Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 49-49)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَرَسُولاً إِلَىٰ بَنِيۤ إِسْرَائِيلَ } ؛ أي وَيَجْعَلَهُ بعدَ ثلاثين سنةً رسولاً إلى بني إسرائيلَ ؛ { أَنِّي قَدْ جِئْتُكُمْ بِآيَةٍ } ؛ بعلامةٍ ؛ { مِّن رَّبِّكُمْ } ؛ لِنُبُوَّتِي ، وقيلَ : { وَرَسُولاً } عطفاً على { وَجِيْهاً } . وكان أولُ أنبياءِ بني إسرائيلَ يوسُف عليه السلام وآخرَهم عيسى عليه السلام . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَنِيۤ أَخْلُقُ لَكُمْ مِّنَ ٱلطِّينِ كَهَيْئَةِ ٱلطَّيْرِ فَأَنفُخُ فِيهِ } ؛ قرأ نافعُ ( إنِّي ) بالكسرِ على الاستئناف وإضمار القولِ ، وقرأ الباقون بالفتحِ . ومعنى الآيةِ : أنِّي أقدرُ لكم من الطينِ صورةً كهيئة الطيرِ فأنفخُ في الطينِ كنفخِ النائم فيصيرُ طيراً يطيرُ بينَ السماء والأرضِ بأمرِ الله عَزَّ وَجَلَّ ، ويقرأ ( طَائِراً ) إلاَّ أنَّ هذا أحسنَ ؛ لأن الطائرَ يرادُ به الحالُ . قرأ الزهريُّ وأبو جعفرَ ( كَهَيَّةِ الطَّيْرِ ) بالتشديدِ ، وقرأ الآخرون بالهمزِ . وَالْهَيْئَةُ : الصورةُ الْمُهَيَّئَةُ من قولِهم : هَيَّأْتُ الشَّيْءَ إذا أصلحتُه . وقرأ أبو جعفر : ( كَهَيْئَةِ الطَّائِرِ ) بالألف . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَيَكُونُ طَيْراً بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ؛ قرأ عامَّة القرَّاء ( طَيْراً ) على الجمع لأنه يَخْلُقُ طيراً كثيرةً ، وقرأ أهلُ المدينة ( طَائِراً ) بالألفِ على الواحدِ ذهبوا إلى نوعٍ واحد من الطَّير لأنه لم يخلق إلاَّ الْخُفَّاشَ ، وإنَّما خَصَّ الْخُفَّاشَ لأنَّه أكملُ الطيرِ خَلْقاً ليكون أبلغَ في القدرةِ لأنَّ لها ثَدْياً وأسْنَاناً ؛ وهي تحيضُ وتطهرُ ، قال وهب : ( وَهِيَ تَطِيرُ مَا دَامَ النَّاسُ يَنْظُرُونَ إلَيْهَا ، فَإذا غَابَت عَنْ أعْيُنِهِمْ سَقَطَتْ ، ولأنَّهَا تَطِيرُ بغَيْرِ رِيْشٍ وتَلِدُ وَلاَ تَبيضُ ) . وروي أنَّهم ما قالوا لعيسى أخْلُقْ لَنَا خُفَّاشاً إلا مُتعنِّتين له ؛ لأجلِ مخالفته الطيورَ بهذه الأخبار التي ذكرنَاها . فلمَّا قالوا لهُ أخْلُقْ لنا خُفَّاشاً ؛ أخذ طيناً ونفخَ فيه فإذا هو خُفَّاشٌ يطيرُ بين السماء والأرض ، فقالوا : هذا سِحْرٌ ؛ فقال : أنا ؛ { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ وٱلأَبْرَصَ وَأُحْيِ ٱلْمَوْتَىٰ بِإِذْنِ ٱللَّهِ } ؛ فقالوا : إنَّ إبراءَ الأكمَهَ والأبرَصَ يفعلهُ أطبَّاؤُنا ، فذهبوا إلى جَالِينُوسَ فأخبروهُ بذلكَ ، فقالَ : إنَّ الَّذِي وُلد أعمى لا يبصرُ بالعلاجِ ، والأبرصُ الذي لو غَرِزَتْ إبرةٌ لا يخرج منه الدمُ لا يبرأ بالعلاجِ ، وإنْ كانَ يُحيي الموتَى فهو نبيٌّ . فجاؤُا بأكْمَهٍ وأبرَصِ فمسحَ عليهما فَبَرَءا ، فقالُوا : هذا سحرٌ ؛ فإنْ كنتَ صادقاً فأحيي الموتَى ، فأحيَا أربعةً من الموتى : الْعَازَرُ وكان صَدِيقاً له ، فأرسلَت أختُه إلى عيسى : أنَّ أخاكَ العازَرَ مَاتَ فأتاهُ ، وكان بينَهما مسيرةُ ثلاثةِ أيام ، فأتى هو وأصحابُه فوجدوه قد دُفِنَ منذُ ثلاثةِ أيَّام ؛ فقامَ على قبرهِ وقالَ : اللَّهُمَّ ربُّ السماواتِ السَّبع والأرضين السَّبع أحيْي العازَرَ مِن قبرهِ وودكه يقطر ، فخرجَ وبقيَ مدَّة طويلةً وَوُلِدَ لهُ . وأحيَا ابنَ العجوز ، مرَّ بهِ وهو على سريرٍ يُحمل على أعناقِ الرِّجال إلى المقابرِ ، ودعا اللهَ تعالى أن يجيبَه ، فجلسَ على سريرهِ وأنْزِلَ عن أعناق القوم ، ولبسَ ثيابَهُ وحَمَلَ السريرَ على عنقهِ ، ورجعَ إلى أهلهِ فبقيَ مدَّة ووُلِدَ له . وأحيا ابنةَ العَاشِرِ بعد موتِها بثلاثةِ ليالٍ ، فعاشَت مدَّة وَوَلَدَتْ . فقالوا لهُ : إنكَ تُحْيي مَن كان قريباً موتهُ ولعلَّهم لم يَمُوتُوا فأحيي لنا سَامَ بْنَ نُوحٍ ، فقال : دُلُّونِي على قبرهِ فدلُّوه ، فدعَا اللهَ تعالى أن يُحييه فخرجَ من قبرهِ ، فقال لهُ عيسى عليه السلام : مَنْ أنْتَ ؟ قالَ : سامُ بْنُ نُوحٍ ، قالَ : ومَنْ أنَا ؟ قال : عيسَى روحُ اللهِ وكَلِمَتُهُ ، قال : كَيْفَ شِبْتَ يا سامُ ولم يكن في زمانِكم شَيْبٌ ، قال : سَمِعْتُ صَوتاً يقولُ أجِبْ روحَ اللهِ فظننتُ أنَّ القيامةَ قد قامت فشَابَ رأسي مِنْ هَوْلِ ذلك ، وكان سامُ قد عاشَ خمسمائةَ سنةٍ ، وماتَ وهو شابٌّ ، فقال لهُ عيسى عليه السلام : يا سامُ أتُحِبُّ أن أسألَ اللهَ حتى تعيشَ معنا ؟ قال : لاَ ، قالَ : لِمَ لا ؟ قال : لأنَّ مرارةَ الموتِ لم تذهب من قَلْبِي إلَى الآن . وكان لهُ من يوم ماتَ أكثرُ من أربعةِ آلاف سنةٍ ثم ماتَ مكانه . فآمنَ بعيسى بعضُهم وكذبه بعضهم ، وقالوا : هذا سِحْرٌ ، فأخبرنا بأكْلِنا وادِّخارنا ، فكان يقولُ : أنتَ يا فلانُ أكلتَ كذا وادخرتَ كذا ، وأنتَ يا فلان أكلتَ كذا وادخرتَ كذا . فذلكَ قَوْلُهُ : { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ فِي بُيُوتِكُمْ } ؛ أي بما تأكلونَه وما تدفعوهُ في بيوتِكم حتى تأكلوهُ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُبْرِىءُ ٱلأَكْمَهَ } اختلفوا في الأَكْمَهِ ، قال مجاهدُ والضحَّاك : ( هُوَ الَّذِي يُبْصِرُ بالنَّهَار دُونَ اللَّيْلِ ) ، وقال ابنُ عبَّاس وقتادة : ( هُوَ الَّذِي وُلِدَ أعْمَى ولَمْ يُبصِرْ شَيْء قَطْْ ) . وقال الحسن والسدِّي : ( هُوَ الأعْمَى الْمَعْرُوفُ ) . ( وَالأَبْرَصَ ) : هُوَ الَّذِي بهِ وَضَحٌ . وقال وَهَبٌ : ( رُبَّمَا اجْتَمَعَ عَلَى عِيْسَى مِنَ الْمَرْضَى فِي الْيَوْمِ الْوَاحِدِ خَمْسُونَ ألْفاً مَنْ أطَاقَ مِنْهُمْ أنْ يَبْلُغَهُ بَلَغَهُ ، وَمَنْ لَمْ يُطِقْ أتَاهُ عِيْسَى يَمْشِي إلَيْهِ ، وَإنَّمَا كَانَ يُدَاويْهمْ بالدُّعَاءِ عَلَى شَرْطِ الإيْمَانِ ) . قال الكلبيُّ : ( كَانَ عِيْسَى يُحيْي الْمَوْتَى بـ ( يَا حَيُّ يَا قَيُّومُ ) ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُنَبِّئُكُمْ بِمَا تَأْكُلُونَ وَمَا تَدَّخِرُونَ } أي أخبرُكم بما تأكلونَ غَدْوَةً وَعَشِيّاً وما تدفعونَ من الغداءِ إلى العشاء ، ومن العَشاء إلى الغداء . وقرأ مجاهدُ ( وَمَا تَذْخَرُونَ ) بذالٍ معجمة ساكنة وفتح الخاء . قال السديُّ : ( كَانَ عِيْسَى إذا كَانَ فِي الصِّبْيَانِ مَعَ الْمُعَلِّمِ يُحَدِّثُ الصِّيْبَانَ بمَا يَصْنَعُ آبَاؤُهُمْ وَيَقُولُ لِلصَّبيِّ : انْطَلِقَ فَقَدْ أكَلَ أهْلُكَ كَذَا وَكَذا وَهُمْ يأكُلُونَ السَّاعَةَ كَذا ، فَيَنطَلِقُ الصَّبِيُّ إلَى أهْلِهِ وَهُوَ يَبْكِي وَيَطْلُبُ مِنْهُمْ ذلِكَ الشَّيْءَ حَتَّى يُعْطُوهُ إيَّاهُ ، فَيَقُولُونَ لَهُ : مَنْ أخْبَرَكَ بهَذا ؟ فَيَقُولُ : عِيْسَى ، فَحَبَسُواْ أوْلاَدَهُمْ عَنْهُ وَقَالُواْ لاَ تَلْعَبُواْ مَعَ هَذا السَّّاحِرِ ، فَجَمَعُوهُمْ فِي بَيْتٍ ، فَجَاءَ عِيْسَى يَطْلُبُهُمْ ، فَقَالُوا لَهُ : لَيْسُوا هُنَا ، قَالَ : فَمَا فِي هَذا الْبيْتِ ؟ قَالُوا : خَنَازيْرُ ، فَقَالَ عِيْسَى : كَذلِكَ يَكُونُونَ إنْ شَاءَ اللهُ ، فَفَتَحُواْ عَنْهُمْ فَإذا هُمْ خَنَازِيْرُ بأجْمَعِهِمْ ، فَهَمُّوا بعِيْسَى أنْ يَقْتُلُوهُ ، فَلَمَّا خَافَتْ عَلَيْهِ أمُّهُ حَمَلَتْهُ عَلَى حِمَارٍ لَهَا وَخَرَجَتْ بهِ هَارِبَةٌ إلَى مَفَازَةٍ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنَّ فِي ذٰلِكَ لآيَةً لَّكُمْ إِن كُنتُم مُّؤْمِنِينَ } ؛ أي إنَّ ما قُلْتُ لكم علامة لكم في نُبُوَّتِي إنْ كُنْتُمْ مُصَدِّقِيْنَ بالله عَزَّ وَجَلَّ .