Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 33, Ayat: 6-6)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ٱلنَّبِيُّ أَوْلَىٰ بِٱلْمُؤْمِنِينَ مِنْ أَنْفُسِهِمْ } ؛ أي هو أشْفَقُ وأبَرُّ وأحقُّ بالمؤمنين مِن بعضهم ببعضٍ ، وهو أولَى بكلِّ إنسانٍ منه بنفسهِ . وَقِيْلَ : معناهُ : إذا حَكَمَ فيهم بشيءٍ نَفَذ حكمهُ فيهم ، ووجبَتْ طاعتهُ عليهم . وقال ابنُ عبَّاس : ( إذا دَعَاهُمُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم إلَى شَيْءٍ ، وَدَعَتْهُمْ أنْفُسُهُمْ إلَى شَيْءٍ ، كَانَتْ طَاعَةُ النَّبيِّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى بهِمْ مِنْ طَاعَةِ أنْفُسِهِمْ ) . وقال مقاتلُ : ( مَعْنَاهُ طَاعَتُهُ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم أوْلَى بهِمْ مِنْ طَاعَةِ بَعْضِهِمْ لِبَعْضٍ ) . وقال الحكماء : النبيُّ أولَى بالمؤمنينَ مِن أنفُسِهم لأنفُسِهم ، تدعُوهم إلى ما فيه هلاكُهم ، والنبيُّ صلى الله عليه وسلم يدعوهم إلى ما فيهِ نَجاتُهم . وقال أبُو بكرٍ الورَّاق : ( لأَنَّ النَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَدْعُوهُمْ إلَى الْعَقْلِ ، وَأنْفُسُهُمْ تَدْعُوهُمْ إلَى الْهَوَى ) . وقال بَسَّامُ بنُ عبدِالله : ( لأَنَّ أنْفُسَهُمْ تُحْرَسُ مِنْ نَار الدُّنْيَا ، وَالنَّبيَّ صلى الله عليه وسلم يَحْرِسُهُمْ مِنْ نَار الآخِرَةِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأَزْوَاجُهُ أُمَّهَاتُهُمْ } ؛ أي كأُمَّهَاتِهم في تَعْظِيْمِ حَقَّهِنَّ وفي تحريم نكَاحِهن ، فلا يَحِلُّ لأحدٍ أن يتزوَّجَ بهنَّ ، كما لا يجوزُ التزويجُ بالأُمِّ . ولَم يُرِدْ إثباتَ الأُميَّة من جميعِ الوُجُوهِ ، ألاَ ترَى أنه لا تحلُّ رؤيَتُهن ولا يَرَيْنَ المؤمنين بخلافِ الأُمَّهات ، وكذلك لا يخلُو بهنَّ ، ولا يسافرُ بهم ، ولا يرثُهن ولا يرِثونَهُ ، ولو كنُ كالأُمَّهات من جميعِ الوجوه لكان النبيُّ صلى الله عليه وسلم لا يزوِّجُ بناتَهُ من أحدٍ مِن الناسِ ؛ لأن البناتَ يكُنَّ أخَواتِ المؤمنينَ . ومِن هذا المعنى ما رُوي : أنَّ امْرَأةً قَالَتْ لِعَائِشَةَ : يَا أُمِّ ، قَالَتْ : ( لَسْتُ لَكِ بأُمٍّ ، إنَّمَا أنَا أُمُّ رجَالِكُمْ ) فبَانَ بهذا أنَّ معنى الأُمومَةِ تحريمَ نكاحِهن فقط . ولِهذا لا يجوزُ أن يقالَ لبنَاتِهن أنَّهن أخواتُ المؤمنينَ . وفائدةُ تحريمِ نكاح أزواجِ النبيِّ صلى الله عليه وسلم على المؤمنين في حياتهِ وبعد وفاتهِ تعظيمُ أمرهِ وتفخيمُ شأْنِه ، ولذلكَ حَرُمَ على الابنِ نكاحُ امراةِ أبيهِ . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } ؛ أي وذوُ القرابةِ بعضُهم أحقُّ بميراث بعضٍ في حُكمِ اللهِ ، { مِنَ ٱلْمُؤْمِنِينَ وَٱلْمُهَاجِرِينَ } ؛ إذا لَم يكونوا قرابةً ، وذلك أنَّهم كانوا يتوَارَثُونَ في ابتداءِ الإسلامِ بالهجرةِ والْمُوَآخَاةِ . قال الكلبيُّ : ( آخَا رَسُولُ اللهِ صلى الله عليه وسلم بَيْنَ النَّاسِ ، فَكَانَ يُوَآخِي بَيْنَ الرَّجُلَيْنِ ، وَإذا مَاتَ أحَدُهُمْ وَرثَهُ الثَّانِي دُونَ عُصْبَتِهِ وَأهْلِهِ ، فَمَكَثُواْ كَذلِكَ مَا شَاءَ اللهُ حَتَّى نَزَلَتْ الآيَةُ { وَأُوْلُو ٱلأَرْحَامِ بَعْضُهُمْ أَوْلَىٰ بِبَعْضٍ فِي كِتَابِ ٱللَّهِ } مِنَ الْمُؤْمِنِيْنَ الََّذِيْنَ آخَا رَسُولُ اللهِ بَيْنَهُمْ وَالْمُهَاجِرِيْنَ ، فَنَسَخَتْ هَذِهِ الآيَةُ الْمُوَارَثَةَ بالْمُوَآخاةِ وَالْهِجْرَةِ ، وَصَارَتْ لِلأَدْنَى فَالأَدْنَى مِنَ الْقَرَابَاتِ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِلاَّ أَن تَفْعَلُوۤاْ إِلَىٰ أَوْلِيَآئِكُمْ مَّعْرُوفاً } ؛ { مَّعْرُوفاً } استثناءٌ ليس مِن الأول ، ومعناهُ : لكن فِعْلُكم إلى أوليائِكم جائزٌ ، يريدُ أن يُوصِي الرجلُ لِمَنْ يتوَلاَّهُ ممن لا يرثهُ بما أحبَّ من ثُلْثِ مالهِ ، فيكونُ الموصَى له أولَى بقدر الوصيَّة من القريب الوارث ، وقال ابنُ زيدٍ : ( مَعْنَاهُ إلاَّ أنْ تُوصُواْ لأَوْلِيَاءِكم مِنَ الْمُهَاجِرِيْنَ ) . قَوْلُهُ تَعَالَى : { كَانَ ذَلِكَ فِي ٱلْكِتَابِ مَسْطُوراً } ؛ أي كانَ الميزانُ للأقرباءِ ، والوصيةُ للأصدقاءِ ، ونُسِخَ الميراثُ بالهجرةِ ورَدَّهُ إلى ذوي الأرحامِ مَكتوباً في اللَّوح المحفوظِ .