Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 31, Ayat: 12-12)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ ٱلْحِكْمَةَ } ؛ يعني العقلَ والعلم والعملَ به ، والإصابةَ في الأمور . واتَّفقَ العلماءُ على أن لُقْمَانَ حكيماً ، ولَم يكن نَبيّاً إلاّ عكرمةُ وحدَهُ فإنه قال : ( كَانَ لُقْمَانُ نَبيّاً ) ، وقال بعضُهم : خُيِّرَ لقمانُ بين النبوَّة والحكمةِ فاختارَ الحكمةَ ! وعن ابن عمر رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا ؛ قالَ : سمعتُ رسولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يقولُ : " حَقّاً أقُولُهُ : لَمْ يَكُنْ لُقْمَانُ نَبيّاً ، وَلَكِنْ عَبْداً صَمْصَامَةً ، كَثِيْرَ التَّفَكُّرِ ، حَسَنَ الْيَقِيْنِ ، أحَبَّ اللهَ فَأَحَبَّهُ ، فَمَنَّ عَلَيْهِ بالْحِكْمَةِ " ورويَ أنه كان تَتَلْمَذَ لألفِ نبيٍّ عليهم السَّلام . واختَلفُوا في حِرفتهِ ، فقالَ الأكثرُون : كان نَجَّاراً ، ويقالُ : كان خيَّاطاً ، ويقالُ : كان رَاعياً ، ويروى : كان عَبْداً حَبَشِيّاً غليظَ الشَّفتين مشقوقَ الرِّجلين . وعن أبي هريرة رضي الله عنه قال : ( مَرَّ رَجُلٌ بلُقْمَانَ وَالنَّاسُ مُجْتَمِعُونَ حَوْلَهُ وَهُوَ يَعِظُهُمْ ، فَقَالَ : ألَسْتَ الْعَبْدَ الأَسْوَدَ الَّذِي كُنْتَ تَرْعَى الْغَنَمَ ؟ ! قَالَ : بَلَى ، قَالَ : فَمَا بَلَغَ بكَ إلَى مَا أرَى ؟ قَالَ : صِدْقُ الْحَدِيْثِ ؛ وَأدَاءُ الأَمَانَةِ ؛ وَتَرْكُ مَا لاَ يَعْنِيْنِي ) . وعن أنسٍ : ( أنَّ لُقْمَانَ كَانَ عَبْدَ دَاوُدَ عليه السلام وَهُوَ يَسْرِدُ دِرْعاً ، فجَعَلَ لُقْمَانَ يَتَعَجَّبُ مِمَّا يَرَى ، وَيُرِيْدُ أنْ يَسْأَلَهُ فَمَنَعَتْهُ حِكْمَتُهُ مِنَ السُّؤَالِ ، فَلَمَّا فَرَغَ مِنْهَا ، جَعَلَهَا عَلَيْهِ وَقَالَ : نِعْمَ دِرْعُ الْحَرْب هَذَا وَنِعْمَ حَامِلُهُ ، فَقَالَ لُقْمَانُ : الصَّمْتُ حِكْمَةٌ وَقَلِيْلٌ فَاعِلُهُ ) . وقال عكرمةُ : ( كَانَ لُقْمَانُ مِنْ أهْوَنِ مَمَالِيْكِ سَيِّدِهِ ، فَبَعَثَ مَوْلاَهُ مَعَ عَبيْدٍ لَهُ إلَى بُسْتَانٍ لِمَوْلاَهُمْ يَأْتُونَهُ مِنْ ثَمَرِهِ ، فَجَاءُوا وَلَيْسَ مَعَهُمْ شَيْءٌ ، وَقَدْ أكَلُواْ الثَّمَرَةَ ، وَأحَالُواْ عَلَى لُقْمَانَ بذَلِكَ ! فَقَالَ لُقْمَانُ لِمَوْلاَهُ : إنَّ ذَا الْوَجْهَيْنِ لاَ يَكُونُ عِنْدَ اللهِ أمِيْناً ، فَاسْقِنِي وَإيَّاهُمْ مَاءً حَمِيْماً ، فَسَقَاهُمْ فَجَعَلُواْ يَتَقَيَّؤُن الْفَاكِهَةَ ، وَجَعَلَ لُقْمَانُ يَتَقَيَّأُ مَاءً بَحْتاً ، فَعَرَفَ صِدْقَهُ وَكَذِبَهُمْ ) . قال : ( وَأَوَّلُ مَا رُويَ مِنْ حِكْمَتِهِ أنَّهُ جَاءَ مَعَ مَوْلاَهُ فَدَخَلَ الْمَخْدَعَ ، فَأَطَالَ الْجُلُوسَ فِيْهِ ، فَنَادَاهُ لُقْمَانُ : إنَّ طُولَ الْجُلُوسِ عَلَى الْحَاجَةِ يَتَجَمَّعُ مِنْهُ الْكَدَرُ ، وَيُورثُ الْبَاسُورَ ، وَتَصْعَدُ الْحَرَارَةُ إلَى الرَّأسِ ، فَاجْلُسْ هُوَيْناً وَقُمْ هُوَيْناً ، قَالَ : فَخَرَجَ وَكَتَبَ حِكْمَتَهُ عَلَى بَاب الْحَشِّ ) . ومعنى الآية { وَلَقَدْ آتَيْنَا لُقْمَانَ } عِلْمَ التوحيدِ والمواعظِ والفقهِ والعقل والإصابة في القولِ ، وألْهَمناهُ أن يشكرَ اللهَ على ما أعطاهُ من الحكمةِ . ومعنى قولهِ : { أَنِ ٱشْكُرْ للَّهِ } ؛ أي قُلنا له : اشْكُرِ اللهَ فيما أعطاكَ من الحكمةِ ، { وَمَن يَشْكُرْ فَإِنَّمَا يَشْكُرُ لِنَفْسِهِ } ؛ أي مَن يشكرُ نِعَمَ اللهِ فإن منفعةَ شُكرهِ راجعةٌ إلى نفسهِ ، { وَمَن كَفَرَ } ؛ فلم يُوَحِّدْ ، { فَإِنَّ ٱللَّهَ غَنِيٌّ } ؛ عن شُكرهِ ، { حَمِيدٌ } ؛ يحمَدهُ الشاكرُ ويثبته على شُكرهِ .