Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 23-24)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { مِّنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ رِجَالٌ صَدَقُواْ مَا عَاهَدُواْ ٱللَّهَ عَلَيْهِ } ؛ أي مِن جُملة المؤمنينَ رجالٌ وَافوا ما عاهدُوا اللهَ عليه بالثَّباتِ على الدِّين والعملِ بمُوجبهِ من الصَّبر على القتالِ وغيرِ ذلك ، { فَمِنْهُمْ مَّن قَضَىٰ نَحْبَهُ } ؛ أي مَن وَفَّى بنذرهِ ، ومنهم مَن أقامَ على ذلك العهدِ حتى قُتِلَ شَهيداً في سبيلِ الله . قِيْلَ : إنَّ المرادَ به حَمْزَةُ ابن عبدِ المطَّلب وأصحابهُ الذين قُتِلُوا يومَ أُحُدٍ . والنَّحْبُ في اللُّغة : النَّذْرُ ، وَقِيْلَ : النَّحْبُ هو النَّفَسُ ، ومنه النَّحِيْبُ : وهو التَّنَفُّسُ الشديدُ والنَّشْجُ في البكاءِ . والمعنى على هذا القولِ : ( مِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) { وَمِنْهُمْ مَّن يَنتَظِرُ } ؛ الموتَ على ذلك العهدِ . وَقِيْلَ : معناهُ : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ) أي ماتَ أو قُتِلَ في سبيلِ الله فأدركَ ما تَمنَّى ، فذلك قضاءُ النَّحْب . وَقِيْلَ : فَرَغَ من عملهِ ، ورجعَ إلى اللهِ . وقال الحسنُ : ( قَضَى أجَلَهُ عَلَى الْوَفَاءِ وَالصِّدْقِ ) ، قال ابنُ قُتيبةَ : ( قَضَى نَحْبَهُ : قُتِلَ ) . وأصلُ النَّحْب : النَّذْرُ ، كان قومٌ نذرُوا أنَّهم إنْ لَقُوا العدوَّ قَاتَلُوا حتى يُقْتَلُوا أو يَفتحَ اللهُ تعالى فَقُتِلُوا . يقال : فلانٌ قَضَى نَحْبَهُ ، إذا قُتِلَ . وقال محمَّد بنُ اسحاقٍ : ( فَمِنْهُمْ مَنْ قَضَى نَحْبَهُ ، مَنِ اسْتُشْهِدَ يَوْمَ بَدْرٍ وَأُحُدٍ ، وَمِنْهُمْ مَنْ يَنْتَظِرُ مَا وَعَدَ اللهُ مِنْ نَصْرٍ أوْ شَهَادَةٍ عَلَى مَا مَضَى عَلَيْهِ أصْحَابُهُ ) . وعن عائشةَ رَضِيَ اللهُ عَنْهَا أنَّها قالَتْ : " طَلْحَةُ بْنُ عُبَيْدِاللهِ مِمَّنْ قَضَى نَحْبَهُ ، ثَبَتَ مَعَ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى أُصِيْبَتْ يَدُهُ ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أوْجَبَ طَلْحَةُ الْجَنَّةَ " " وعن أبي نَجيحٍ : أنَّ طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِ اللهِ كَانَ يَوْمَ أُحُدٍِ عِنْدَ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فِي الْجَبَلِ ، فَجَاءَ سَهْمٌ مُتَوَجِّهٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم فَاتَّقَاهُ طَلْحَةُ بيَدِهِ فَأَصَاب خِنْصَرَهُ . وعن عائشةَ : أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَالَ : " مَنْ سََرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إلَى رَجُلٍ يَمْشِي عَلَى الأَرْضِ وَقَدْ قَضَى نَحْبَهُ ، فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ " وَقالَ صلى الله عليه وسلم : " مَنْ سَرَّهُ أنْ يَنْظُرَ إلَى شَهِيْدٍ يَمْشِي عَلَى وَجْهِ الأَرْضِ فَلْيَنْظُرْ إلَى طَلْحَةَ بْنِ عُبَيْدِاللهِ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا بَدَّلُواْ تَبْدِيلاً } ؛ أي ما غيَّرُوا عهدَ اللهِ الذي عاهَدُوه عليهِ كما غَيَّرَهُ المنافقونَ . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { لِّيَجْزِيَ ٱللَّهُ ٱلصَّادِقِينَ بِصِدْقِهِمْ } ؛ أي صِدْقَ المؤمنونَ في عهدِهم ليجزِيَهم اللهُ بصدقِهم ، { وَيُعَذِّبَ ٱلْمُنَافِقِينَ } ؛ بنقضِ العهدِ ، { إِن شَآءَ } ؛ قال السديُّ : ( يُمِيْتُهُمُ اللهُ عَلَى نِفَاقِهِمْ إنْ شَاءَ فَيُوجِبُ لَهُمُ الْعَذابَ ) . فمعنى شَرْطِ المشيئةِ في عذاب المنافقين إمَاتَتُهُمْ على النفاق إنْ شاءَ ثُم يعذِّبُهم ، { أَوْ يَتُوبَ عَلَيْهِمْ } ؛ فيغفرُ لَهم ، ليس أنه يجوزُ أن لا يُعذِّبَهم إذا مَاتُوا على النِّفاقِ ، { إِنَّ ٱللَّهَ كَانَ غَفُوراً } ؛ لِمَن تابَ { رَّحِيماً } ؛ بمن ماتَ على التَّوبةِ .