Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 40-40)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { قَالَ رَبِّ أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ قَالَ كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } ؛ معناهُ : قال زكريَّا لجبريلَ حين سَمع البشارة يا سيِّدي كيفَ يكونُ لي غلامٌ وقد أدركَنِي الْهَرَمُ وامرأتِي ذاتُ عُقْرٍ لا تلدُ ، قالَ له جبريلُ مثلَ ذلك ( يفعلُ اللهُ مَا يَشاءُ ) ؛ أي الذي شَاءَهُ . وقال بعضُهم : أرادَ زكريَّا بالرب اللهَ عَزَّ وَجَلَّ ؛ أي قالَ يا رب كيفَ يكونُ لي غلامٌ . قال الكلبيُّ : ( كَانَ زَكَرِيَّا يَوْمَ بُشِّرَ بالْوَلَدِ ابْنَ تِسْعِيْنَ سَنَةً ) . وقيلَ : ابنَ تسعٍ وتسعينَ سنةً . وروى الضحَّاك عنِ ابن عبَّاس : ( أنَّهُ كَانَ ابْنَ مِائَةٍ وَعِشْرِيْنَ سَنَةً ) . وكانتِ امرأتُه بنتَ ثَمانِي وتسعينَ سنةً ، فذلكَ قَوْلُهُ تَعَالَى حاكياً عنه : { وَٱمْرَأَتِي عَاقِرٌ } أي عقيمٌ لا تَلِدُ . يقال : رجلٌ عَاقِرٌ وامرأةٌ عَاقِرٌ ، وقد عَقُرَ بضَمِّ القافِ يَعْقُرُ عُقْراً ، ويقالُ : تكلَّمَ فلانٌ حتى عُقِرَ بكسرِ القافِ ؛ إذا بَقِيَ لا يقدرُ على الكلامِ ، وإنَّما حذفَ ( الهاءَ ) من عَاقِرٍ لاختصاصِ الآياتِ بهذه الصِّفة كما يقالُ امرأةٌ مُرْضِعٌ . وقَوْلُهُ تَعَالَى حاكياً عن زكريَّا : { وَقَدْ بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } هذا المقلوبُ ؛ أي وقد بَلَغْتُ الْكِبَرَ وَشِخْتُ ، فإن قيلَ : هل يجوزُ أن يقولَ الإنسانُ بَلَغَنَا الْبَلَدُ كما يقولُ بَلَغْتُ الْبَلَدَ ؟ قيل : لا يجوزُ ذلك بخلافِ قولهِ : { بَلَغَنِي ٱلْكِبَرُ } بمعنى بلغتُ الكبرَ ، والفرقُ بينهما أنَّ الكِبَرَ طالبٌ للإنسانِ لإتيانه عليه بحدوثهِ فيه ، والإنسانُ كالطالب للكِبَرِ لبلوغِه إيَّاه بمرور السنينِ والأعوامِ عليه ، وأمَّا البلدُ فلا يكونُ طالباً للإنسانِ ، كما يكونُ الإنسانُ طالباً للبلد . فإن قِيْلَ : كيفَ قال زكريَّا { أَنَّىٰ يَكُونُ لِي غُلاَمٌ } فاستبعدَ أن يعطيَه اللهُ ولداً على كِبَرِ السِّنِّ من امرأةٍ عاقرٍ بعدَما بشَّرتْهُ الملائكةُ بذلك ؟ قيل : لَم يكن هذا القولُ منه على جهةِ الاستبعاد ولكنْ من شأنِ من بُشِّرَ بما يتمنَّاهُ أن يحملَه فَرْطُ سُرُورهِ به على الزيادةِ في الاستكشافِ والاستثبَات ، كما يقولُ الإنسانُ إذا رأى شيئاً مِن الأمور العظيمة : كيفَ كان هذا ؟ ! على جهةِ الاستعظامِ لقدرةِ الله تعالى لا لِشَكٍّ في القدرة . وقيل : معناه : على أيِّ حال يكون الولدُ أيَرُدُّنِي اللهُ وامرأتِي إلى حالِ الشَّباب ، أم على هذهِ الحالةِ ؟ ! وقيلَ : معناهُ : أيَرْزُقُنِي اللهُ الولدَ من امرأتِي هذهِ أو من امرأةٍ غيرها شابَّة ؟ فقيلَ لهُ { كَذَلِكَ ٱللَّهُ يَفْعَلُ مَا يَشَآءُ } ؛ أي كإثْمار السَّعفة اليابسةِ ؛ يفعلُ الله ما يشاءُ .