Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 61-61)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قوله عَزَّ وَجَلَّ : { فَمَنْ حَآجَّكَ فِيهِ مِن بَعْدِ مَا جَآءَكَ مِنَ ٱلْعِلْمِ } ؛ أي فمن خاصَمَك وجادلَكَ يا مُحَمَّدُ في أمرِ عيسى من بعدِ ما جاءَكَ من البيانِ بأنهُ عَبْدُ اللهِ ورسولُه ، ولم يكن ابنَ اللهِ ولا شريكَهُ ؛ { فَقُلْ تَعَالَوْاْ } ؛ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى ؛ { نَدْعُ أَبْنَاءَنَا وَأَبْنَآءَكُمْ وَنِسَآءَنَا وَنِسَآءَكُمْ وَأَنْفُسَنَا وأَنْفُسَكُمْ } ؛ لنخرجَ إلى فََضَاءٍ من الأرضِ ؛ { ثُمَّ نَبْتَهِلْ } ؛ أي نَلْتَعِنْ ، وَالْبُهْلَةُ : اللَّعْنَةُ ؛ يقالُ : بَهَلَهُ اللهُ ؛ أي لَعَنَهُ اللهُ وَبَاعَدَهُ . ويقال : معنى { نَبْْتَهِلْ } : نَجْتَهدُ وَنَتَضَرَّعْ في الدُّعاءِ على الكاذب . ثم فَسَّرَ الابتهالَ فقالَ تعالى : { فَنَجْعَل لَّعْنَتَ ٱللَّهِ عَلَى ٱلْكَاذِبِينَ } ؛ أي نقولُ : لَعْنَةُ اللهِ عََلَى الْكَاذِبينَ في أمرِ عيسى . قرأ الحسنُ وأبو واقدٍ وأبو السمَّال العدويِّ : ( تَعَالُوا ) بضمِّ اللام . وقرأ الباقونَ : ( تَعَالَواْ ) بفتحِ اللاَّم ، والأصلُ فيه : تَعَالَيُوا ؛ لأنهُ تَفَاعَلُوا من العُلُوِّ ، فَاسْتُثْقِلَتِ الضمَّة على الياءِ فَسُكِّنَتْ ثم حذفَتْ وبقيتِ اللامُ على فتحِها ، ومَن ضمَّ فقد نقلَ حركةَ الياء المحذوفةِ إلى اللاَّم . قال الفرَّاء : ( مَعْنَى تَعَالَ : ارْتَفِعْ ) . فَلَمَّا قَرَأَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم هَذِهِ الآيَةَ عَلَى نَصَارَى نَجْرَانَ وَقَالَ لَهُمْ : " " إنَّ اللهَ أمَرَنِي أنْ أبَاهِلَكُمْ إنْ لَمْ تَقْبَلُواْ " قَالُواْ لَهُ : يَا أبَا الْقَاسِمِ ؛ بَلْ نَرْجِعُ فَنَنْظُرُ فِي أمْرِنَا ثُمَّ نَأْتِيكَ فَنُعْلِمُكَ ، فَرَجَعُواْ وَخَلاَ بَعْضُهُمْ ببَعْضٍ ، وَقَالَ السَّيِّدُ لِلْعَاقِب : قَدْ وَاللهِ عَلِمْتَ أنَّ الرَّجُلَ نَبيٌّ مُرْسَلٌ ، وَلَئِنْ لاَعَنْتُمُوهُ يَا مَعْشَرَ النَّصَارَى لَيَسْتَأصِلَنَّكُمْ ، وَمَا لاَعَنَ نَبيٌّ قَوْماً قَطٌّ فَعَاشَ كَثِيْرُهُمْ وَلاَ ثَبَتَ صَغِيْرُهُمْ ، وَإنْ أنْتُمْ أبَيْتُمْ إلاَّ دِيْنَكُمْ فَوَاعِدُوهُ وَارْجَعُواْ إلَى بِلاَدِكُمْ . فَأَتَواْ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم مِنَ الْغُدُوِّ وَقَدْ خَرَجَ بنَفَرٍ مِنْ أهْلِهِ مُحْتَضِناً الْحُسَيْنَ آخِذاً بيَدِ الْحَسَنِ ؛ وَفَاطِمَةُ تَمْشِي عَلَى إثْرِهِمْ وَعَلِيٌّ بَعْدَهَا وَهُوَ يَقُولُ لَهُمْ : " إذا أنَا دَعَوْتُ فَأَمِّنُواْ " . فَقَالَ وَاحِدٌ مِنَ النَّصَارَى : وَاللهِ إنِّي لأَرَى وُجُوهاً لَوْ سَأَلُوا اللهَ أنْ يُزِيْلَ جَبَلاً مِنْ مَكَانِهِ لأَزَالَهُ ، فَلاَ تَبْتَهِلُواْ فَتَهْلَكُواْ وَلاَ يَبْقَى عَلَى الأَرْضِ نَصْرَانِيٌّ إلَى يَوْمِ الْقِيَامَةِ . فَقَالُواْ : يَا أبَا الْقَاسِمِ ؛ قَدْ رَأَيْنَا أنْ لاَ نُلاَعِنَكَ وَنَتْرُكَكَ عَلَى دِيْنِكَ وَنَثْبُتَ عَلَى دِيْنِنَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " فَإنْ أبَيْتُمْ الْمُبَاهَلَةَ فَأَسْلِمُوا يَكُنْ لَكُمْ مَا لِلْمُسْلِمِيْنَ وَعَلَيْكُمْ مَا عَلَيْهِمْ " . فَأَبَواْ ؛ فَقَالَ : " إنِّي أنَابذُكُمْ " فَقَالُواْ : مَا لَنَا بحَرْب الْعَرَب مِنْ طَاقَةٍ ، وَلَكِنَّا نُصَالِحُكَ عَلَى أنْ لاَ تَغْزُونَا وَلاَ تُخِيْفُنَا وَلاَ تَرُدَّنا عَنْ دِيْنِنَا ؛ عَلَى أنْ نُؤَدِّيَ إلَيْكَ كُلَّ عَامٍ ألْفَي حُلَّةٍ ؛ ألْفٌ فِي صَفَرَ وَألْفٌ فِي رَجَبَ . فَصَالَحَهُمْ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى ذلِكَ وَقَالَ لَهُمْ : " وَإنْ كَانَ كَيْدٌ باليََمَنِ أعَنْتُمُونَا بثلاَثِيْنَ دِرْعاً وَثَلاَثِيْنَ فَرَساً وَثَلاَثِيْنَ بَعِيْراً ، وَالْمُسْلِمُونَ ضَامِنُونَ لَهَا حَتَّى يَرُدُّوهَا عَلَيْكُمْ " . وَكَتَبَ لَهُمْ كِتَابَ الأَمَانِ وَالصُّلْحِ : " بِسْمِ اللهِ الرَّحْمَنِ الرَّحِيْمِ ، هَذا مَا كَتَبَ مُحَمَّدٌ رَسُولُ اللهِ لِنَجْرَانَ فِي كُلِّ صَفْرَاءَ وَبَيْضَاءَ وَسَوْدَاءَ أوْ رَقِيْقٍ فَاضِلاً عَنْهُمْ ؛ تُرِكَ ذلِكَ كُلُّهُ عَلَى ألْفَي حُلَّةٍ ، فِي كُلِّ صَفَرَ ألْفُ حُلَّةٍ ، وَفِي كُلِّ رَجَبَ ألْفُ حُلَّةٍ يُمْنُ كُلِّ حُلَّةٍ وَقِيَّةٌ ، وَمَا زَادَتِ الْحُلَلُ عَلَى الأَوَاقِ فَبحِسَابهَا ، وَمَا نَقُصَ مِنْ دِرْعٍ وَخَيْلٍ أوْ ركَابٍ فَبحِسَابهِ . وَعَلَيْهِمْ عَاريَةٌ ثَلاَثُونَ دِرْعاً وَثَلاَثُونَ فَرَساً وَثَلاَثُونَ بَعِيْراً إنْ كَانَ كَيْداً بالْيَمَنِ ، وَلِنَجْرَانَ وَحَاشِيَتِهَا جِوَارُ اللهِ تَعَالَى وَذِمَّةُ مُحَمَّدٍ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم عَلَى أنْفُسِهِمْ وَمَالِهِمْ . وَكُلُّ مَا تَحْتَ أيْدِيْهِمْ مِنْ قَلِيْلٍ وَكَثِيْرٍ لاَ يُغَيَّرُ مَا كَانُواْ عَلَيْهِ ، وَلاَ يُغَيَّرُ أسْقُفٌ مِنْ أسْقُفِهِ ، وَلاَ رَاهِبٌ مِنْ رَهْبَانِيَّتِهِ ، وَلاَ يُحْشَرُونَ مِنْ بِلاَدِهِمْ ، وَلاَ يُعْشَرُونَ ، وَلاَ يَطََأُ أرْضَهُمْ حَبَشٌ . وَمَا سَأَلَ مِنْهُمْ حَقّاً فَلَهُ النِّصْفُ غَيْرَ ظَالِمِيْنَ وَلاَ مَظْلُومِيْنَ ، وَمَنْ أكَلَ الرِّبَا مِنْ ذِي قَبْلٍ فَذِمَّتِي مِنْهُ بَرِيَّةٌ ، لاَ يُؤْخَذُ مِنْهُمْ رَجُلٌ يَطْلُبُ آخَرَ ، لَهُمْ جِوَارُ اللهِ وَذِمَّةُ رَسٌولِهِ أبَداً حَتَّى يَأْتِيَ اللهُ بأَمْرِهِ مَا نَصَحُواْ وَأَصْلَحُواْ فِيْهَا عَلَيْهِمْ غَيْرَ مُثْقَلِيْنَ بظُلْمٍ " . شَهِدَ الشُّهُودُ أبُو سُلَيْمَانَ بْنِ حَرْبٍ ، وَغَيْلاَنُ بْنُ عَمْرٍو ، وَمَالِكُ بْنُ عَوْفٍ وَغَيْرُهُمْ . ثُمَّ بَعَثَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم مَعَهُمْ مُعَاذ بْنَ جَبَلٍ لِيَقْضِيَ بالْحَقِّ فِيْمَا بَيْنَهُمْ ، وَرَجَعُواْ إلَى بلاَدِهِمْ . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " لَوْ بَاهَلُونِي لاضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْهِمْ نَاراً ، وَلَمْ يُرَ نَصْرَانِيُّ وَلاَ نَصْرَانِيَّةٌ إلَى يَوْمِ الْقَِيَامَةِ " وفي بعضِ الرِّواياتِ أنهُ قالَ : " لَو الْتَعَنُواْ لَهَلِكُواْ كُلُّهُمْ حَتَّى الْعَصَافِيْرَ فِي سُقوفِهِمْ " وفي بعض الروايَات أنَّ النبيَّ صلى الله عليه وسلم قالَ : " وَالَّذِي نَفْسِي بيَدِهِ ، إنَّ الْعَذَابَ يُدْلَى عَلَى أهْلِ نَجْرَانَ ، وَلَوْ تَلاَعَنُواْ لَمُسِخُواْ قِرَدَةً وَخَنَازيْرَ ؛ وَلاضْطَرَمَ الْوَادِي عَلَيْهِمْ نَاراً ؛ وَلاسْتَأْصَلَ اللهُ نَجْرَانَ وَأهْلَهُ حَتَّى الطَّيْرَ وَالشَّجَرَ ، وَمَا حَالَ الْحَوْلُ عَلَى النَّصَارَى كُلِّهِمُ حتَّى هَلَكُواْ " فدلَّ هذا الخبرُ على أن امتناعِهم عنِ المباهلةِ لَمْ يكن إلاَّ لعلمِهم أنَّ الحقَّ مع النبيِّ صلى الله عليه وسلم ، ولو لم يعلمُوا ذلكَ لَبَاهَلُوهُ .