Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 30, Ayat: 1-5)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
{ الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ } ؛ أي غَلَبَتْ فارسُ الرومَ ، ففرحَ بذلك كفارُ مكَّة وقالوا : الذين ليس لَهم كتابٌ غلبوا الذين لهم كتابٌ ، وافتَخَروا بذلكَ على المسلمين وقالوا لَهم : نحنُ أيضاً نغلِبُكم كما غلبَتْ فارسُ الرومَ . وقصَّة ذلكَ : أن كِسرَى ملكَ فارس أرسلَ شهريار إلى الرُّومِ ، فسارَ إليهم بأهلِ فارسَ ليغزُوَهم ، فظهرَ على الرومِ فقتلَهم وخرَّبَ مدائنَهم ، وكان قيصرُ ملكُ الرومِ قد بعثَ بجيشٍ لَمَّا سَمِعَ بقدوم شهريارَ ، فالتقيا بأَذْرُعَاتِ وَبُصْرَى وهي أدنَى الشَّام إلى أرضِ العرب والعجمِ ، فغلبَت فارسُ الرومَ حتى انتزعوا بيتَ المقدسِ من الرومِ ، وكان ذلك موضعُ عبادتِهم . فبلغ ذلكَ النبيَّ صلى الله عليه وسلم وأصحابَهُ بمكَّة فشُقَّ ذلك عليهم ، وكان صلى الله عليه وسلم يكرهُ أن يظهرَ الأُمِّيُّونَ من الْمَجُوسِ على أهلِ الكتاب من الرُّوم ، وفَرِحَ بذلك كفارُ مكَّة وشَمَتُوا ، فلَقُوا أصحابَ النبيِّ صلى الله عليه وسلم وقالوا : إنَّكم أهلُ كتابٍ والنصَارَى أهلُ كتابٍ ، وقد ظهرَ إخوانُنا من أهلِ فارس على إخوانِكم من أهلِ الرُّومِ ، وإنَّكم إن قاتَلتُمونا لنظهرَنَّ عليكم ، فأنزلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هذه الآياتِ { الۤـمۤ * غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ سَيَغْلِبُونَ * فِي بِضْعِ سِنِينَ } . فخرجَ أبُو بكرٍ رضي الله عنه إلى الكفَّار وقال : ( أفَرِحْتُمْ بظُهُور إخْوَانِكُمْ عَلَى إخْوَانِنَا ؟ ! فَلاَ تَفْرَحُواْ وَلاَ يُقِرُّ اللهُ أعْيُنَكُمْ ، فَوَاللهِ لَيَظْهَرَنَّ الرُّومُ عَلَى فَارسَ ، أخْبَرَنَا بذلِكَ نَبيُّنَا ) فَقَامَ إلَيْهِ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ الْجُمَحِيُّ وَقَالَ لَهُ : كَذبْتَ ! فَقَالَ لَهُ أبُو بَكْرٍ : أنْتَ أكْذَبُ يَا عَدُوَّ اللهِ ) فَقَالَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ : كَمَا غَلَبَتْ عَبَدَةُ النِّيْرَانِ أهْلَ الْكِتَاب ، فَكَذلِكَ نَحْنُ نَغْلِبُكُمْ ) وَاسْتَبْعَدَ الْمُشْرِكُونَ ظُهُورَ الرُّومِ عَلَى فَارسَ لِشِدَّةِ شَوْكَةِ أهْلِ فَارسَ . فَقَالَ أبُو بَكْرٍ لأُبَيِّ بْنِ خَلَفٍ : ( أنَا أُرَاهِنُكَ عَلَى أنَّ الرُّومَ تَغْلِبُ إلَى ثَلاَثِ سِنِيْنَ ) فَرَاهَنَهُ أُبَيُّ عَلَى خَمْسٍ مِنَ الإبلِ ، وَقِيْلَ : عَلَى عَشْرٍ مِنَ الإبلِ ، ( فَإنْ ظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارسَ غَرِمْتَ ، وإنْ ظَهَرَتْ فَارسُ غَرِمْتُ أنَا ) ثُمَّ جَاءَ أبُو بَكْرٍ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَأَخْبَرَهُ بذلِكَ ، فََقَالَ صلى الله عليه وسلم : " زدْ فِي الْخَطَرِ وَأبْعِدْ فِي الأَجَلِ " فَفَعَلَ ذلِكَ ، وَجَعَلَ الأَجَلَ تِسْعَ سِنِيْنَ ، وَكَانَ ذلِكَ قَبْلَ تَحْرِيْمِ الْقِمَار . رُوي أنَّ النَّّبيَّ صلى الله عليه وسلم قَالَ لأَبي بَكْرٍ : " " إنَّمَا الْبضْعُ مَا بَيْنَ الثَّلاَثِ إلَى التِّسْعِ " . قََرَأ : " زدْهُ فِي الْخَطَرِ وَمَادَّهُ فِي الأَجَلِ " " فَخَرَجَ أبُو بَكْرٍ فَلَقِيَ أُبَيّاً فَقَالَ : لَعَلَّكَ نَدِمْتَ ! فَقَالَ : أزيدُكَ فِي الْخَطَرِ وَأُمَادُّكَ فِي الأَجَلِ ، فَاجْعَلْهَا مِائَةَ قُلُوصٍ إلَى تِسْعِ سِنِيْنَ ، قَالَ : قَدْ أخَافُ فَعَلْتُ . فَلَمَّا خَشِيَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أنْ يَخْرُجَ أبُو بَكْرٍ مِنْ مَكَّةَ ، أتَاهُ فَلَزِمَهُ وَقًَالَ أُبَيُّ : إنْ تَخْرُجْ مِنْ مَكَّةَ فَأَقِرَّ لِي كَفِيْلاً ، فَكَفَلَ لَهُ ابْنُهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي بَكْرٍ ، فَلَمَّا أرَادَ أُبَيُّ بْنُ خَلَفٍ أنْ يَخْرُجَ إلَى أُحُدٍ ، أتَاهُ عَبْدُاللهِ بْنُ أبي بَكْرٍ فَلَزِمَهُ وَقَالَ : لاَ وَاللهِ لاَ أدَعُكَ حَتَّى تُعْطِيَنِي كَفِيْلاً ، فَأَعْطَاهُ كَفِيْلاً وَمَضَى إلَى أُحُدٍ ، ثُمَّ رَجَعَ فَمَاتَ بمَكَّةَ مِنْ جِرَاحَتِهِ الَّتِي جَرَحَهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حِيْنَ بَارَزَهُ ، وَظَهَرَتِ الرُّومُ عَلَى فَارسَ يَوْمَ الْحُدَيْبيَةِ وَذِلكَ عَلَى رَأسِ تِسْعِ سِنِيْنَ مِنْ مُرَاهَنَتِهِمْ ، وهذا قولُ أكثرِ المفسِّرين . وقال أبو سَعيد الخدريُّ ومقاتلُ : " لَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْرٍ قَتَلَتِ الْمُسْلِمُونَ كُفَّارَ مَكَّةَ ، وَأتَّاهُمُ الْخَبَرُ أنَّ الرُّومَ قَدْ غَلَبَتْ فَارسَ ، فَفَرِحَ الْمُسْلِمُونَ بذلِكَ ، وَغَلَبَ أبُو بَكْرٍ رضي الله عنه أُبَيّاً وَأخَذ مَالَ الْخَطَرِ مِنْ وَرَثَتِهِ ، وَجَاءَ بهِ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَقَالَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم : " تَصَدَّقْ بهِ " " . ومعنى الآيةِ : { غُلِبَتِ ٱلرُّومُ * فِيۤ أَدْنَى ٱلأَرْضِ } يعني الْجَزِيْرَةَ ؛ وهي أقربُ أرضِ الرُّومِ إلى فارسَ ، وقال عكرمةُ : ( يَعْنِي أذْرُعَاتٍ وَكُسْكُرُ ) . وقولهُ { وَهُم مِّن بَعْدِ غَلَبِهِمْ } يعني الرومَ مِن بعد غَلَبَةِ فارسَ إيَّاهم سيغلبونَ فارس { فِي بِضْعِ سِنِينَ } ؛ وهو ما بينَ الثلاثِ إلى العشرِ ، فالتقَى الرومُ وفارس في السَّنة السابعة من غَلَبَةِ فارسَ إيَّاهم ، فغلبتهم الرومُ ، فجاء جبريلُ إلى النبيِّ صلى الله عليه وسلم بهزيْمة فارسَ وظهور الرُّوم عليهم ، ووافقَ ذلك يومَ بدرٍ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { لِلَّهِ ٱلأَمْرُ مِن قَبْلُ وَمِن بَعْدُ } ؛ أي قبلَ أنْ غُلبت الرومُ ومِن بعدِ ما غُلبت ، يعني أنَّ غلبةَ أحدِ الفريقين الآخرَ ، أيُّهما كان الغالبُ والمغلوب ؛ فإنَّ ذلك كان بأمرِ الله تعالى وإرادته وقضائهِ وقدره . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَيَوْمَئِذٍ يَفْرَحُ ٱلْمُؤْمِنُونَ } ؛ يعني بغلب الرومَ فارس ، يفرحُ المؤمنون ، { بِنَصْرِ ٱللَّهِ } ؛ الرومَ على فارسَ ، ويكون فرحُ المؤمنين يومئذٍ لظهور معجزة النبيِّ صلى الله عليه وسلم وإهلاكِ بعضِ الكفَّار بعضاً كما يفرحُ الصَّالحون بقتلِ الظَّالِمين بعضَهم بعضاً . وَقَوْلُهُ تَعَالَى : { يَنصُرُ مَن يَشَآءُ } ؛ أي ينصرُ مُحَمداً صلى الله عليه وسلم على أعدائهِ ، { وَهُوَ ٱلْعَزِيزُ ٱلرَّحِيمُ } ؛ أي هو العزيزُ بالنَّقمةِ ممن عصاهُ ، الرَّحِيْمُ بأوليائهِ وهم المؤمنونَ .