Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 73-73)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } ؛ حكايةُ قولِ كعب بن الأشرَف وأصحابه قالُوا لليهودِ : لا تصدِّقوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم اليهوديَّة ، وصلَّى إلى قِبلتكم نحوَ بيتِ المقدس . قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } ؛ قال بعضُهم : هذا كلامُ مُعْتَرِضٌ بين كَلاَمَي اليهودِ ، ويجوزُ دخولُ العارضِ بين الكلامين اذا احتيجَ إليه كما دخلَ على قولهِ تعالى : { إِنَّ ٱلَّذِينَ آمَنُواْ وَعَمِلُواْ ٱلصَّالِحَاتِ إِنَّا لاَ نُضِيعُ أَجْرَ مَنْ أَحْسَنَ عَمَلاً } [ الكهف : 30 ] ثم عَادَ إلى أوَّل الكلامِ فقالَ تعالى : { أُوْلَـٰئِكَ لَهُمْ جَنَّاتُ عَدْنٍ } [ الكهف : 31 ] كذا قَوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ إِنَّ ٱلْهُدَىٰ هُدَى ٱللَّهِ } عارضَ ثم عادَ إلى كلامِ اليهود ، فقالَ تعالى : { أَن يُؤْتَىۤ أَحَدٌ مِّثْلَ مَآ أُوتِيتُمْ } ؛ أي قالُوا لا تصدِّقوا أن يعطَى أحدٌ من الكتاب والعلم مثلَ ما أعطيتُم ؛ { أَوْ يُحَآجُّوكُمْ عِندَ رَبِّكُمْ } ؛ أي يحاجكم أحدٌ ، { قُلْ } ؛ لَهُمْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ و ؛ { إِنَّ ٱلْفَضْلَ بِيَدِ ٱللَّهِ } ؛ فلا تُنْكِروا أن يُؤْتِهِ غيرَكم . وقال بعضُهم : ليسَ في الآيةِ تقديمٌ وتأخير ، ومعناهُ : قالَت اليهودُ : ولا تؤمِنُوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم ، قلْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ ؛ فَلاَ تَجحدوا أن يُؤْتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم ، أو يُحَاجُّكُمْ أحدٌ عند ربَّكم ، ( قُلْ ) : إنَّ الْفَضْلَ بيَدِ اللهِ ، { يُؤْتِيهِ مَن يَشَآءُ } ؛ أي النبوة والكتاب والهدى بقدرة الله تعالى يعطيه من يشاء ، { وَٱللَّهُ وَاسِعٌ عَلِيمٌ } ؛ أي واسعُ الفضلِ والقدرةِ ، عَلِيْمٌ بمن هوَ من أهلِ الفضلِ . وقيل معنى الآيةِ : ولاَ تؤمنُوا إلاَّ لِمن تَبعَ دينَكم أي ملَّتَكم ، ولا تؤمنُوا إلاَّ أنْ يؤتى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم من العلمِ والحكمَةِ ؛ والكتاب والحجة ؛ والْمَنِّ وَالسَّلوى ؛ وفَلْقِ البحرِ وغيرِها من الكرامَات ، ولا تؤمنُوا إلاَّ أنْ يجادلُوكم عند ربكم لأنكم أصحُّ ديناً منهم ، وهذا قولُ مجاهدٍ . وقال ابن جُريج : ( مَعْنَاهُ : أنَّ الْيَهُودَ قَالَتْ لِسَفَلَتِهِمْ : لاَ تُؤْمِنُواْ إلاَّ لِمَنْ تَبعَ دِيْنَكُمْ كَرَاهَةَ أنْ يُؤْتَى أحَدٌ مِثْلَ مَا أُوْتِيْتُمْ ؛ فَأيُّ فَضْلٍ يَكُونُ لَكُمْ عَلَيْهِمْ حَيْثُ عَمِلُواْ مَا عَمِلْتُمْ ، وَحِيْنَئذٍ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبكُمْ فَيَقُولُونَ : عَرَفْتُمْ أنَّ دِيْنَنَا حَقٌّ ؛ فَلاَ تُصَدِّقُوهُمْ لِئَلاَّ يَعْلَمُواْ مِثْلَ مَا عَلِمْتُمْ فَلاَ يُحَاجُّوكُمْ عِنْدَ رَبكُمْ ) . ويجوزُ أن تكونَ ( إلاَّ ) على هذا القول مضمرةً لقولهِ تعالى : { يُبَيِّنُ ٱللَّهُ لَكُمْ أَن تَضِلُّواْ } [ النساء : 176 ] ويكونُ تقديرُه : ولاَ تؤمنوا إلاَّ لِمَنْ تَبعَ دينَكم ؛ لئلاَّ يؤتَى أحدٌ مِثْلَ ما أوتيتم ؛ لئلا يحاجُّوكم به عند ربكم . وقرأ الحسنُ والأعمش ( إنْ يُؤْتَى ) بكسرِ الألف ، وجهُ هذه القراءةِ : أنَّ هذا مِن قول الله عَزَّ وَجَلَّ بلا اعتراضٍ ، وأن يكونَ كلامُ اليهود منتهياً عندَ قوله { إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } . ومعنى الآية : قُلْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ أنْ يؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ أو يُحَاجُّوكُمْ ؛ يعني : إلاَّ أنْ يحاجُّوكم أي يجادِلوكُم اليهودُ بالباطلِ فيقولوا نحنُ أفضلُ مِنكم . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { عِندَ رَبِّكُمْ } أي عند فِعْلِ ربكم ذلكَ ، وتكون ( أنْ ) على هذا القول بمعنى الْجَحْدِ والنَّفي ؛ أي لا يُؤْتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتم ، وما أعْطِيَ أحدٌ مثل ما أعطيتم يا أمَّةَ مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم من الدِّين والحجَّة حتى يجادِلوكم عند ربكم . قرأ ابن كثير : ( أأنْ يُؤْتَى أحَدٌ ) بالمدِّ ، وحينئذٍ في الكلامِ اختصارٌ تقديرُه : ألأَنْ يؤتَى أحدٌ مثلَ ما أوتيتمُ يا معشرَ اليهودِ مِن الكتاب تحسِدونَهم ولا تؤمنونَ به ، وهذا قولُ قتادةَ والربيعِ ؛ قالاَ : ( هَذا مِنْ قَوْلِ اللهِ عَزَّ وَجَلَّ : قُلْ يَا مُحَمَّدُ إنَّ الْهُدَى هُدَى اللهِ ؛ لَمَّا أنْزَلَ كِتَاباً مِثْلَ كِتَابِكُمْ وَنَبيّاً مِثْلَ نَبيِّكُمْ حَسَدْتُمُوهُ وَكَفَرْتُمْ بهِ ) . ويحتمل أن يكون تَمامُ الخبر عن اليهود عندَ قولهِ تعالى : { لَعَلَّهُمْ يَرْجِعُونَ } [ آل عمران : 72 ] ، فيكونُ قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلاَ تُؤْمِنُوۤاْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ } إلى آخرِ الآيةِ مِن كلامِ الله عَزَّ وَجَلَّ ، وذلكَ أنَّ اللهَ تعالى قالَ مُثبتاً لقلوب المؤمنين لئَلاَّ يشكُّوا عند تَلَبُّسِ اليهودِ في دينِكم ، ولا تصدِّقوا يا معشرَ المؤمنينَ إلاَّ لِمَنْ تَبعَ دينَكم ، ولا تصدِّقوا أن يؤتَى أحدٌ مِثْلَ ما أوتيتم من الدِّين والفضلِ ، ولا تصدِّقوا أن يُحاجُّوكم في دينكم عندَ ربكم ، أو يقدِرون عليه ، فإن الْهُدَى هُدَى اللهِ ، وإن عند تَلَبُّسِ الْيَهُودِ عَلَيْهِمْ لئَلاَّ يَزِلُّوا أو يَرْتَابُوا ، يدلُّ عليه قولُ الضحَّاك : ( إنَّ الْيَهُودَ قَالُواْ : إنَّا نُحَاجُّ عِنْدَ رَبَنَا مَنْ خَالَفَنَا فِي دِيْنِنَا ) . بَيَّنَ الله أنَّهم هُمْ الْمُدْحَضُونَ الْمَغْلُوبُونَ ، وأنَّ المؤمنينَ همُ الغالبونَ . وقال أهلُ الإشارة في هذه الآية : لا تُعاشروا إلاَّ مَن يوافِقكم على أحوالكم وطريقتكم ، فإنَّ مَن لم يُوافقكم لا يُرافِقكم .