Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 35, Ayat: 32-32)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { ثُمَّ أَوْرَثْنَا ٱلْكِتَابَ ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } ؛ قال مقاتلُ : ( يَعْنِي الْقُرْآنَ ) ، وقوله تعالى : { ٱلَّذِينَ ٱصْطَفَيْنَا مِنْ عِبَادِنَا } يريد أُمَّة مُحَمَّدٍ صلى الله عليه وسلم . ثم قسَّمَهم ورتَّبَهم فقالَ تعالى : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ } ؛ وهو الذي ماتَ على كِبْرِه ولم يَتُبْ عنها ، { وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ } ؛ وهو الذي لَمْ يُصِبْ كبيرةً ، { وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } ؛ يعني المقرَّبين الذين سبَقُوا إلى أعمالٍ ، وقال الحسنُ : ( الظَّالِمُ : الَّذِي تَرَجَّحَ سَيِّئَاتُهُ عَلَى حَسَنَاتِهِ ، وَالْمُقْتَصِدُ : الَّذِي اسْتَوَتْ حَسَنَاتُهُ سَيِّئَاتُهُ ، وَالسَّابقُ : مَنْ رَجَحَتْ حَسَنَاتُهُ عَلَى سَيِّئَاتِهِ ) . وعن عُمر بن الخطَّاب رضي الله عنه قالَ : " سَمِعْتُ رَسُولَ اللهِ صلى الله عليه وسلم يَقُولُ : " سَابقُنا سَابقٌ " أي إلى الجنَّة أو إلى رحمةِ الله تعالى بالخيراتِ ؛ أي بالأعمال الصالحة ، { بِإِذُنِ ٱللَّهِ } ؛ أي بإرادةِ الله ، { ذَلِكَ هُوَ ٱلْفَضْلُ ٱلْكَبِيرُ } ؛ معناهُ : إيراثُهم الكتابَ هو الفضلُ الكبير ، وسُمي إعطاءُ الكتاب إيْرَاثاً لأنَّهم أُعْطُوهُ بغيرِ مسألةٍ ولا اكتساب . وعن رسولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم أنَّهُمْ قَالُواْ : " السَّابقُونَ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ بغَيْرِ حِسَابٍ ، وَالْمُقْتَصِدُونَ يُحَاسَبُونَ حِسَاباً يَسِيراً ثُمَّ يَدْخُلُونَ الْجَنَّةَ ، وَالظَّالِمُونَ يُحَاسَبُو مَا شَاءَ اللهُ أنْ يُحَاسَبُواْ ، ثُمَّ يَرْحَمُهُمُ اللهُ تَعَالَى فَيُدْخِلُهُمُ الْجَنَّةَ ، وَهُمُ الَّذِينَ يَقُولُونَ : الْحَمْدُ للهِ الَّّذِي أذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ … " إلى آخرِ الآيتَين . وعن الحسنِ أنه قالَ : ( السَّابقُ الَّذِي تَرَكَ الدُّنْيَا ، وَالْمُقْتَصِدُ الَّذِي أخَذ الْحَلاَلَ ، وَالظَّالِمُ الَّذِي لاَ يُبَالِي مِنْ أيْنَ أخَذ ) . ويقالُ : الظالِمُ صاحبُ الكبائرِ ، والمقتصدُ صاحبُ الصَّغائرِ ، والسَّابقُ الذي اتقى سيئاته . فإنْ قيلَ ما الحكمةُ في تقديمِ الظالِم وتأخيرِ السابق ؟ قِيْلَ : الواوُ لا توجِبُ الترتيبَ كما قالَ تعالى { فَمِنكُمْ كَافِرٌ وَمِنكُمْ مُّؤْمِنٌ } [ التغابن : 2 ] . وَقِيْلَ : قدَّمَ الظالِمَ لئَلاَّ ييأسَ من رحمتهِ ، وأخَّرَ السابقَ لئَلا يُعجَبَ بنفسهِ . وَقِيْلَ : قدَّمَ الظالِمَ فإذا لَم يكن له شيءٌ يتَّكِلُ عليه إلاَّ رحمةُ الله تعالى ، وثَنَّى بالمقتصدِ لِحُسنِ ظنِّهِ بربه . وَقِيْلَ : لأنه بين الخوفِ والرَّجاءِ ، وأخَّرَ السابقَ لأنه اتَّكَلَ على حسَناتهِ . وَقِيْلَ : لئلا يأمَنَ أحدٌ مَكْرَهُ ، وكلُّهم في الجنَّة بُحرَمِة كلمةِ الإخلاصِ . وعن عُقبة بن صَهبان قال : ( سَأَلْتُ عَائِشَةَ عَنْ قَوْلِهِ : { فَمِنْهُمْ ظَالِمٌ لِّنَفْسِهِ وَمِنْهُمْ مُّقْتَصِدٌ وَمِنْهُمْ سَابِقٌ بِٱلْخَيْرَاتِ } فَقَالَتْ : يَا بُنَيَّ كُلُّهُمْ فِي الْجَنَّةِ ، وَأمَّا السَّابقُ فَمَنْ مَضَى عَلَى عَهْدِ رَسُولِ اللهِ صلى الله عليه وسلم شَهِدَ لَهُ النَّبيُّ صلى الله عليه وسلم بالْجَنَّةِ ، وَأمَّا الْمُقْتَصِدُ فَمَنْ تَبعَ أثَرَهُ مِنْ أصْحَابهِ حَتَّى لَحِقَ بهِ ، وَأمَّا الظَّالِمُ فَمِثْلِي وَمِثْلَكَ ) . وقال سهلُ بن عبدِالله : ( السَّابقُ الْعَالِمُ ، وَالْمُقْتَصِدُ الْمُتَعَلِّمُ ، وَالظَّالِمُ الْجَاهِلُ ) . وَقِيْلَ : السابقُ الذي اشتغلَ بمَعادهِ ، والمقتصدُ بمعَادهِ ومعاشهِ ، والظالِمُ الذي اشتغلَ بمعاشهِ عن معادهِ . وَقِيْلَ : الظالِمُ طالِبُ الدُّنيا ، والمقتصدُ طالبُُ العُقبَى ، والسابقُ طالب المولَى . وَقِيْلَ : الظالِمُ الْمُرائِي في جميعِ أفعالهِ ، والمقتصدُ المرائِي في بعضِ أفعالهِ دون بعضٍ ، والسابقُ المخلِصُ في أفعالهِ كلِّها . وَقِيْلَ : الظالِمُ مَن كان ظاهرهُ خيراً من باطنهِ ، والمقتصدُ من استوَى ظاهرهُ وباطنه ، والسابقُ الذي باطنهُ خيرٌ من ظاهرهِ . وَقِيْلَ : الظالِمُ الذي يجزَعُ عند البلاءِ ، والمقتصدُ الذي يصبرُ عند البلاءِ ، والسابقُ الذي يتلَذذُ بالبلاءِ ! وَقِيْلَ : الظالِمُ الذي يَعبدُ اللهَ خَوفاً من النار ، والمقتصدُ الذي يعبدهُ طَمعاً في الجنَّة ، والسابقُ الذي يعبدهُ لا لسببٍ من الأسباب إلاَّ لرحمتهِ الكريم ! وَقِيْلَ : الظالِمُ الذي يعبدُ اللهَ على الغفلةِ ، والمقتصدُ الذي يعبدهُ على الرَّغبةِ , والسابقُ الذي يعبدهُ على الهيبةِ . وَقِيْلَ : الظالِمُ الذي أُعطِيَ فمنعَ ، والمقتصدُ الذي أُعطِيَ فبذلَ ، والسابقُ الذي أُعطِيَ فشَكرَ . وَقِيْلَ : الظالِمُ غافلٌ ، والمقتصدُ طالبٌ ، والسابقُ واصلٌ . وَقِيْلَ : الظالِم مَن استغنَى بمالهِ ، والمقتصدُ من استغنَى بدينهِ ، والسابقُ مَن استغنَى بربه . وَقِيْلَ : السابقُ الذي يدخلُ المسجدَ قبلَ الأذانِ ، والمقتصدُ الذي يدخلُ وقتَ الأذانِ ، والظالِمُ الذي يدخلُ وقتَ أُقِيمَتِ الصلاة ! وَقِيْلَ : الظالِمُ الذي يحبُّ نفسَهُ ، والمقتصدُ الذي يحب دِينَهُ ، والسابقُ الذي يحبُّ ربَّهُ . وَقِيْلَ : الظالِمُ مدعوٌّ ، والمقتصد مأذونٌ له ، والسابق مقرَّبٌ .