Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 3, Ayat: 79-79)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

وقوله عَزَّ وَجَلَّ : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ وَٱلْحُكْمَ وَٱلنُّبُوَّةَ ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ } ؛ وذلكَ أنَّهُ لَمَّا كَثُرَتْ دعوةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم إيَّاهم إلى الإسلامِ وقامَت عليهم الْحُجَجُ ؛ قالوا : إنَّ هذا الرجلَ يريدُ أن نَتَّبعَهُ ونَعْبُدَهُ كما كان عيسى مِن قومه حتى عَبَدُوهُ ، فَكَذا كَلَّمَ الله عَزَّ وَجَلَّ بهذه الآيةِ ، ومعناها : ما كان بَشَرٌ من الأنبياءِ مثلَ عيسى وعُزَيْرٍ وغيرِهم أن يعطيَهُ اللهُ الكتابَ وعِلْمَ الحلالِ والحرامِ والنبوَّة ؛ { ثُمَّ يَقُولَ لِلنَّاسِ كُونُواْ عِبَاداً لِّي مِن دُونِ ٱللَّهِ } أي لا يَجْمَعُ لأحدٍ النبوَّة والقولَ للناسِ : كونوا عِباداً لِي ، وليس هذا على وجهِ النَّهي ، ولكنه على وجه التَّنْزِيْهِ للهِ عَزَّ وَجَلَّ ؛ لأنه لا يَخْتَارُ نبيّاً يقولُ مثلَ هذا القول للناسِ . ويجوزُ أن يكونَ هذا على وجهِ تَعْظِيْمِ الأنبياءِ صَلَوَاتُ اللهِ عَلَيْهِمْ . وقال الضحَّاك ومقاتلُ : ( مَعْنَاهُ : { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } يَعْنِي عَيْسَى عليه السلام { أنْ يُؤْتِيَهُ اللهُ الْكِتَابَ } يَعْنِي الإنْجِيْلَ ؛ نَزَلَتْ فِي نَصَارَى نَجْرَانَ ) . وقال ابنُ عبَّاس وعطاءُُ : ( { مَا كَانَ لِبَشَرٍ } يَعْنِي مُحَمَّداً صلى الله عليه وسلم { أَن يُؤْتِيهُ ٱللَّهُ ٱلْكِتَٰبَ } يَعْنِي الْقُرْآنَ . وَذلِكَ أنَّ أبَا رَافِعٍ الْقُرَظِيِّ مِنَ الْيَهُودِ ، وَالرَّيِّسَ مِنْ نَصَارَى نَجْرَانَ ، قَالُواْ : يَا مُحَمَّدُ ؛ نُرِيْدُ أنْ نُصَيِّرَكَ وَنَتَّخِذكَ رَبّاً ؟ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " مَعَاذ اللهِ أنْ يُعْبَدَ غَيْرُ اللهِ أوْ نَأْمُرَ بِعِبَادَةِ غَيْرِ اللهِ ، مَا بذلِكَ بَعَثَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ وَلاَ بذلِكَ أمَرَنِي " فَأَنْزَلَ اللهُ هَذِهِ الآيَةَ ) . والبَشَرُ جمعُ بَنِي آدَمَ لا واحدَ لهُ من لفظهِ ، كالْقَوْمِ وَالْجَيْشِ ، ويوضَعُ موضِعَ الواحدِ والجمعِ . قَوْلُهُ تَعَالَى { وَٱلْحُكْمَ } يعني الفَهْمَ والعِلْمَ ، وقيل : الأحكامَ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } ، أي ولكن يقولُ : { كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ } أي عُلَمَاءَ عَامِلِيْنَ ، وقيل : فُقَهَاءَ مُعَلِّمِيْنَ . قفال مُرَّةُ بن شِرَحْبيْلَ : ( كَانَ عَلْقَمَةُ مِنَ الرَّبَّانِيِّيْنَ يُعَلِّمُونَ النَّاسَ الْقُرْآنَ ) . وعن سعيدِ بن جُبير : ( مَعْنَاهُ : حُكَمَاءَ أتْقِيَاءَ ) . وقيل : متعبدين مخلصِين . وقيل : علماءَ نُصَحَاءَ للهِ عَزَّ وَجَلَّ في خلقِه . وقيل : ( الرَّبَّانِيُّ : هُوَ الْعَالِمُ بالْحَلاَلِ وَالْحَرَامِ وَالأَمْرِ وَالنَّهْيِ ؛ وَالْعَارفُ بأَنْبَاءِ الأُمَّةِ وَمَا كَانَ وَمَا يَكُونُ ) . وقال عليٌُّ كَرَّمَ اللهُ وَجْهَهُ : ( هُوَ الَّذِي يَرُبُّ عِلْمَهُ بعَمَلِهِ ) أي يُصْلِحُ علمَهُ بعملِه وعملُهُ بعلمِهِ . وقال محمَّد بنُ الحنفية يوم ماتَ ابنُ عبَّاس : ( مَاتَ رَبَّانِيُّ هَذِهِ الأُمَّةِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ } معناهُ : بما أنتُم تُعَلِّمُونَ كقولهِ : { وَكَانَتِ ٱمْرَأَتِي عَاقِراً } [ مريم : 5 ] أي وامرأتِي عَاقرٌ . وقوله : { مَن كَانَ فِي ٱلْمَهْدِ } [ مريم : 29 ] أي مَن هو في الْمَهْدِ صبيّاً . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ } ، قرأ السَّلمي والنخعيُّ وابن جُبير والضحَّاك وابن عامرٍ والكوفيُّون : ( بمَا كُنْتُمْ تُعَلِّمُونَ ) بالتشديد من التَّعْلِيْمِ ، وقرأ الباقون بالتخفيف : مِنَ الْعِلْمِ . قال أبو عمرٍو : ( وَتَصْدِيْقُ هَذِهِ الْقِرَاءَةِ : ( وَبمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ ) ولَم يقل : تُدَرِّسُونَ ) . وقرأ الحسنُ : ( بمَا كُنْتُمْ تَعَلَّمُونَ ) بفتحِ التاء والعين وتشديد اللاَّم ؛ على معنى : تَتَعَلَّمُونَ . وقرأ أبو حَيْوَةَ : ( تُدَرِّسُونَ ) بالتشديد ، وقرأ الباقونَ ( تَدْرُسُونَ ) : من الدَّرْسِ . وعنِ ابن عبَّاس قالَ : قَالَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم : " مَا مِنْ مُؤْمِنٍ ذكَرٍ وَلاَ أُنْثَى وَلاَ مَمْلُوكٍ إلاَّ وَللهِ عَزَّ وَجَلَّ عَلَيْهِ حَقُّ أنْ يَتَعَلَّمَ مِنَ الْقُرْآنِ وَيَتَفَقَّهَ فِيْهِ " ثُمَّ تَلاَ هَذِهِ الآيَةَ : { وَلَـٰكِن كُونُواْ رَبَّـٰنِيِّينَ بِمَا كُنتُمْ تُعَلِّمُونَ ٱلْكِتَٰبَ وَبِمَا كُنْتُمْ تَدْرُسُونَ } . وإنَّما قيلَ للفقهاءِ : رَبَّانِيِّيْنَ ؛ لأنَّهم يُرِبُّونَ بالْعلْمِ ؛ أي يقومون بهِ . وزيدَتِ الألِفُ والنون للمبالغةِ ، كما يقالُ رجل كثير اللِّحْيَةِ : لِحْيَانِيٌّ ، والذي جمعه جُمَّانِيُّ . وعن ثعلبٍ أنهُ قالَ : ( يُقَالُ : رَجُلٌ رُبيٌّ وَرَبَّانِيٌّ ؛ أيْ عَالِمٌ عَامِلٌ مُعَلِّمٌ ) .