Back to subchapter overview

Subchapter (Sura: 33, Ayat: 37-37)

Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm

The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com

قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَإِذْ تَقُولُ لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } ؛ أي واذْكُرْ يا مُحَمَّدُ قولَكَ { لِلَّذِيۤ أَنعَمَ ٱللَّهُ عَلَيْهِ } بالإسلامِ وغيرهِ ، { وَأَنْعَمْتَ عَلَيْهِ } ؛ بالإعْتَاقِ ؛ وهو زيدُ ابنُ حارثةَ ؛ وَقَعَ بَيْنَهُ وَبَيْنَ امْرَأتِهِ زَيْنَبُ تَشَاجُرٌ ، فَجَاءَ زَيْدٌ إلَى النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم يَشْكُوهَا بَما كَانَتْ تَسْتَطِيْلُ عَلَيْهِ بشَرَفِهَا . فَقَالَ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ عَلَى سَبيْلِ الأَمْرِ بالْمَعْرُوفِ : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } ؛ امْرَأتَكَ ولا تُطلِّقْهَا ، { وَٱتَّقِ ٱللَّهَ } ؛ فيها ولا تَفْعَلْ في أمرِها ما تَأْثَمُ بهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتُخْفِي فِي نَفْسِكَ مَا ٱللَّهُ مُبْدِيهِ } ؛ خطابٌ للنبيِّ صلى الله عليه وسلم ، وذلك أنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أضْمَرَ فِي نَفْسِهِ أنَّهُ إنْ طَلَّقَهَا زَيْدٌ ، تَزَوَّجَهَا هُوَ وَضَمَّهَا إلَى نَفْسِهِ صِلَةً لِرَحِمِهَا وَشَفَقَةً عَلَيْهَا ، فعاتبَهُ اللهُ على ذلكَ وإخفائه ؛ لكي لا يكون ظاهرُ الأنبياء عليهم السلام إلاّ كباطنهم . وكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم يعلمُ أنَّهما لا يتِّفِقانِ لكثرةِ ما كان يجرِي بينَهما من الخصومةِ ، فجعل يُخْفِيْهِ عن زيدٍ ، وكان الأَولَى بالنبيِّ صلى الله عليه وسلم أن يدعُوهُما إلى الْخُلْعِ فلم يفعَلْ ، وقالَ لهُ : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } خشيةَ أنه لو خَالَعَها ثُم تزوَّجَها النبيُّ عليه السلام أن يطعنَ الناسُ عليهِ فيُقالُ : تزوَّجَ بحليلةِ ابنهِ بعد ما بيَّنَ للناسِ أنَّ حليلةَ الابنِ حرامٌ على الأب ، فهذا معنى قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَتَخْشَى ٱلنَّاسَ } ؛ أي تخافُ لاَئِمَتَهُمْ أنْ يقولُوا : أمَرَ رَجُلاً بطَلاَقِ امْرَأتِهِ ثُمَّ نَكَحَهَا . قال ابنُ عبَّاس في هذه الآيةِ : ( أرَادَ بالنَّاسِ الْيَهُودَ ، خَشِيَ أنْ يَقُولَ الْيَهُودُ : تَزَوَّجَ مُحَمَّدٌ امْرَأةَ ابْنِهِ ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَٱللَّهُ أَحَقُّ أَن تَخْشَاهُ } ؛ أي هو أوْلَى بأنْ تخشاهُ في كلِّ الأحوالِ . وعن عليِّ بن الحسنِ : أنْ سُئِلَ عَنْ هَذِهِ الآيَةِ فَقَالَ : ( كَانَ اللهُ تَعَالَى قَدْ أعْلَمَ نَبيَّهُ عليه السلام أنَّ زَيْنَبَ سَتَكُونُ مِنْ أزْوَاجِهِ ، وَأنَّ زَيْداً سَيُطَلِّقُهَا ، فعلى هذا يكون النبي عليه السلام مُعَاتَباً عَلَى قَوْلِهِ : { أَمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ } مَعَ عِلْمِهِ بأَنَّهَا سَتَكُونُ زَوْجَتَهُ ، وَكِتْمَانِهِ مَا أخْبَرَهُ اللهُ بهِ ، وَإنَّمَا كَتَمَ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم لأَنَّهُ اسْتَحْيَا أنْ يَقُولَ لِزَيْدٍ : إنَّ زَوْجَتَكَ سَتَكُونُ امْرَأتِي ) . وَقِيْلَ : " إنَّ زَيْدَ بْنَ حَارثَةَ لَمَّا أرَادَ فِرَاقَهَا ، جَاءَ إلَى رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، فَقَالَ : يَا رَسُولَ اللهِ ؛ إنِّي أُريْدُ أنْ أُفَارقَ صَاحِبَتِي ، فَقَالَ : " مَا لَكَ ؟ أرَابَكَ مِنْهَا شَيْءٌ ؟ " قَالَ : لاَ وَاللهِ يَا رَسُولَ اللهِ ، مَا رَأيْتُ مِنْهَا إلاَّ خَيْراً ، وَلَكِنَّهَا تَتَعَظَّمُ عَلَيَّ لِشَرَفِهَا وَتُؤْذِيْنِي بلِسَانِهَا ، فَقَالَ صلى الله عليه وسلم : " أمْسِكْ عَلَيْكَ زَوْجَكَ وَاتَّقِ اللهَ " . ثُمَّ إنَّ زَيْداً طَلَّقَهَا ، فَلَمَّا انْقَضَتْ عِدَّتُهَا قَالَ صلى الله عليه وسلم لِزَيْدٍ : " مَا أجِدُ فِي نَفْسِي أحَداً أوْثَقَ مِنْكَ ، إذْهَبْ إلَى زَيْنَبَ فَاخْطُبْهَا لِي " قَالَ زَيْدٌ : فَذهَبْتُ فَإذا هِيَ تُخَمِّرُ عَجِيْنَهَا ، فَلَمَّا رَأيْتُهَا عَظُمَتْ فِي صَدْري ، حَتَّى لَمْ أسْتَطِعْ أنْ أنْظُرَ إلَيْهَا حِيْنَ عَلِمْتُ أنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم ذكَرَهَا ، فَوَلَّيْتُهَا ظَهْرِي وَقُلْتُ : يَا زَيْنَبُ أبْشِرِي ؛ إنَّ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَخْطِبُكِ ؛ فَفَرِحَتْ بذلِكَ ، وَنَزَلَ الْقُرْآنُ { زَوَّجْنَاكَهَا } فَتَزَوَّجَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم فَدَخَلَ بهَا ، وَمَا أوْلَمَ عَلَى امْرَأةٍ مِنْ نِسَائِهِ مَا أوْلَمَ عَلَيْهَا ، أطْعَمَ النَّاسَ الْخُبْزَ واللَّحْمَ حَتَّى امْتَدَّ النَّهَارُ " . قَوْلُهُ تَعَالَى : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً زَوَّجْنَاكَهَا } ؛ قضَاءُ الوَطْرِ في اللُّغة : بُلُوغُ مُنْتَهَى مَا فِي النَّفْسِ مِنَ الشَّيْءِ ، يقالُ : قَضَى وَطْراً منها ؛ إذا بَلَغَ ما أرادَ مِن حاجتهِ فيها ، ثم صارَ عبارةً عن الطَّلاقِ ؛ لأنَّ الرجُلَ إنَّما يطلِّقُ امرأتَهُ إذا لَم يبقَ له فيها حاجةٌ . وعن أنسٍ رضي الله عنه أنَّهُ قَالَ : ( لَمَّا انْقَضَتْ عِدَّةُ زَيْنَبَ بْنِتِ جَحْشٍ خَطَبَهَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم ، وَنَزَلَ قَوْلُهُ تَعَالَى { زَوَّجْنَاكَهَا } فَجَاءَ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم حَتَّى دَخَلَ عَلَيْهَا بغَيْرِ إذْنٍ لِقَوْلِهِ تَعَالَى { زَوَّجْنَاكَهَا } . وَكَانَتْ زَيْنَبُ تُفَاخِرُ نِسَاءَ النَّبيِّ صلى لله عليه وسلم وَتَقُولُ : زَوَّجَكُنَّ أهْلُوكُنَّ ، وَزَوَّجَنِي اللهُ عَزَّ وَجَلَّ ) . ومعنَى الآيةِ : { فَلَمَّا قَضَىٰ زَيْدٌ مِّنْهَا وَطَراً } وطلَّقَها { زَوَّجْنَاكَهَا } . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { لِكَيْ لاَ يَكُونَ عَلَى ٱلْمُؤْمِنِينَ حَرَجٌ فِيۤ أَزْوَاجِ أَدْعِيَآئِهِمْ إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } ؛ أي زوَّجنَاكَ زينبَ لكَيلاَ يُظَنَّ أن امرأةَ المتبَنَّى لا تحلُّ . والأدْعِيَاءُ : جمعُ دَعِيٍّ ؛ وهو الذي يُدْعَى ابْناً من غيرِ ولادةٍ . قال الحسنُ : ( كَانَتِ الْعَرَبُ تَظُنُّ أنَّ حُرْمَةَ الْمُتَبَنَّى كَحُرْمَةِ الابْنِ ، فَبَيَّنَ اللهُ " أنَّ نساءَ " الأدْعِيَاءِ غَيْرُ مُحَرَّمَةٍ عَلَى الْمُتَبَنَّى وَإنْ أصَابُوهُنَّ ، وَهُوَ قَوْلُهُ { إِذَا قَضَوْاْ مِنْهُنَّ وَطَراً } بخِلاَفِ ابْنِ الصُّلْب ، فَإنَّ امْرَأتَهُ تَحْرُمُ بنَفْسِ الْعَقْدِ ) . وقَوْلُهُ تَعَالَى : { وَكَانَ أَمْرُ ٱللَّهِ مَفْعُولاً } ؛ معناهُ : وكان تزويجُ النبيِّ صلى الله عليه وسلم لزينبَ قضاءً كائناً مكتُوباً في اللوحِ الْمَحفُوظِ .