Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 4-4)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { مَّا جَعَلَ ٱللَّهُ لِرَجُلٍ مِّن قَلْبَيْنِ فِي جَوْفِهِ } ؛ قال ابنُ عبَّاس رَضِيَ اللهُ عَنْهُمَا : ( نَزَلَتْ هَذِهِ الآيَةُ فِي أبي مُعَمَّرٍ جَمِيْلِ بْنِ أبي رَاشِدٍ الْفِهْرِيِّ ، وَكَانَ رَجُلاً حَافِظاً لَبيْباً لِمَا يَسْمَعُ ، وَكَانَ يَقُولُ : إنَّ فِي جَوْفِي لَقَلْبَيْنِ ، أعْقِلُ بكُلِّ وَاحِدٍ مِنْهُمَا أفْضَلَ مِنْ عَقْلٍ مُحَمَّدٍ ! وَكَانَتْ قُرَيْشُ تُسَمِّيْهِ ذا الْقَلْبَيْنِ لِدَهَائِهِ وَكَثْرَةِ حِفْظِهِ لِلْحَدِيْثِ ، فَأَنْزَلَ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ هَذِهِ الآيَةَ تَكْذِيْباً لَهُمْ ، فَأَخْبَرَ أنَّهُ مَا خَلَقَ لأَحَدٍ قَلْبَيْنِ . فَلَمَّا كَانَ يَوْمُ بَدْر وَهُزِمَ الْمُشْرِكُونَ وَفِيْهِمْ أبُو مُعَمَّرٍ ، تَلَقَّاهُ أبُو سُفْيَانَ وَهُوَ يَعْدُو وَإحْدَى نَعْلَيْهِ فِي يَدِهِ وَالأُخْرَى فِي رجْلِهِ ، فَقَالَ لَهُ : يَا أبَا مُعَمَّرٍ مَا فَعَلَ النَّاسُ ؟ قَالَ : انْهَزَمُواْ . فَقَالَ لَهُ : مَا بَالُ إحْدَى نَعْلَيْكَ فِي يَدِكَ وَالأُخْرَى فِي رجْلِكَ ؟ ! فَقَالَ : مَا شَعَرْتُ إلاَّ أنَّهُمَا فِي رجْلِيَّ . فَعَرَفُواْ يَوْمَئِذٍ أنَّهُ لَوْ كَانَ لَهُ قَلْبَانِ مَا نَسِيَ نَعْلَهُ فِي يَدِهِ ) . وقال الزهريُّ ومقاتلُ : ( هُوَ مَثَلٌ ضَرَبَهُ اللهُ لِلْمُظَاهِرِ امْرَأتَهُ وَالْمُتَبَنِّي وَلَدَ غَيْرِهِ ، يَقُولُ : فَكَمَا لاَ يَكُونُ لِلرَّجُلِ قَلْبَانِ ، لاَ تَكُونُ امْرَأةُ الْمُظَاهِرِ أُمَّهُ حَتَّى لاَ يَكُونَ لَهُ أُمَّانِ ، وَلاَ يَكُونُ وَلَدٌ ابْنَ رَجُلَيْنِ ) . قًَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ أَزْوَاجَكُمُ ٱللاَّئِي تُظَاهِرُونَ مِنْهُنَّ أُمَّهَاتِكُمْ } ؛ أي ما جَعَلَ نساءَكم اللاَّئي تقولونَ لَهُن : أنتُنَّ علينا كظُهور أُمَّهاتِنا ، لَم نجعلَهن كأُمَّهاتِكم في الْحُرْمَةِ . وكانت العربُ تُطَلِّقُ نساءَها في الجاهلية بهذا اللفظِ ، فلما جاءَ الإسلامُ نُهُوا عنه ، وأُوجِبَتِ الكفارةُ في سورةِ الْمُجادلَةِ . قًَوْلُهُ تَعَالَى : { وَمَا جَعَلَ أَدْعِيَآءَكُمْ أَبْنَآءَكُمْ } ؛ أي ما جعلَ مَن تدَّعُونَهُ ابناً من أبناءِ غيرِكم كأبنائكم الذين مِن أصْلاَبكم في الانتساب والْحُرمَةِ والْحُكْمِ ، وكان رسولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَدْ تَبَنَّى زَيْدَ بْنَ حَارثَةَ بَعْدَ أنْ أعْتَقَهُ ، فَكَانَ يُقَالُ : زَيْدُ بْنُ مُحَمَّدٍ ، فَلَمَّا جَاءَ الإسْلاَمُ أُمِرَ أنْ تُلْحَقَ الأدْعِيَاءُ بآبَائِهم ، وَكَانَ يَوْمَ تَبَنَّاهُ رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم قَبْلَ الْوَحْيِ . قرأ نافعُ وأبو عمرٍو ( وَتَظَّهَّرُونَ ) بفتح التاءِ وتشديد الظَّاء والهاءِ من غير ألِف ، وقرأ الشَّاميُّ كذلك إلاّ أنَّه بألف ، وقرأ حمزةُ والكسائي مثلَ قراءةِ شامي إلاّ أنه بالتخفيفِ ، وقرأ عاصمُ والحسن بضمِّ التاء وتخفيف الظَّاء وبألف وكسرِ الهاء ، قال أبو عمرٍو : ( وَهَذا مُنْكَرٌ ؛ لأَنَّ التَّظَاهُرَ مِنَ التَّعَاوُنِ ) . قًَوْلُهُ تَعَالَى : { ذَٰلِكُمْ قَوْلُكُم بِأَفْوَاهِكُمْ } ؛ أي الذي تقولونَهُ من إضافةِ القَلبَينِ إلى الرجُل الواحدِ ، وقولِ الرجُل لامرأتهِ : أنتِ علَيَّ كظهرِ أُمِّي ، وقولِ الرجُل لغيرِ ابنه : هذا ابْنِي ، قَولهُ : تقولونَ بأفواهِكم من غيرِ أن يكون له حقيقةٌ ولا عليه دلالةٌ ولا حُجَّةٌ ، { وَٱللَّهُ } ؛ تعالَى : { يَقُولُ ٱلْحَقَّ } ؛ أي يُبَيِّنُ أنَّ الذين يقولونه قولٌ باطل ، { وَهُوَ يَهْدِي ٱلسَّبِيلَ } ؛ أي يَدُلُّ على طريقِ وإلى الدِّين المستقيمِ .