Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 159-159)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَبِمَا رَحْمَةٍ مِّنَ ٱللَّهِ لِنتَ لَهُمْ } ؛ أي فَبرَحْمَةٍ عظيمةٍ مِن الله لِنْتَ لَهم حتى صار لِيْنُكَ لَهُمْ سَبَباً لِدخولِهم في الدِّينِ ؛ لأنه صلى الله عليه وسلم أتاهُم بالحُجَجِ والبَرَاهِيْنِ مع لِيْنٍ وخُلُقٍ عظيمٍ ، ولِهذا قالَ صلى الله عليه وسلم : " إنَّمَا أنَا لَكُمْ مِثْلَ الْوَالِدِ لِوَلَدِهِ " و ( مَا ) في قولهِ زائدةٌ لا يَمْنَعُ الباءُ من عملِها ، مثلَ قولِهِم { فَبِمَا نَقْضِهِم مِّيثَاقَهُمْ } [ النساء : 155 ] قال بعضُهم : يُحتمل أن تكونَ ( مَا ) استفهاميةٌ للتعجُّب ؛ تقديرهُ : فَبمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللهِ سَهُلَتْ لَهُمْ أخْلاَقُكَ وكثرَةُ احتمالِكَ ؛ فلم تَغْضَبْ عليهم فيما كان منهم يومَ أحُدٍ . قولهُ : { وَلَوْ كُنْتَ فَظّاً غَلِيظَ ٱلْقَلْبِ لاَنْفَضُّواْ مِنْ حَوْلِكَ } ؛ أي لو كنتَ يا مُحَمَّدُ خَشِناً في القولِ سَيِّءَ الْخُلُقِ قَاسِيَ القلب لتفرَّقُوا من حولِكَ ، فلم تَرَ منهُم أحداً ، ولكنَّ اللهَ جعلَكَ سَمحاً سَهْلاً طَلْقاً لَطِيْفاً لَيِّناً بَرّاً رَحِيْماً . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَٱعْفُ عَنْهُمْ وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } ؛ أي فَاعْفُ عَنْهُمْ مَا أتَوْهُ يومَ أحُدٍ ؛ وتَجَاوَزْ عنهُم الجريْمةَ التي تكونُ بينَكَ وبينَهم ، وكانوا عَصَوِا النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم في تركِ المركزِ ، وتركِ الآية لِدَعْوَتِهِ : [ ارْجِعُوا ارْجِعُوا ] ، فَنَدَبَ اللهُ النبيَّ صلى الله عليه وسلم إلى العَفْوِ عنهُم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱسْتَغْفِرْ لَهُمْ } أي في الذنب الذي يكونُ منهم حتى أُشَفِّعَكَ فيهِم . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَشَاوِرْهُمْ فِي ٱلأَمْرِ } ؛ أي إذا أردتَ أن تعملَ عملاً مِمَّا لم يكن عندكَ فيه وحيٌ فَشَاورْهُمْ فيهِ ، وَاعْمَلُ أبداً بتدبيرِهم ومشورتِهم ، وكانَ صلى الله عليه وسلم مُسْتَغْنِياً عن مشورتِهم ، فإنَّهُ كان أرشدَهم وأكملَهم رأياً ، لكنَّ الله إنَّما أمرهُ بالْمُشَاوَرَةِ لِتَقْتَدِيَ بهِ الأُمَّةُ ، وليكونَ فيه تطييبٌ لنفوسِ المؤمنينَ ، ورفعٌ لأقدارهم وثناءٌ عليهم . قال مقاتلُ وقتادة : ( كَانَتْ سَادَاتُ الْعَرَبِ إذا لَمْ يُشَاوَرُواْ فِي الأَمْرِ شُقَّ عَلَيْهِمْ ، فَأُمِرَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بمُشَاوَرَتِهِمْ فِي الأَمْرِ ؛ فَإنَّهُ أطْيَبُ لأَنْفُسِهِمْ ، وَإذا شاوَرُاْ عَرَفُواْ إكْرَامَهُ لَهُمْ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَإِذَا عَزَمْتَ فَتَوَكَّلْ عَلَى ٱللَّهِ } ؛ أي أعْزَمْتَ على شيءٍ فَثِقْ باللهِ ، وفَوِّضْ إليه ولا تَتَّكِلْ على مشورتِهم ، { إِنَّ ٱللَّهَ يُحِبُّ ٱلْمُتَوَكِّلِينَ } ؛ عَلَى اللهِ . واختلفَ العلماءُ في معنى التَّوَكُّلِ ، فقال سهلُ بن عبدِالله : ( أوَّلُ مَقَامِ التَّوَكُّلِ : أنْ يَكُونَ الْعَبْدُ بَيْنَ يَدَي اللهِ كَالْمَيِّتِ بَيْنَ يَدَي الْغَاسِلِ ، يُقَلِّبُهُ كَيْفَ يَشَاءُ ، وَالرَّجَاءُ لاَ يَكُونُ لَهُ حَرَكَةٌ وَلاَ تَدْبيرٌ ، وَالْمُتَوَكِّلُ لاَ يَسْأَلُ وَلاَ يَرُدُّ وَلاَ يَحْبسُ ) . وقال إبراهيمُ الخوَّاص : ( التَّوَكُّلُ إسْقَاطُ الْخَوْفِ وَالرَّجَاءِ مِمَّا سِوَى اللهِ ) . قال بعضُهم : المتوكِّلُ الذي إذا أعْطِيَ شَكَرَ ، وإذا مُنِعَ صَبَرَ ، وَأن يكونَ العطاءُ والمنعُ عندَه سواءٌ ، والمنعُ مع الشُّكْرِ أحبُّ إليه لِعِلْمِهِ باختيار اللهِ ذلكَ . وقال ذُو النُّونُ : ( التَّوَكُّلُ إنْقِطَاعُ الْمَطَامِعِ مِمَّا سِوَى اللهِ ) ، وقالَ : ( هُوَ مَعْرِفَةُ مُعْطِي أرْزَاقِ الْخَلاَئِقِ ، وَلاَ يَصُحُّ لأَحَدٍ حَتَّى تَكُونَ السَّمَاءُ عِنْدَهُ كَالصِّفْرِ ؛ وَالأَرْضُ كَالْحَدِيْدِ ؛ لاَ يَنْزِلُ مِنَ السَّمَاءِ مَطَرٌ ؛ وَلاَ يَخْرُجُ مِنَ الأَرْضِ نَبَاتٌ ، وَيَعْلَمُ أنَّ اللهَ لاَ يَنْسَى لَهُ مَا ضَمِنَ مِنْ رزْقِهِ بَيْنَ هَذيْنِ ) . قال بعضُهم : حَسْبُكَ من التوكُّلِ أن لا تطلُبَ لنفسكَ ناصراً غيرَ اللهِ ؛ وأن تُقْبلَ بالكليَّة على ربكَ ، وتُعْرِضَ عمَّن دونَهُ . وقال الثوريُّ : ( إنَّ تَيَقَّنَ تَدْبيْرَكَ فِي تَدْبيْرِهِ ، وَتَرْضَى باللهِ وَكِيْلاً وَمُدَبراً ) . وقالَ بعضُهم : هو السُّكونُ عن الحركاتِ اعتماداً على خَالِقِ السَّموات . وقيلَ لَحَاتِمِ الأصمِّ : عَلَى مَا بَنَيْتَ أمْرَكَ هَذا مِنَ التَّوَكُّلِ ؟ قَالَ : ( عَلَى أرْبَعِ خِصَالٍ ؛ عَلِمْتُ أنَّ رِزْقِي لَيْسَ يَأَكُلُهُ غَيْرِي ؛ فَلَسْتُ أشْتَغِلُ بهِ ، وَعَلِمْتُ أنَّ عَمَلِي لَيْسَ يَعْمَلُهُ غَيْرِي فَأَنَا مَشْغُولٌ بهِ ، وَعَلِمْتُ أنَّ الْمَوْتَ يَأْتِيْنِي بَغْتَةً فَأَنَا أُبَادِرُهُ ، وَعَلِمْتُ أنِّي بعَيْنِ اللهِ فِي كُلِّ حَالٍ فَأَنَا أسْتَحِي مِنْهُ ) .