Back to subchapter overview
Subchapter (Sura: 36, Ayat: 15-27)
Tafsir: Tafsīr al-Qurʾān al-karīm
The Arabic texts on this page originate from AlTafsir.com
قَوْلُهُ تَعَالَى : { قَالُواْ مَآ أَنتُمْ إِلاَّ بَشَرٌ مِّثْلُنَا وَمَآ أَنَزلَ ٱلرَّحْمَـٰنُ مِن شَيْءٍ إِنْ أَنتُمْ إِلاَّ تَكْذِبُونَ * قَالُواْ رَبُّنَا يَعْلَمُ إِنَّآ إِلَيْكُمْ لَمُرْسَلُونَ * وَمَا عَلَيْنَآ إِلاَّ ٱلْبَلاَغُ ٱلْمُبِينُ * قَالُوۤاْ إِنَّا تَطَيَّرْنَا بِكُمْ لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ وَلَيَمَسَّنَّكُمْ مِّنَّا عَذَابٌ أَلِيمٌ * قَالُواْ طَائِرُكُم مَّعَكُمْ أَئِن ذُكِّرْتُم بَلْ أَنتُمْ قَوْمٌ مُّسْرِفُونَ } والقصَّةُ : أنَّ عيسَى عليه السلام لَمَّا بعثَ الرسولَين إلى أنطاكيَّة وقَرُبَا من المدينةِ ، وجَدَا شيخاً كَبيراً يرعَى غُنَيمَاتٍ له وهو حبيبُ النجَّار فسَلَّما عليه ، فقالَ لَهما : مَن أنتُما ؟ قالاَ : رسُولاَ عيسَى عليه السلام ندعُوكم إلى عبادةِ الله تعالى ، قالَ : هل معَكُما آيةٌ ؟ قالاَ : نَعَمْ ؛ نَشفِي المريضَ ونُبرِئُ الأكْمَهَ وَالأبرصَ بإذنِ الله تعالى . فقالَ الشيخُ : إنَّ لِي إبناً مَريضاً صاحبَ فِرَاشٍ منذُ سِنينَ ، قالاَ : فَانطَلِقْ بنا إليهِ . فانطلقَ بهما إليه ، فمَسَحا ابنَهُ فقامَ من ساعتهِ صَحيحاً بإذنِ الله تعالى . ففشَا الخبرُ في المدينةِ ، وشفَى اللهُ على أيدِيهما كَثيراً من المرضَى ، وآمَنَ حبيبُ النجَّار ، وجعلَ يعبدُ اللهَ تعالى في غار جَبَلٍ في أبعدِ أطرافِ المدينة . فسمعَ الملِكُ بخبرِ هذين الرَّسولَين ، وكان يعبدُ الأصنامَ ، فدعَا لَهُما فأتياهُ ، فقالَ لَهما : مَن أنتُما ؟ قالاَ : رسولاَ عيسَى عليه السلام ندعُوكَ إلى عبادةِ الله تعالى ، قال : وما آيتُكما ؟ فقالاَ : نُبرِئُ الأكمَهَ والأبرصَ ، فغَضِبَ الملِكُ وأمرَ بهما فحُبسَا ، وجُلِدَ كلُّ واحدٍ منهما مائةَ جلدةٍ . فلمَّا كُذِّبَ الرسُولاَنِ ، بعثَ عيسى رسُولاً ثالثاً يقالُ له : شَمعون المصفِّي على إثرِهما لينصُرَهما ، فدخلَ شمعونُ البلدَ متنكِّراً ، وجعلَ يعاشِرُ حاشيتَهُ حتى أفشَوا به ، فرُفِعَ خبرهُ الى الملِكِ فدعاهُ فأكرمَهُ وأنِسَ بهِ . فقالَ له ذاتَ يومٍ : أيُّها الملِكُ ؛ بلَغَني أنَّكَ حبستَ رجُلَين في السِّجن وضَربتَهُما حين دعَياكَ الى دينٍ غيرِ دِينكَ ، فهل كلَّمْتَهما وسمعتَ قولَهما ؟ قالَ : لاَ ، قالَ : فإنْ رأى الملِكُ أن يدعوَهُما ويسمعَ قولهما حتى يطَّلِعَ على ما عندهما . فدعاهُما الملِكُ ، فقالَ لهما شمعونُ : مَن أرسلَكُما ؟ قالاَ : اللهُ الذي خلقَ كلَّ شيءٍ وليس له شريكٌ . فقالَ لهما شمعون : صِفَاهُ وأوجِزَا ، فقالاَ : إنه يفعلُ ما يشاءُ ويحكمُ ما يريد . قال شمعونُ : وما آيَتُكما ؟ قَالاَ : ما تَتمَنَّاهُ . فأمرَ الملِكُ حتى جَاؤُا بغُلامٍ مطمُوسِ العَينَينِ ، موضعُ العينين كلٌّ لجِهَةٍ ، فمَا زالاَ يدعُوَان اللهَ حتى انشقَّ موضعُ البصرِ ، ثم أخذا بَندُوقَتَيْنِ فوُضِعَتا في الحدَقَتَين ، فصارَتا مُقْلَتَيْنِ يبصرُ بهما ، فعَجِبَ الملِكُ من ذلك . فقال شمعونُ للملِك : إنْ سألتَ إلَهكَ أن يصنعَ مثل هذا ، فصَنَعَهُ كان لكَ ولآلهتكَ الشرفُ . فقال الملِكُ : ليس لِي عَنْكَ سِرُّ أُسِرُّه إليك : إنَّ إلَهنا الذي نعبده لا يسمعُ ولا يبصر ولا ينفعُ . ثم قالَ للمرسُولِين : إنَّ هنا مَيِّتاً ماتَ منذُ سبعةِ أيَّام ، فلم أدفِنْهُ وأخَّرتُه حتى يرجعَ أبوهُ ، وكان أبوهُ غائباً ، فإن قَدِرَ إلَهُكما على إحيائهِ آمنتُ بهِ . قالاَ : إنَّ إلَهنا قادرٌ على كلِّ شيء ، ثم جعَلاَ يدعُوان اللهَ علانيةً ، وجعلَ شمعون يدعُو ربَّهُ سِرّاً ، فقامَ الميِّتُ حيّاً بإذنِ اللهِ تعالى ، وقد تغيَّرَ وانتنَّ وهو يقولُ : أيُّها الملِكُ إنِّي متُّ منذ سبعةِ أيَّام ، ووجدتُ مُشْرِكاً فأُدخِلْتُ في سبعةِ أوديةٍ من النار ، فأنا أُحذِّرُكم ما أنتم عليه ، فآمِنُوا باللهِ واتَّبعُوا هؤلاءِ الثلاثةَ . فقال الملِكُ : ومَنِ الثلاثةُ ؟ قالَ : شمعونُ وهذانِ ، وأشارَ الى الرَّسُولَين . فتعجَّبَ الملِكُ من ذلك ، وأجمعَ هو وقومهُ على قتلِ الرُّسُلِ . فبلغَ ذلك حَبيباً النجَّار وهو على باب المدينة الأقصَى . وَقِيْلَ : إنَّ الملِكَ قالَ لَهم : إنَّكم توافقتُم على هذا الكلامِ ، ثم أمرَ بهم فأُخِذُوا ونُتِفَتْ حَواجِبُهم وشُعورُ أعْيُنِهِمْ ، وطِيفَ بهم ، فلمَّا سمعَ حبيبُ النجَّار ذلك أقبلَ مِن أبعدِ أطرافِ المدينة يسعَى ؛ أي يَعْدُو ليَنصُرَ الرسُلَ ويذكرهم ويدعو إلى طاعةِ المرسَلين ، وذلكَ : قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ قَالَ يٰقَوْمِ ٱتَّبِعُواْ ٱلْمُرْسَلِينَ } ؛ وقال حبيبُ للرُّسُل : أتُرِيدُونَ أجْراً على ما جئتم بهِ ؟ قالوا : لاَ ، فقالَ لقومهِ : { ٱتَّبِعُواْ مَن لاَّ يَسْأَلُكُمْ أَجْراً وَهُمْ مُّهْتَدُونَ } ؛ أي مُصِيبُونَ في مقالَتِهم ، فقالوا له : صَبَوْتَ إليهم يا حبيبُ ودخلتَ في دِينهم ؟ فقال : { وَمَا لِيَ لاَ أَعْبُدُ ٱلَّذِي فَطَرَنِي } ؛ أي أيٌّ شيء لِي إذا لم أعبُدْ خَالِقِي ، { وَإِلَيْهِ تُرْجَعُونَ } ، أي إليه تُرجَعُونَ عندَ البعثِ فيجزِيكم بكُفرِكم . ثم إنَّ أهلَ المدينةِ قالوا : ليس الرُّسل بأَولى بالنبوَّة منا فيما تقولون ، قالوا : ربُّنا يعلمُ إنَّا إليكم لَمُرسَلون وما علينا إلا البلاغُ المبين ، أي ليس علينا إلاّ التبليغُ البيّن . فقال القومُ للرسل : إنا تطيَّرنا بكم ، أي تشاءمنا منكم ، وقد كان حُبس عنهم المطرُ ، فقالوا ما أصابنا هذا الشر إلاّ من قبلكم { لَئِن لَّمْ تَنتَهُواْ لَنَرْجُمَنَّكُمْ } أي لئن لم تنَتهوا من مقالتكم هذه لنقتلَنَّكم رَجْماً وليمَسَّنكم منا عذاب ، يعنون القتلَ والضربَ . فقالت لهم الرسُل : { طَائِرُكُم مَّعَكُمْ } أي شُؤْمُكم معكم وهو كُفركم بالله تَعَالَى . قَوْلُهُ تَعَالَى : { أَئِن ذُكِّرْتُم } معناه لئن وُعِظتم بمواعظ اللهِ تشاءَمتُم بنا بما لا يوجبُ التشاؤمَ ولكن أنتم قومٌ مسرفون ، متجاوزون عن الحدِّ في الذنب والمعصية . قَوْلُهُ تَعَالَى : { وَجَآءَ مِنْ أَقْصَى ٱلْمَدِينَةِ رَجُلٌ يَسْعَىٰ } يعني حَبيباً النجَّار ( قَالَ يَا قَوْمِ اتَّبعُوا الْمُرْسَلِينَ اتَّبعُوا مَنْ لاَ يَسْأَلُكُمْ أجْراً وَهُمْ مُهْتَدُونَ ) أي مَن لا يسألُكم أموالَكُم على ما جاءَكم به مِن الْهُدَى ، فقالُوا له : أتَّبَعْتَهُمْ أنتَ يا حبيبُ ؟ قالَ : نعَمْ ( وَمَا لِي لاَ أعْبُدُ الَّذِي فَطَرَنِي وَإلَيْهِ تُرْجَعُونَ ) في الآخرةِ . ثم أنكرَ عليهم اتخاذ الأصنامِ وعبادتَها ، فقال : { أَأَتَّخِذُ مِن دُونِهِ آلِهَةً } ، كما اتَّخذتُم ، { إِن يُرِدْنِ ٱلرَّحْمَـٰنُ بِضُرٍّ } ، في جسَدِي أو في معيشَتِي ، { لاَّ تُغْنِ عَنِّي } ، لا تنفعُ عنِّي ، { شَفَاعَتُهُمْ شَيْئاً } ، يعني لا شفاعةَ لها ، { وَلاَ يُنقِذُونَ } ؛ أي ولا يُخلِّصُونِ من ذلك المكروهِ ولا من عذاب الله ، قَوْلُهُ تَعَالَى : { إِنِّيۤ إِذاً لَّفِي ضَلاَلٍ مُّبِينٍ } ، إنْ عبدتُ غير الله كنت إذاً في الخاطئين ، { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ فَٱسْمَعُونِ } ؛ مقالَتي . وَقِيْلَ : إنَّ قولَهُ { إِنِّيۤ آمَنتُ بِرَبِّكُمْ } خطابُ المرسَلِ ، قالَ لَهم اسمعُوا كلاَمِي لتشهدوا لي به في الآخرةِ ، فلمَّا قال هَذا وثبَ عليه قومهُ وثبةَ رجُلٍ واحد فقتلوهُ ، قال ابنُ مسعودٍ : ( وَوَطَؤُهُ بأَرْجُلِهِمْ حَتَّى خَرَجَتْ أمْعَاؤُهُ مِنْ دُبُرِهِ ، فَأَدْخَلَهُ اللهُ الْجَنَّةَ فَهُوَ حَيٌّ فِيْهَا يُرْزَقُ ) ، وذلك قَوْلُهُ تَعَالَى : { قِيلَ ٱدْخُلِ ٱلْجَنَّةَ } ؛ فلما دخلَها ، { قَالَ يٰلَيْتَ قَوْمِي يَعْلَمُونَ * بِمَا غَفَرَ لِي رَبِّي وَجَعَلَنِي مِنَ ٱلْمُكْرَمِينَ } ؛ تَمنَّى أن يعلَمُوا أنَّ الله غَفَرَ له ليرغَبُوا في دينِ الرُّسلِ ، والمعنى : يا ليتَ قَومِي يعلمون بغُفرانِ ربي لي وإكرامِه إيَّاي بإدخالهِ لِي الجنَّة .