Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 3, Ayat: 93-95)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } ؛ قال ابنُ عباسٍ : ( مَعْنَاهُ : كُلُّ الطَّعَامِ الْحَلاَلِ الْيَوْمَ وَهُوَ مَا سِوَى الْمَيْتَةِ وَالدَّمِ وَلَحْمِ الْخِنْزِيْرِ كَانَ حِلاًّ لَبنِي يَعْقُوبَ عليه السلام ، مِنْ قَبْلِ أنْ تُنَزَّلَ التَّوْرَاةُ عَلَى مُوسَى عليه السلام ؛ إلاَّ الطَّعَامَ الَّذِي حَرَّمَهُ يَعْقُوبَ عَلَى نَفْسِهِ ؛ وَهُوَ لَحْمُ الإبلِ وألْبَانُهَا ) . وذلك أنَّ يعقوبَ عليه السلام كان يَمشي إلى بيتِ المقدسِ فَلَقِيَهُ مَلَكٌ مِن الملائكة وهو خَلْفَ الأثقالِ ، فظنَّ يعقوبُ أنه لِصٌّ ؛ فعالَجه ليصارعَه فكان كذلكَ حتى أضاءَ الفجرُ ، فضمَّر الملَكُ فَخِذ يعقوبَ فهاج به عِرْقُ النَّسَا ، فصعدَ الملَكُ إلى السَّماء ، وجاء يعقوبُ يعرجُ حتى لَحِقَ الأثقالَ ؛ فكانَ يَبيْتُ الليلَ ساهراً مِن وَجَعِهِ ويَنْصَبُ نَهاره ، فأقسَمَ لَئِنْ شفاهُ اللهُ لَيُحَرِّمَنَّ أحَبَّ الطعامِ والشراب على نفسهِ ؛ فشفاهُ الله من ذلكَ ، فحرَّم أحبَّ الطعامِ والشراب إليه ، وكان ذلك لُحُومَ الإبلِ وألبانَها ، ثم اسَتَنَّ وَلَدُهُ سبيلَهُ . فذلك قولهُ : { إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ مِن قَبْلِ أَن تُنَزَّلَ ٱلتَّوْرَاةُ } . فلمَّا نزلَتْ هذهِ الآيةُ ؛ قال النبيُّ صلى الله عليه وسلم لليهودِ : " مَا الَّذِي حَرَّمَ إسْرَائِيْلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟ " قَالُواْ : كُلَّ شَيْءٍ حَرَّمْنَاهُ الْيَوْمَ عَلَى أنْفُسِنَا ؛ فَإنَّهُ كَانَ مُحَرَّماً عَلَى نُوحٍ عليه السلام فَهَلُمَّ جَرّاً حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا ، وَأَنْتَ يَا مُحَمَّدُ وَأصْحَابُكَ تَسْتَحِلُّونَهُ ، وَادَّعَواْ أنَّ ذلِكَ مَسْطُورٌ في التَّوْرَاةِ " . وقال الكلبيُّ : ( كَانَ هَذا حِيْنَ قالَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " " أنَا عَلَى مِلَّةِ إبْرَاهِيْمَ عليه السلام " قَالَ الْيَهُودُ : كَيْفَ وَأَنْتَ تَأكُلُ الإبلَ وَأَلْبَانَهَا ؟ ! فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " كَانَ ذلِكَ حَلاَلاً لإبْرَاهِيْمَ فَنَحْنُ نُحِلُّهُ " . قَالَتِ الْيَهُودُ : كُلُّ شَيْءٍ أصْبَحْنَا الْيَوْمَ نُحَرِّمُهُ ؛ فَإنَّهُ كَانَ حَرَاماً عَلَى إبْرَاهِيْمَ وَنُوحٍ ، وَهَلُمَّ جَرّاً حَتَّى انْتَهَى إلَيْنَا . " فَأَنْزَلَ اللهُ تَعَالَى هَذِهِ الآيَةَ تَكْذِيْباً لَهُمْ : { كُلُّ ٱلطَّعَامِ كَانَ حِـلاًّ لِّبَنِيۤ إِسْرَائِيلَ إِلاَّ مَا حَرَّمَ إِسْرَائِيلُ عَلَىٰ نَفْسِهِ } . قََوْلُهُ تَعَالَى : { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } ، وذلك أنَّ الْيَهُودَ قَالَ لَهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " " مَا الَّذِي حَرَّمَ إسْرَائِيْلُ عَلَى نَفْسِهِ ؟ " قَالُواْ : كُلُّ شَيْءٍ نُحَرِّمُهُ الْيَوْمَ عَلَى أنْفُسِنَا . قَالَ اللهُ تَعَالَى لِلنَّبيِّ صلى الله عليه وسلم : { قُلْ فَأْتُواْ بِٱلتَّوْرَاةِ فَٱتْلُوهَا إِن كُنتُمْ صَادِقِينَ } " أي فاقرأوها ؛ هل تَجدون فيها تَحريْمَ كلِّ ذِي نابٍ وَظُفُرٍ وتحريْمَ شُحُومِ البقرِ والغنمِ وغيرِ ذلك مِمَّا حرَّمَ اللهُ عليكم من الطيِّبات بعدَ نزولِ التوراة بظلمِكُم وبَغْيكُمْ ، كما قالَ تعالى : { فَبِظُلْمٍ مِّنَ ٱلَّذِينَ هَادُواْ حَرَّمْنَا عَلَيْهِمْ طَيِّبَاتٍ أُحِلَّتْ لَهُمْ } [ النساء : 160 ] . فَأَبَوا أن يأتُوا بالتوراةِ خوفاً من الفضيحةِ لِعِلْمِهِمْ بصِدْقِ النَّبيِ صلى الله عليه وسلم فأنزلَ اللهُ تعالى قولَه تعالى : { فَمَنِ ٱفْتَرَىٰ عَلَى ٱللَّهِ ٱلْكَذِبَ مِن بَعْدِ ذَلِكَ فَأُوْلَـٰئِكَ هُمُ ٱلظَّالِمُونَ } ؛ أي مَن اخْتَلَقَ على اللهِ الكذبَ بأن يُنَزِّلَ عليه ما لَم يُنَزِّلْهُ في كتابٍ مِن بعد ذلك ، يقالُ من بعدَ قيامِ الحجَّة عليهِ : فَأوْلَئِكَ هُمُ الظَّالِمُونَ لأنَفُسِهِمْ . قوله عَزَّ وَجَلَّ : { قُلْ صَدَقَ ٱللَّهُ فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ حَنِيفاً } ؛ أي قُلْ لهم يا مُحَمَّدُ صَدَقَ اللهُ في أنَّ كلَّ الطعامِ كان حِلاًّ لبني إسرائيلَ إلاّ ما حرَّمَ إسرائيلُ على نفسِه ، { فَٱتَّبِعُواْ مِلَّةَ إِبْرَاهِيمَ } في استباحةِ لُحوم الإبل وألبانِها وافعلوا ما كان يفعلهُ من الصلاةِ إلى الكعبةِ وحجِّ البيت ، { وَمَا كَانَ مِنَ ٱلْمُشْرِكِينَ } ؛ أي لم يكن إبراهيمُ على دينِ المشركين ، ولَمْ يفعل كما كان يفعلهُ اليهود في ادِّعائِهم أنَّ عُزَيْراً ابن اللهِ ؛ ولا كما يقولُ النصارى إنَّ المسيحَ ابن الله . وهذه الآياتُ حُجَّةٌ على اليهودِ في إنكارهم نَسْخِ الشريعةِ .