الباء وتشديدِ الراءِ . قرأ قتادةُ : ( الْقِتَالُ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلِيَبْتَلِيَ ٱللَّهُ مَا فِي صُدُورِكُمْ وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } ؛ أي وَلِيَخْتَبرَ اللهُ ويُظْهِرَ ما في قلوبكم بأعمالكم ؛ لأنهُ عَلِمَهُ غيباً فيعلمُه مشاهدةً . ومعنى { وَلِيُمَحِّصَ مَا فِي قُلُوبِكُمْ } أي يُبَيِّنَ ما في قلوبكم ، فيُذَهبَ نفاقَ من شاءَ منكم ، { وَٱللَّهُ عَلِيمٌ بِذَاتِ ٱلصُّدُورِ } ؛ أي بما في القلوبِ من خيرٍ وشرِّ .